دراسات نقدية

 

 الوطن في خيمة

قراءة في ديوان " هذه خيمتي فأين الوطن " للشاعر يحيى السماوي

 

عبد اللطيف الأرناؤوط ـ دمشق

 نلاحظ أن آلآم التغرب والإغتراب قد وسمت الشعر العربي المعاصر، حتى غدت تلك السمات معلما بارزا من معالمه، وجواز مرور لا بدّ منه للدخول الى ملكوت الشعر، ونلمس أن شعر " يحيى السماوي " في جوهره، هو دعوة رفض للواقع الوطني وسعي الى التغيير.

  وسواء أكان الإغتراب يحمل في طياته التمرد على الواقع الاجتماعي، أم السياسي، أم الانساني، أو كلها معا، فانه يظل لونا من الرفض وطموحا الى التغيير، وقلقا عنيفا يهزّ كيان المجتمع.

 ويبدو أن أدب الرفض الصادق والنزيه يتضمن دعوة للتغيير والمطالبة بحالة سليمة وصحية بعيدا عن التقليد المستورد او التعبير عن مرض نفسي أفرزه العصر تحت الضغوط التي فرضتها الحضارة والمدنية على الانسان. فأصبح بعض شعرنا المعاصر رفضا لا يقيم بناء أو يصلح أذى، بل دعوة الى حرية فردية جامحة تعصف بالإنتماء والهوية والقيم، وحتى بالثوابت الاساسية.

  وشعر " السماوي " الوطني يحمل طابعا سياسيا هو في جوهره تعبير عن تيار واسع

يدين ممارسات الحكم الاستبدادي في العراق، ويستنكرعدوانه على بلد شقيق، واجتياحه إياه بلا مسوّغ مهما كانت الدواعي ويندد بمصادرة الحريات في وطنه، والتنكيل بالمفكرين والمبدعين والوطنيين الذين عارضوا هذه الممارسات. وقد آثر " السماوي " مغادرة وطنه وصورته معلقة على شغاف قلبه.. فكان رفضه لواقع وطنه وتنديده بحكامه، دافعا ملحا لأن ينصب خيمته خارج بلاده، لكنها ظلت خيمة منفردة

تعصف بها الرياح، ولا توفر لساكنها ما يوفره البيت في الوطن من دفء ومحبة وانتماء..هي خيمة تستظل بظل عالم إنساني لكنها تفتقر الى حنان بلده وحب الأهل والعشير، ويبدو فيها الشاعر مشردا ضائع القلب، ممزقا بين محطات السفر، يبحث عن وطن مفقود مزّق صورته الجميلة في نظره، تطرف القائمين عليه وعسفهم وتهورهم، فراح يبحث عنها في ركام " العراق " وخرائبه :

 

فتشت ُ في كل نفايات حروب القهر عن مدينتي

فتشت ُ عن أرومتي

وعن فرات ٍ ساحرٍ عذب...

وفجأة

رأيتُ نخلة ً على قارعة الدرب...ِ

هززتها

فانهمر الدمع على هدبي !

وعندما هززت جذع الأرض يا ربي

تساقط العراق في قلبي

 

حين يهزّ الشاعر نخلة العراق، فانه يردّنا الى صورة النخلة التي أطعمت " مريم " في القرآن الكريم... فالنخلة رمز خصب وخير وعطاء، وهي في وطنه لا تجود بغير الدموع والآلام :

 هذا عراقك يا عصور..رغيفه

  حَسَك...وكوثره دمٌ ووحولُ

 تعبت من الترحال قافلتي وما

  أخفى دموع صبابتي المنديل ُ

 وطني هو الطلل القديم ولي به

  أهلٌ وحقل مودّةٍ...وخليلُِ

 طلل ولكن لا أراه.. نأت به

  عني صحارى غربة ٍ وسهولُ

 فرضوا على المقتول فدية قاتل ٍ

  ليحوز قبرا ً في العراق قتيل ُ

 

 ويقترن حنين الشاعر الى الأرض بالحنين الى الأهل والأحبة، فيناجيهم بأرقّ ما يناجي به في ديار الغربة :

 يا بيتنا الطينيّ... لو رجعت ْ

  تلك السنون وذلك الرشد ُ

 خبّأت ُ تحت حصيره أملا ً

  طفلا ً...له بطفولتي عهد ُ

 

 ويحمل على من اتهمه بأنه هاجر عن وطنه بحثا عن أغراض الدنيا فيقول :

 أتزعم أنني هاجرت حبّا ً

  بقاص ٍ من لذاذات ٍ ودان ِ ؟

 وأني أرخص الدنيا لكأس ٍ

  وأحلم بالربابة والقيان ؟

 أنا ابن الخاشعين أبا وأما ً

  ومن ضوء الفضيلة صولجاني

 فما قايضت ـ لا والله ـ جاها ً

  بقيد... والمكانة َ بالمكان ِ

لقد بات العراق أبي وأمي

  وزادي والسراج َ بشمعداني

  

 ويشعر ان اغترابه لا يكفي لتغيير واقع وطنه، فالوطن أحوج الى مقاومة للديكتاتورية لا تتمثل بالإغتراب عنه، فالرحيل لا يسهم في التغيير، ولا يعدّ إلآ تعبيرا انفعاليا عن الرفض، واستسلاما للواقع :

 حرثت ُ بخنجر الأوهام عمري

  فأرداني وأدمى أقحواني

 فيا نخل السماوة أين كوخ ٌ

  تحيط به حديقة زعفران ؟

 زهاني خاسر ٌ ما دام غِمْدي

  بلا سيف ٍ ومكسورا ً سناني

  

ويستثير الشاعر همم شعبه للنضال والثورة على الواقع المأساوي الذي تسببت به الديكتاتورية :

 كن ْ صخرة ً تدمي... فعالمنا

  يخشى الصخور َ ويعصر العِنبا

 كن غابة النيران...لا حطبا ً

  وأعدْ رباط الخيل ِ لا الخُطبا

 واضرب ْ رؤوساً غير طاهرة ٍ

  أضحت لرأس ِ خطيئةٍ ذنبا