ندوة وعصافير

 

بلقيس حميد حسن

الجزء الأول

 عقدت الندوة النسوية الدولية الأولى في المغرب لهذا العام في موضوع" المرأة والإبداع والتأريخ" وذلك برحاب كلية الآداب – بني ملال- معهد الدراسات حول اللغة والإبداع والثقافة،والتابع لجامعة القاضي عياض كلية الآداب والعلوم الإنسانية - مراكش- وقد أشرف على هذه الندوة كل من الأستاذة لطيفة حليم والأستاذ محمد الأزهري.

وجهت الدعوة إلى المساهمات من قبل عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية الأستاذ احمد العلوي الذي افتتح الندوة في الجلسة الافتتاحية بكلمة أنيقة هلل لها الحضور الكريم، وأكد السيد العلوي على ضرورة الاستواء النفسي والعقلي والصحي للرجل ولا يحصل ذلك إلا بحب المرأة الزوجة الأم... المبدعة. وأكد على ضرورة مشاركة المرأة في مناصب القرار وتقف بجنب الرجل ليكتمل الحب حب الإنسانية. كما أشاد بدور المرأة عموما ببناء المجتمعات، حيث لا تبنى الحضارة الحديثة مع جهل وأمية المرأة، ثم تلتها كلمة الدكتور محمد الأزهري مدير معهد الدراسات في بني ملال وجاءت كلمته تتويجا لما فعلته الكلية من تخصيص هذه الندوة للمبدعات والدارسات والمساهمات بالثقافة العربية ونشرها لتأسيس مجتمع العدالة الاجتماعية, بعد ذلك دعي الحضور لمعرض الفنانات التشكيلات الذي افتتح بالمعهد, وكان المعرض زاخرا باللوحات التي عكست قدرات نسوية على الإبداع، كما قد عرض المعهد كتبا للمبدعات والدارسات المساهمات من كاتبات وشاعرات وباحثات, بعدها اختتمت الفعاليات الصباحية بحفل شاي لطاقم المعهد والضيوف، مما أضفى جوا حميما من التفاهم والترحاب الذي عرف به الشعب المغربي في كل منتدياته الفكرية الناجحة.

 استمرت الندوة ثلاثة أيام، قدمت فيها عديد من المحاضرات من طرف باحثات أكاديميات من مختلف البلدان العربية ومهن المقيمات خارج الوطن. فقد جاء في برنامج الجلسة الثانية لليوم الأول محاضرة للأستاذة نفيسة الذهبي، وهي أستاذة التأريخ بجامعة الرباط وكانت بعنوان الزاوية الفاسية، تحدثت بها عن الصوفي في التأريخ، وجاوبت على تساؤل طرحته في المحاضرة وهو :

أين نضع الخطاب الصوفي في الإسلام ؟ وهل أن الصوفية تقهقر أم تطور في الإسلام؟

ركزت المحاضرة على صمود الزاوية الفاسية, بين الفترة الإسلامية حتى العهد العلوي، وذكرت أهم مقومات البقاء والقدرة ومن أين جاءت هذه الإمكانيات التي أبقت الزاوية قائمة حيث عزتها إلى نقاط واسباب أهمها المرونة والاقتران بالعالم.

ثم شرحت كيفية تأسيس الزاوية الفاسية عام 1581 ميلادية واهم المراحل التي مرت بها والأساليب التي استخدمت لا بقاءها مفتوحة, وعرجت أيضا على طرق الصوفية المختلفة وزواياها مقارنة بالزاوية الفاسية. لقد طرحت المحاضرة باسلوب شيق قادنا إلى حيث زمان الصوفية وزوايا هم، لندخلها ونعايشها.

بعد ذلك قدمت الأستاذة لطيفة الكندوز وهي أستاذة التاريخ بجامعة الرباط محاضرتها بعنوان تاريخ الطباعة في المغرب،والتي ركّزت فيها على قضية الفهرسة وإجابة فيها على تساؤلات طرحت كمفاصل للمحاضرة أهمها يمكن وضعه في مختصر سؤالٍ؛ لم كان الاهتمام المغربي الكبير بالطباعة وتبنيّّها؟ وتساؤل عن تصورهم للطباعة الجديدة والأهداف التي وضّّفت من اجل تكنولوجيا الطباعة التي دخلت المغرب عام 1864 بعد أربع قرون من أوربا التي أوجدت الطباعة في 1535.

وعددت المـُحاضِرة أسباب التأخير في هذا الفن الهام وهي:

 1- العزلة والاحتراز من الاستعمار الأوربي.

2- الأسباب الاقتصادية التي كانت المغرب منشغلة بها،من ديون ومساعدات لثوار الجزائر، وحرب أسفي وتطوان.

3- الأسباب الاجتماعية، ومنه تصورهم بنجاسة المواد القادمة من أوربا ،وتمسكهم بالقديم من نسخ كلام الله باليد،واعتبرت أن الطباعة خاصة باليهود.

 ثم تطرّّقت إلى أولى الكتب التي طبعت في المغرب وهو كتاب شمائل محمد المغربي. وتحدثت عن أن المطبعة التي كرّست للجمود لأن الكتب المخطوطة طبعت فقط، لكنها أثارت الحوار وأنزلت العلم من برجه العاجي الذي اختصر على طبقة معينة. وقد عقّبت الدكتور لطيفة حليم على حيازة الروداني على المطبعة وهو من عامة الشعب، وأسباب حيازته للمطبعة الحجرية كما أنها استخلصت أخيرا، أن هناك تهميش لدور المرأة العربية في المساهمة في التأليف وطباعة الكتب ووجدت أن هناك كتاب واحد باسم مستعار عرفت بعد بحث انه كان لامرأة كاتبة حيث لم يكن ذاك الزمان للمرأة بعد الجرأة على أن تقول اسمها علنا أمام الملأ فكانت تتخفى باسم رجل. وقد كشفت المحاضرة عن معلومات هامة من تاريخنا وتاريخ الثقافة ووضع المرأة المربك فيه وقد تفاعل الجمهور مع المحاضرة كثيرا.

وقد رأست هذه الجلسة التي طرحت "المحور التأريخي- الاجتماعي" الدكتورة لطيفة حليم وهي أستاذة الأدب العربي بجامعة الرباط وأضافت تعقيبات حول المحاضرتين وأعطت مجالا للحضور بالمساهمة والمناقشة وطرح الأسئلة ،حيث كانت هناك أسئلة كثيرة من بعض الأساتذة والطلبة ركزت على المحاضرتين منها كانت حول دور المتصوفة بالتاريخ من إرساء بعض القيم والتقاليد العريقة والإبقاء عليها بالبقاء على بعض زواياها، خاصة تلك التقاليد والقيم المتعلقة بالطبقات الفقيرة، كذلك كان هناك تساؤل طرح وهو ؛هل يمكننا اعتبار الصوفية من أولى الحركات الليبرالية بالإسلام ؟ كذلك تساؤلات تناولت دور الطباعة في نشر الوعي بين صفوف الطبقات الاجتماعية المختلفة وأسئلة أخرى كثيرة حيث أجابت الأستاذتين الدكتورة نفيسة الذهبي والدكتورة لطيفة الكندوز حول الأسئلة وكان الحوار مليئا بروح التفاهم والرغبة بالاستزادة من المعرفة...

 

الجزء الثاني

 في الجلسة الثانية من اليوم الأول لخمسة محاضرات طرحت ذات المحور التأريخي الاجتماعي, و رأست الجلسة الدكتورة لطيفة الكندوز والمحاضرات هي الدكتورة لطيفة حليم وكانت بعنوان بداية النقد العربي الحديث في أمريكا, حيث تحدثت المحاضرة عن دور المرأة العربية وتاريخ بداية النقد النسائي انطلاقا من زوج أمير الشعراء امرؤ القيس * أم جندب * متسائلة عن السر في طلاقها من زوجها، هل هو النقد الذي وجهته لشهره عندما فضلت شاعرا آخر عن شعرها ؟ ومن هذا التساؤل إنطلقت إلى بداية النقد النسائي العربي الحديث من أمريكا على يد الروائية السورية التي هاجرت مع بداية القرن العشرين * عفيفة كرم * وهو كتاب كتبته مي زيادة عن بنت البادية، وقد أهدت مي زيادة كتابها هذا إلى مجلة الأخلاق التي كانت تصدر بنيويورك وتمكنت عفيفة كرم من قراءته، وكتبت حول الكتاب مقالا نقديا نشرته بمجلة الأخلاق بعنوان * أثر المرأة فوق ضريح المرأة * وقد أعيد نشر المقال بمجلة المقتطف المجلد 58 السنة 1921, مارس، ص 34،. من خلال المحاضرة الآكاديمية التي قدمتها الدكتورة لطيفة حليم طرحت عدة تساؤلات، منها : هل النقد الذي عفيفة كرم على كتاب مي هو بمثابة صلة وصل بين الشرق والغرب ؟ كيف يتحقق ذلك ؟ قد يكون الجواب هو أن الشرق تمثله حفني ناصف -_الملقبة ب باحثة البادية والذي هو عنوان الكتاب الذي كتبته مي _ لكن ما هو الغرب ؟ وماذا تقصد به الكاتبة ؟ هل تقصد به مي زيادة بحكم مسيحيتها ؟ لكن المسيحية مذهب شرقي إنتقل إلى الغرب. غالب الأمر أنها تقصد بتلك الصلة هو نشر أفكار كتاب آت من الشرق إلى الغرب يعني أمريكا. هذا الجانب الإنساني في طرح عفيفة كرم لا يتناقض مع إلحاحها على إسلامية ملك حفني ناصف.

 ثم جاء دور لدكتورة فتيحة الطايب وهي أستاذة الأدب المقارن بجامعة الرباط وعنوان محاضرتها كان "التأريخ تصنعه النساء أيضا " تناولت به قراءتها لكتاب سلطانات منسيات للباحثة والمفكرة فاطمة المرنيسي، تحدثت به عن الرواية المغربية في القرن العشرين وناقشت علاقة المرأة بالسياسة من خلال كتاب سلطانات منسيات وتوسعت بالحديث عن سلوك النساء في فترات مختلفة من التاريخ وكيف أن المرأة كانت سلاحها هو الحب والفتنة والجمال والذكاء والثقافة، والفارق بين عشق الجواري والسلطانات من قبل الملوك وتأثير ذلك على حكمهم, وخرجت بنتيجة طرحتها بأسلوب مؤثر يطرق ضمير المستمع مفادها أن المخاطب الضمني في هذا الكتاب متعدد وهو أما متعسف طوباوي جاهل أو مهمل لا مبال مقصر يترك أمره لغيره لهذا يقع في نسيان السلطانات ودورهن جميعا.

ثم وكان للدكتورة فاطمة الزهراء صالح مساهمة أيضا حول كتاب أحلام النساء لفاطمة المرنيسي وذلك باللغة الفرنسية أوضحت فيه العزل المفروض على المرأة بالمجتمع الذكوري خارج المنزل وداخله، ثم جاء دور الدكتورة نعيمة منّي وهي دكتورة في جامعة الرباط ساهمت بندوات دولية وعربية وسيصدر لها كتابا بعنوان المرأة العربية، قدمت الدكتورة نعيمة محاضرتها بعنوان سجايا المرأة العربية، وكانت المحاضرة زاخرة بالشخصيات العربية النسائية المتميزة والرائعة في شجاعتها وبلاغتها ومواجهتها الظلم الواقع على المرأة بشتى المراحل التاريخية، وقد قدمت نماذج كثيرة قالت أن هناك حيف وإجحاف وقلق يساور نفسية المرأة أبدعت أو لم تبدع تولت سلطة أم لم تتولى, وقدمت لذلك نماذج من النساء في العصور المختلفة ومنها الإسلامية مثل السيدة سكينة بنت الحسين, وأروى بنت الحارث بن عبد المطلب, والمبدعات كالخنساء وليلى الأخيلية التي كتبن المطولات بالشعر عكس الشاعرات الأخريات اللواتي كتبن المقطوعات القصيرة فقط، ثم تساءلت بقوة وبثقة بالنفس :

هل يضيرني كامرأة أن أكون جميلة في روحي وخلقتي؟

هل لابد لي أن ادفع الرجل إلى التقدم وأنا وراء الكواليس؟ ثم استشهدت بقول النبي محمد (ص) بالحديث الشريف : "خذوا نصف دينكم من هذه الحميراء" في إشارة إلى عائشة حيث يسميها بهذا الاسم القريب إلى نفسه.

ثم تأسفت لمساهمة المرأة في صنع الحيف ومساهمتها بان تكون دمية للشاعر يرتاح ويلتذ بها فقط, وذكرت قول بن خلدون عن دورات الحياة الثلاث ثم تحدثت عن حضور المرأة في التاريخ، وأكدت أن الانحطاط لا يقاس على الشطط إنما بالمتكاملات.

 وجاءت الجلسة الثالثة التي ترأستها كاتبة السطور بلقيس حميد حسن وافتتحتها بتساؤلات تمنت أن تجيب عليها المحاضرات وهي :

لماذا يرفض البعض تأريخ الإبداع النسوي، ويحاولون تجنب البحث فيه ؟

كان الرجال إلى وقت طويل قوامون على المنجز الإبداعي العربي فمتى يتحقق زمن الإبداع النسوي وهل ثمة حرية حقيقية للمرأة اليوم كي تبدع ما شاءت ؟

هل تميز الإبداع النسوي شكلا أو جنسا أو سوية أدبية؟

هل يعتبر تقسيم الأدب بهذه الآلية في الذكورية والأنثوية إمعانا بإيجاد الفارق والخروج عن مشروعية المساواة؟

هل ثمة خصوصية في إطار النظرة العربية للمرأة ؟

 وقد طرحت المساهمات في هذه الجلسة" المحور النقدي" بثلاث محاضرات الأولى كانت للأستاذة رشيدة زغواني وهي أستاذة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ببني ملال شعبة اللغة العربية وهي بصدد تهيئة دكتوراه بموضوع "شعرية الخطاب في الرواية المغتربة"

صدر لها عدة مقالات أدبية ونقدية يتعلق بالنقد الروائي والشعري وحاولت بمداخلتها أن تقبض على اللحظات الدافئة في المسار الإبداعي النسائي والبحث عن مواقع حميمية في لعبة هذا الإبداع في محاولة للكشف عن محركات وإمكانات له، والقبض على ميكانيزمات خلاقة فيه من خلال أسئلة خيار الكتابة عند المرأة, لتتفجر الكتابة النسوية ؟ متسائلة لماذا تكتب المرأة؟

وقد أجابت الأستاذة رشيدة ببلاغة وقوة نادرة طرحتها على الحضور بطريقة البيان واثبات الوجود بشكل خلاق مقنع يثير الصمت والاستماع عند الجمهور ولا غير سوى الإعجاب والانغماس بتحليل طرق الوصول إلى أسرار المرأة وقدراتها الخلاقة, كانت متحدية وواضحة وجريئة، مثل كل المحاضرات اللواتي تركت أصواتهن صدى لا ينسى في مدينة بني ملال ومعهده، وكانت الأستاذة رشيدة متميزة بصوتها ومتفردة بمواجهة الجمهور بأفكارها، فهي تطرح محاضرتها قضية تناضل من اجلها، تنقلها للآخرين بيضاء نقية لابد من الأيمان بها وحملها والسير وراء الأستاذة رشيدة ليكون المستمع من مريديها وطلاب فكرها, فهي تدق باب الفكر بكل الوسائل الممكنة حتى تفتحه بإقناعك بما تريد وهذا قمة التمكن والإبداع،ثم قدمت محاضرة الدكتورة خديجة توفيق وهي حاصلة على دكتوراه في الشعر الحديث من وحدة الأدب، التلقي والحاسوب, وهي تدرس مادة التواصل بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة الحسن الأول, بسطات. لها مجموعة من المشاركات في ندوات علمية وطنية وأيام دراسية ولها مقالات في بعض المجلات والصحف الوطنية ومحاضرتها كانت بعنوان : المرأة إنشاء الهوية واثبات الذات، وقد تحدثت الدكتورة خديجة بمحاضرتها عن طاقات المرأة الخلاقة وذكرت أمثلة رائعة لذلك من التاريخ والحاضر أثبتت أن للمرأة قدرة على كل الأعمال التي يقوم بها الرجل من اجل بناء مجتمعات قوية ومرفهة اقتصاديا واجتماعيا، وركزت محاضرتها على استعمال المرأة في المواضيع التجارية للدعاية وإبراز عريها فقط لتكون سلعة تجارية لا قيمة لها وهذا يؤثر على نظرة المجتمع لطاقات المرأة وقدراتها على البناء واخذ الدور الذي تستحق، حيث عقبت عليها رئيسة الجلسة مع تذكر ما قاله بن رشد عن المرأة في مجتمعاتنا العربية حيث قال:

 "إن معيشتنا الاجتماعية الحاضرة لا تدعنا ننظر ما في النساء من القوى الكامنة، فهي عندنا كأنها لم تُخلق إلا للولادة، وإرضاع الأطفال، ولذلك تُفني هذه العبودية كل ما فيها من القوة على الأعمال العظيمة. وهذا هو السبب في عدم وجود نساء رفيعات الشأن عندنا. فضلاً عن ذلك فإن حياتهن أشبه بحيات النبات وهن عالة على رجالهن. لذلك كان الفقر عظيماً في مدننا لأن دور النساء فيها مضاعف لعدد الرجال وهن عاجزات عن كسب رزقهن الضروري"

ثم جاء دور الأستاذة حفيظة الحر وهي أستاذة اللغة العربية بالرباط، باحثة في الشعر ألامازيغي, أصدرت روايتين الأولى " فاتحة الجرح " والثانية" امرأة وبقايا رجل " ولها رواية جاهزة للطبع تحت عنوان " كأنه هو "شاركت في عدة ندوات وطنية ودولية ولها اهتمام بكتابة الشعر ومحاضرتها بعنوان الإبداع الأنثوي بالمشهد التاريخي - بين محاصرة وهم التأريخ وطموح القادم، وجاءت محاضرتها لتركز على معاناة المبدعات والممنوعات التي يواجهنها في مجتمعاتنا والعراقيل التي توضع لإبعاد المرأة عن البوح عن طريق الإبداع، وركزت المحاضرة على الحيف الذي يلحق المرأة من خلال التقاليد البالية والنظرة الدونية للمرأة والتي ترعاها بعض المؤسسات ذات الطابع الحكومي أو التجاري، كما ذكرت أمثلة كثيرة لسيطرة بعض الرجال غير المؤمنين بإمكانات المرأة على بعض المراكز التي من خلالها يتم إقصاء المرأة والحد من نشر إبداعاتها، وقد عقبت رئيسة الجلسة على شكوك البعض في مجتمعاتنا عندما تبدع المرأة كما حصل من الموقف من رواية الكاتبة أحلام مستغانمي حينما نجحت روايتها ذاكرة الجسد وحصلت على جائزة اتهمها الناس بان هناك رجل وهو الشاعر سعدي يوسف هو الذي كتبها لها، وحين رفعت الكاتبة دعوى قضائية ربحتها وكذلك أن الشاعر سعدي ذاته اعترف بأنه لم يكتب شيئا للكاتبة وان الاتهام كان باطلا، كذلك حينما أبدعت الشاعرة الكويتية سعاد الصباح قيل أن الشاعر نزار قباني يبيعها أشعاره ورحل الشاعر نزار واستمرت المبدعة سعاد بكتابة الشعر الجميل وسقطت ظنون المتهمين، الذين يريدون أن تخرج المرأة المبدعة دائما من تحت عباءاتهم ومن خلال أسمائهم لذا هم يشككون بإبداعات النساء مهما كن قادرات ومتمكنات عليه.

بعد ذلك فتح المجال للجمهور للمناقشة والأسئلة وكانت المساهمات كثيرة ردت عليها المساهمات ووجهت حتى لرئيسة الجلسة من خلال التعقيبات التي طرحتها، لقد خلقت المحاضرات والنقاش جوا حميما في القاعة وكان هناك توحد وتلاحم بين الجمهور والمساهمات مما أطال وقت الجلسة اكثر مما كان قد خصص لها، حيث أنهتها رئيسة الجلسة مخاطبة الجمهور أذن نحن وإياكم نقر بما قاله الشاعر :

ألام مدرسة إذا أعددتها ×××××أعددت شعبا طيب الأعراق

الجزء الثالث

الجلسة الرابعة كانت المحور الإبداعي، وترأست الجلسة الأستاذة فتيحة الطايب وكانت قراءات شعرية للشاعرات :

زينب الحنفي، شاعرة وكاتبة سعودية

منيرة مصباح، شاعرة وكاتبة فلسطينية

بلقيس حميد حسن، شاعرة وكاتبة عراقية

حفيظة الحر، شاعرة وكاتبة مغربية

تناولت الشاعرات جميعهن موضوع المرأة، الوطن ومعاناة الغربة، والنضال، فقد ركزت أشعار زينب الحفناوي على خنق حرية المرأة وعدم الثقة بعقلها، وركزت منيرة مصباح على المحنة الفلسطينية التي باتت نسيا منسيا من قبل الهيئات الدولية والعالم، وركزت بلقيس حميد حسن على القهر الذي عاناه الشعب العراقي وظروف الغربة والمنفى وهدر الوطن والدماء التي تسيل يوميا، وركزت أشعار حفيظة الحر على ألتوق لتحرير المرأة من التقاليد البالية وإطلاق حريتها وعقلها نحو أفق الإبداع والتحليق نحو النور, أنشدت قصائد حب وجدانية عبرت عن تمسك المرأة بالحنان وخلقها للحب أينما حلـّت.....

كان الجمهور يستمع بشغف هائل وبمتعة حتى انه طالب الشاعرتين منيرة مصباح وبلقيس حميد حسن بالمزيد من القصائد وكان له ذلك، لقد تفاعل الجمهور مع شعر الغربة وترقرقت الدموع في عيون الكثيرين وكان الجو مليئا بالود والرغبة بالعطاء الدائم. وهكذا كانوا أهل بني ملال، أنقياء، طيبين، معطاءين ومستعدين للمحبة واحتضان الضيف وفتح الأبواب كما هو كل الشعب المغربي المضياف والأصيل....

 الجلسة الأخيرة كانت في اليوم الثالث للندوة، حيث ترأستها الدكتورة فاطمة الزهراء صالح وكانت المحور التاريخي – الاجتماعي الجزء الثالث والمحاضرات هن الأستاذة زينب الحفني وهي شاعرة وروائية وصحفية من السعودية تقيم في بريطانيا, شاركت في عدة منتديات ثقافية كثيرة بالوطن العربي وأوربا ولها كتابات جريئة حول قضايا المرأة، عنوان محاضرتها كان المرأة ودورها في صنع القرار, وركزت المحاضرة على أهمية دور المرأة في التنمية والسلام وأهميته في تكوين مجتمع راسخ اقتصاديا واجتماعيا وأعطت أمثلة كثيرة على ذلك، ثم جاء دور الأستاذة نعيمة بن إدريس وهي دكتورة مغربية مختصة في أدب الهنود الحمر في أمريكا، وكانت محاضرتها باللغة الفرنسية وجاءت انتصارا لدماء الشهيدات والمناضلات العربيات بالتاريخ اللواتي ينساهن العالم العربي ويتذكر الرجال من المناضلين والمدافعين عن حياض الأوطان فقط وينسى جهود ودور المرأة في ذلك وتحدثت المحاضرة عن المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد, كما كان هناك مداخلات كثيرة حول هذا الموضوع وقد ثنت الشاعرة بلقيس على المحاضرة وتوجهت للجمهور بتساؤل حول هل أن أحدا منهم يعرف الشهيدة بهيجة الفتاة العراقية التي استشهدت في مظاهرات عام 1948 ضد الارتباط بالاستعمار الإنكليزي في وثبة كانون حيث أمطرت بوابل من الرصاص حين عبور المظاهرة على الجسر فسميت فتاة الجسر، وطرحت أسماء مناضلات أخريات قضين بالسجون والمعتقلات العراقية، وقد كانت مساهمة الجمهور كبيرة في الأمسيات مما جعل الندوة ناجحة وممتعة ومفيدة للطلبة والأساتذة والجمهور معا.

وبعد الاستراحة جاءت الجلسة الختامية، وكانت كلمة للسيد عميد الكلية احمد العلوي، الذي عودنا على ارتجاله للكلمات الرائعة، والمليئة بالعرفان والشكر لكل من ساهم وانجح الندوة، كانت كلماته مشرقة أدخلت النور لقلوب الحضور، فهو المقتدر الذي يدغدغ أسماع الحاضرين بالود وبالطرائف، وهو الموسوعي الذي أمدنا بمعرفة لامحدودة في كل جلساتنا القليلة الكثيرة التي كان السيد العميد احمد العلوي شاركنا بها، أذهلنا بإمكانياته ومعارفه الواسعة حتى أسميناه مكتبة متنقلة، كان يحيل الكلام إلى شعور لذيذ بالفرح والسعادة ليطلب منه المزيد، وقد منح العميد الحضور والمساهمات مفاجأة رائعة وهو أن العمادة أخذت قرارا بجعل الندوة النسوية هذه سنوية وتكون النسوة المساهمات في الندوة الأولى هذه, هن الهيئة التي تنظم الندوات المقبلة، كان التصفيق حارا والفرح الذي غمر المساهمات والحضور عظيما، وكانت البهجة هي القاسم المشترك بين الجميع، ثم جاءت كلمة الأستاذ المشرف ومدير المعهد الدكتور محمد الازهري لتثني على قرار العميد ولتشكر كل من ساهم ولتعتذر عن أي تقصير كان في كل أيام الندوة، وقد أوعد الجمهور بان تكون الندوات المقبلة اكبر واعمق تنظيما ودعاية أوسع جمهورا اكبر ليكون معهد الدراسات والعلوم الإنسانية في بني ملال شعلة للمعرفة والتعليم والاستزادة بما هو مفيد ونافع للمجتمع والطلاب ومن ثم للوطن والبناء, أخيرا جاءت كلمة المساهمات اللواتي اخترن أن اكتبها لأنيب عنهن وباسمهن وقد كتبت كلمة مؤثرة بالمناسبة وقد شكرت الدكتور العميد احمد العلوي ونائبه الدكتور بن ناصر ويسكوم والمشرفين على الندوة ثم ركزت على أن الندوة كانت تظاهرة ثقافية أثبتت المرأة من خلالها ما لديها من إمكانيات وطاقات هائلة فلابد من أن تشق ثوب الحيف والظلام الذي يلف قضيتها لتاريخ طويل، وقلت : لقد سعدنا بهذه الندوة التي جمعت شتات بعض المثقفات والدارسات والمبدعات في عالمنا العربي لينطقن بصوت واحد واعد بالعدالة الاجتماعية المنشودة, كان جهدكم اكثر من واضح بكل ما قدمتموه بهذه المدينة الجميلة بني ملال التي سنبقى نحملها في قلوبنا أبدا.

ولتسمح لي زميلاتي التحدث باسمي شخصيا، أقولها مختنقة بعبرتي، لكم أتمنى أن أدعوكم لدار السلام التي تتعذب وتعذبت طويلا،أدعوكم لبغداد والبصرة وبابل ومدن سومر العريقة، لكن الوجع والرعب يعيث بها ألان ولابد لنا من الخلاص منه لننعم بالأمان ونكون هناك معا.

ليس لدينا سوى الكلمات لنشكركم بها لعلها تسعدكم كما تمنى المتنبي ذلك في موقف مشابه :

لا خيل عندك تهديها ولا مال ××× فليسعد النطق إن لم يسعد الحال ُ

ثم فاجأت الجمهور بقصيدة كتبتها عن عصافير بني ملال، حيث أول صباح واجهت به العصافير التي استفاقت مبكرا لتوقضني معلنة أنها في الشرق وها شمسه وعصافيره ووروده تتفتح كل صباح.. القصيدة أهديتها لأهالي بني ملال ولمعهدهم ومديره:

 

عصافير بني ملال

 

عصافيركم في الظلام ِ استفاقت

تغني جنونا وحبـّا

فيا لذة العيش حين يكون

عصافير ممشوقة في الظلام

تنادي الضياء وترقص...

عصافيركم

ألهبت شوق َ قلبي

لجنـّات أهلي

ونخلات في البال ِ باتت

تماثيل اعبدها في الخيال ِ وأبكي..

عصافيركم

أيقظت في ّ َ لحن َ الحنين

ورشّّت على مقلتي برقة ً من نعيم

فيا للعصافير

حين تطير سلاما

وتصدح أغرودة في شجن.....

ولكن

أتدري عصافيركم ما تصنع الزقزقات؟

بروح غريب يفتش عن مستقر ٍ ومرفأ؟

أتعلمُ أن نغماتها،

عصافير سوق الشيوخ*

 قد رددتها؟

فذاك التراقص

ذاك الطرب

أراه ُ وأسمعه من جديد

أراه ُ وألمسه من بعيد.....

عصافيركم أهل هذي الديار

تجمـّع عشقي

بنافذة طلَّّ منها النهار

تنفست ُ، طرت ُ نحو العراق

فيا لهواء البلاد,

ويا للسماء

تـُقرّب في صوت ِ عصفور كل ّ الوطن........

 

*سوق الشيوخ مدينة الشاعرة جنوب العراق

 

 

 بعد أن صفق الجمهور بحرارة كبيرة وإعجاب اسعد الجميع، وبعد أن أدمعت عيون البعض ومنهم مدير المعهد، قرر العميد أن تكتب هذه القصيدة وتوضع كلوحة في عمادة جامعة مراكش ومعهد بني ملال. وقد قررت عمادة الجامعة أن تكون الندوة سنوية.

كان هناك عنصرا رائعا، انجح أيام الندوة، وهو العائلة التي استضافت الضيوف في فندقهم الذي هو بيت مغربي كبير وجميل، كان بيتا أندلسي الطراز كقصر أمير، بل هو اجمل من ذلك واقدس، لانه منزل مناضل شهيد أثناء الدفاع عن المغرب ضد الاستعمار، والأستاذ خالد ابن ذلك المناضل الذي خلف المنزل وجعله في خدمة الناس والجامعة, وكل ما يتعلق بالعراقة وفائدة الوطن، كان الأستاذ خالد وزوجته السيدة رشيدة وبناتهم الثلاثة عائلة جميلة ورائعة، يتمتعون بأدب جم وطيبة متناهية وأخلاق سامية أسعدتنا ومنحتنا الكثير من المحبة والحميمية حتى شعرنا أننا بين أهالينا وأحبائنا وكأننا نعرفهم منذ عشرات السنين، وقد فاجأنا بالصور التي صوروها لنا في منزلهم وتسجيلات القصائد التي قلناها في فترات الغداء والعشاء, كانوا يقدمون لنا الطعام مع رفرفات أرواحهم الطيبة وابتساماتهم النبيلة، لاكما تقدم المطاعم أكلاتها, إنما كما يقدم الأهل محبتهم للابن والأخ، كانت قلوبهم ترعانا بكل جرعة ماء أو لقمة لذيذة، وكانت الغرفة التي سكنت بها قد أسميت باسم غرفة بلقيس حيث دأبت الأستاذة لطيفة حليم والأخوات المساهمات طوال أيام الندوة تسميتها باسمي والدكتورة لطيفة ليست صديقة فقط, وليست امرأة تحمل قضية واحدة هي قضية المرأة، إنما هي حملت قضية الشعب العراقي ضد الديكتاتور قبل سقوطه، وكتبت المقالات وروايتها التي ستصدر قريبا تجعل الناس يعتقدون أنها عراقية، وتجيب الدكتورة لطيفة قائلة أنا مغربية بقلب عراقي يبكي لآلامكم، هي أم لكل الناس صغيرهم وكبيرهم, حتى نحن المدعوات اللواتي في عمرها وربما اكبر منها سنا منحتنا إحساس عظيم بأمومتها وقلبها الأبيض، في آخر يوم للندوة اتفق السيد خالد مع مدير المعهد أن يسموا الغرفة غرفة الشاعرة بلقيس ويخطوا عليها بالحبر الصيني الاسم ويعلقوا بها قصيدة عصافير بني ملال التي ستخط بالخط المغربي، الغرفة التي كتبت القصيدة بها وعصافير حديقة بيت السيد خالد, فهل هناك عطاء اكبر من ذلك وهل هناك وفاء اجمل واعظم ؟...

كما لا انسى الحبيبة لمى سعيد الشابة الفلسطينية التي رافقت والدتها الشاعرة منيرة مصباح، هذه الجميلة التي تدافع عن المرأة بحرارة وجرأة منحتنا الثقة بان قضيتنا ستحملها بعدنا شابات رائعات مثلها، وهي التي تعمل مديرة بنك في أمريكا, لقد أضفت على أيام الندوة الكثير من حيويتها وأناقتها وجمال روحها وشبابها المتحمس، أشعرتنا أنها امتداد لنا وامتداد لقضية فلسطين التي لا تخمد حتى نيل الحقوق، كانت لمى مثال للفلسطينية والمرأة الثائرة والراغبة بالانعتاق الأبدي..

أخيرا أنهى المعهد الندوة بتقديم عرض مسرحي بعنوان" مأساة نمر " وهي من تأليف وإخراج الدكتور نور الدين بوريمة وهو أستاذ اللغة الإنكليزية بالمعهد, كما انه فنان وشاعر، وكان أداء الطلبة رائعا وقد اسعد الحضور خاصة انه مسك الختام....

عذرا أحبائي وأصدقائي في المغرب, حتما سيكون من الصعب علي أن أغطى كل الحب الذي رأيناه منكم ومن جامعة مراكش وبني ملال،....عذرا صديقاتي و أصدقائي إن أغفلت شيئا من قلوبكم وعطاءاتكم، لا يمكنني أن الملم كل زهرات حبكم في سلة واحدة، هي كثيرة

وفواحة ولا تتسع وريقاتي لضمها كلها، عذرا، فالحب الذي منحتمونا مطلق واللغة محدودة.......

 

 

 

 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com