فاجعة تموز 1959 التي لا يمكن نسيانها أبدا

 

أوميد كوبرولو

www.turkmendiyari.blogcu.com 

    المطلع على تاريخ العراق يصطدم بعشرات المجازر البشرية الوحشية التي نفذت ضد جميع مكونات الشعب العراقي بدون تمييز بين سني أو شيعي وبين عربي أو كردي أو تركماني أو..أو.. والمجازر لم تكن حديثة على العراقيين أبدا. حيث هناك أنظمة وجهات عشائرية وقبائلية ارتكبت مجازر ضد فئات عراقية معينة قبل النظام العراقي السابق الذي كان له حصة الأسد في ارتكاب مثل هذه الجرائم اللاإنسانية ضد شعبها في الشمال والجنوب، وذلك حتى سقوطه في أبريل/ نيسان عام 2003. لأن جنود قوات الاحتلال وعناصر الميليشيات المسلحة التابعة للعديد من الأحزاب والتنظيمات السياسية والعصابات والمنظمات الإرهابية والتكفيرية يرتكبون منذ سقوط النظام العراقي السابق وحتى يومنا هذا مجازر لا تحصى ولا تعد وفي أغلب المحافظات العراقية. ولم تبقى مدينة أو فئة عراقية إلا ونالت نصيبها من هذه المجازر البربرية.
    تركمان العراق الذين يتواجدون بغزارة على رقعة جغرافية تمتد من مدينة تلعفر شمالا إلى مدينة مندلي جنوبا ويتواجدون في بغداد العاصمة وبعض المحافظات العراقية الوسطى، كانوا ولازالوا في هدف الكثير من الأنظمة والجهات الشوفينية والطائفية الحاقدة. وتراهم تارة يقبلون على مجزرة بسبب انتماءهم القومي وتارة أخرى بسبب انتماءاتهم الطائفية. إذ أنهم ينقسمون إلى شيعة وسنة. أسباب تعرض التركمان إلى مثل هذه الكوارث الغير طبيعية عديدة وأهما تتلخص في:
   أولا: يتواجد التركمان على رقعة غنية بالبترول وأكبر احتياطي النفط تقع تحت أراضي محافظة كركوك.
   ثانيا: أغلب الأراضي التي يتواجد عليها التركمان خصبة صالحة للزراعة.
   ثالثا: التركمان عراقيون وأثبتوا ولاءهم للعراق فقط.
  رابعا: رفض التركمان العمالة للأجنبي ولم يخونوا وطنهم.
  خامسا: ينادي التركمان بوحدة العراق أرضا وشعبا ويرفضون التقسيم على أسس طائفية وعرقية.
    ففي عشية عيد الفطر المصادف ليوم الرابع من مايو/ آيار 1924 أرتكب التياريون الآشوريين (الليفي) الذين خدموا في الجيش البريطاني آنذاك في العراق مجزرة بشعة ضد أهالي كركوك من التركمان ذهبت ضحيتها (56) شهيدا و (110) جريحا.
   وفي الثاني عشر من تموز/ يوليو 1946 وقعت مجزرة كاورباغي عندما فتحت قوات الشرطة النار على العمال المتجمهرين في منطقة كاورباغي في كركوك وقتلت وجرحت العديد من الأبرياء.
    وفي الرابع عشر من تموز/ يوليو 1959 أرتكب الشيوعيون والأكراد من أنصار الملا مصطفى البارزاني أبشع مجزرة دموية ضد التركمان في كركوك ولم يشهد التاريخ العراقي أبدا إلى مثل هذه البربرية والهمجية التي سنعود إليها بعد قليل.
    وفي أحد أيام شهر رمضان المبارك المصادف للثامن والعشرين من مارس/ آذار 1991 وبعد القضاء على الانتفاضة الشعبية أرتكب الحرس الجمهوري الصدامي في مدينة آلتون كوبري التركمانية مجزرة وحشية أخرى، حيث جمع أفراد أحد ألوية الحرس الجمهوري جميع الذكور(شبابا وشيوخا وأطفالا) من كل مكان وعزلوهم عن أهاليهم في منطقة قريبة من قضاء الدبس وفتحوا عليهم النار وقتلوا 102 بريئا وهم صائمين ورموهم في حفرة واحدة.
    وفي فترات متفاوتة أخرى نفذوا مجازر أخرى في أربيل وتازة وداقوق وطوزخورماتو.
   وفي 31 أغسطس/ آب 1996 عندما دخل القوات العراقية والميليشيات الكردية العائدة لحزب الديمقراطي الكردي بقيادة مسعود البارزاني وتم طرد حزب الاتحاد الوطني الكردي بقيادة جلال الطالباني وميليشياته من المدينة، تم القبض على 25 تركمانيا قياديا من قبل الميليشيات البارزانية وتسليمهم للحكومة العراقية ليصحبونهم إلى بغداد وينفذوا الإعدام الجماعي فيهم في مجزرة أخرى.
    بتاريخ 9 أبريل/ نيسان 2003 سقط الصنم الصدامي ودخل العراق تحت سيطرة قوات الاحتلال الأمريكي وتمنى التركمان كالآخرين أن ينالوا حريتهم وحقوقهم المغتصبة ولكن الأيام التي أعقبت ذلك اليوم المشئوم كانت حبلى بمجازر وحشية أخرى ارتكبت بحق التركمان من قبل جهات شوفينية حاقدة على العراق والعراقيين عامة والتركمان خاصة في تلعفر وطوزخورماتو وقرة تبة وبشير وداقوق. ولم تكن فاجعة ناحية آمرلي التركمانية التي أصابت أبناءها وحولت دورهم ومتاجرهم إلى أنقاض وخلفت وراءها 153 شهيد و250 جريح إلا واحدة من المجازر الغادرة التي لحقت بالتركمان في عهد العراق الجديد عراق التحرر والديمقراطية وحقوق المواطنين والعدالة والمساواة.
   ولكن ورغم كل هذه المجازر الدموية تبقى لمجزرة كركوك الرهيبة التي وقعت في الرابع عشر من تموز 1959 تأثير أقوى وأكبر في نفوس التركمان الذين عاشوا حقيقتها أو أطلعوا على أخبارها في ذكريات الكتاب والمثقفين ولن تفارق أذهانهم لأن مثل هذه البربرية لم تحدث حتى وفي العصور القديمة ما قابل التاريخ. وكانت أحداثها المؤلمة دليلا واضحا على همجية ووحشية مرتكبيها ومدى حقدهم للتركمان وتعطشهم لدمائهم.
   فقبل حدوث المجزرة الدموية بعام بالضبط، ومنذ أول ساعات قيام ثورة الرابع عشر من تموز 1958 خرجت في شوارع مدينة كركوك مظاهرات مؤيدة للثورة شارك فيها شباب أكراد يطلقون هتافات مؤيدة للثورة وأخرى استفزازية خطيرة سمعه العقيد الركن التقاعد عزيز قادر الصمانجي مؤلف كتاب التاريخ السياسي لتركمان العراق شخصيا تطلقه مجموعة من الشباب الكرد راكبين سيارة ( بيك آب)، كانت تتجول في شوارع المدينة. وكانت الهتاف باللغة الكردية (شهرى كركوك خومانة توركمانه كان ده ره وا) ويعني ( كركوك مدينتنا أيها التركمان أخرجوا منها ). ومن الأحداث الساخنة التي تتطرق إليها الأستاذ الكاتب عزيز قادر الصمانجي في كتابه المذكور:
   زيارة الملا مصطفى البارزاني إلى كركوك في أواخر أكتوبر/ تشرين الأول 1958 بعد أن أعاده الزعيم عبد الكريم قاسم مع أتباعه من منفاه في الإتحاد السوفيتي إلى الوطن، والتقاءه بأعداد كبيرة من الأكراد قدموا إليه من القرى والنواحي والأقضية الشمالية. وفي ذلك الأثناء أطلق المهندسون الفوضويون الكرد هتافات استفزازية منها هتافهم المشئوم (كركوك مدينتنا أيها التركمان أخرجوا منها) إلى جانب هتافات استفزازية أخرى مثل (يسقط الطورانيون، يسقط التركمان عملاء تركيا، عملاء شركة النفط، تسقط الرجعية ...إلخ)
- في اليوم التالي الذي غادر فيه البارزاني كركوك أصيب معاون آمر الانضباط العسكري المرحوم الرائد هدايت أرسلان، وهو من الشخصيات التركمانية المعروفة بنوبة قلبية أودت بحياته أثناء تأدية واجبه. رافقت حادثة الوفاة المفاجئ هذا إشاعة خطيرة ومغرضة مفادها اكتشاف قنبلة وضعت تحت سيارة البارزاني، وأومأت أصابع الاتهام إلى هدايت أرسلان. ففي الوقت الذي أدت الوفاة إلى توتر أعصاب التركمان، غلت الإشاعة صدور الكرد وحاول المتطرفون منهم أو الفوضويون كما وصفهم قائد الفرقة الثانية آنذاك المرحوم ناظم الطبقجلي في إفادته أمام المحكمة العسكرية العليا، الهجوم على الأسواق التجارية العائدة للتركمان فألقي القبض عليهم.
    أستغل الشيوعيون غياب قائد الفرقة (الطبقجلي) وأرسلوا وفدا إلى بغداد لمقابلة عبد الكريم قاسم ويعرضوا عليه بأنه تـأكد لديهم أن التركمان أخذوا يتسلحون وأن هناك مخازن أسلحة وعتاد، وقدموا قائمة بأسماء 27 دارا للتركمان وثلاث قرى خزنت فيها الأسلحة. وقد أثارت أقوال الوفد رئيس الوزراء وأمر بتشكيل لجنة حضرت إلى كركوك بالطائرة دون أخبار الجهات المحلية، وتوجهت فورا من المطار إلى ثلاث دور تم تعيينها في بغداد وهي لكل من إبراهيم النفطجي والشهيد عطا خير الله والعقيد شيلمون (ليس بتركماني) اختاروه للإيحاء بوجود خيط للمؤامرة يرتبط بشركة النفط العراقية. وكانت مؤامرة فاشلة حبكت لإيقاع التركمان فيها ولكن بانت الحقيقة فأحبط المخطط بعد أن لم يعثرو سوى على سكاكين المطبخ ومسدس مجاز للعقيد شيلمون وبنقية صيد و500 طلقة غير صالحة عائدة إلى قاسم بيك النفطجي شقيق إبراهيم النفطجي.
   حصلت في الثالث عشر من يناير/ كانون الثاني 1959 اشتباكات متفرقة في مناطق عديدة من كركوك وكان أعنفها ذلك الاشتباك الذي حصل عندما هاجمت مجموعة من أفراد المقاومة الشعبية والجنود معضمهم من الأكراد مقهى 14 تموز الواقع إلى جانب سينما الحمراء والذي يرتاده التركمان. وقد أسفر الحادث عن وقوع العديد من الجرحى بين الطرفين قبل أن يتم احتوائه بجهود القائد وتطبيق الخطة الأمنية في المدينة.
   في الأول من مارس/ آذار 1959 جمعت مديرة دار المعلمات في كركوك لبيبة أحمد الريس الشيوعية المعروفة بتطرفها وإظهارها العداء السافر للتركمان ونعتهم بالطورانية والعمالة، الطالبات في ساحة المدرسة وهاجمت التركمان في كلمتها هجوما عنيفا، مما اضطر بعض الطالبات إلى الرد عليها، فتحولت المشادة الكلامية إلى التشابك بالأيادي، وهرعت بعض الطالبات إلى خارج المدرسة وأخبرن ذويهن بما حدث، فهاج الشباب التركمان الذين تجمهروا أمام باب المدرسة وحاصروا المديرة بعد أن سمحوا بخروج الطالبات والمعلمات وقاموا بالحصار ورشق باب المدرسة ونوافذها بالحجارة لما يقرب من الأربع ساعات قبل أن تتمكن الشرطة والانضباط العسكري من تفريق الشباب ونقل المديرة بسيارة الشرطة.
   كان لتمرد العقيد الركن عبد الوهاب الشواف في الموصل والذي أعلنه في صباح اليوم الثامن من مارس/ آذار1959 تأثيرا كبيرا على اندلاع شرارة المجزرة التي كادت تندلع قبل تاريخها لولا لم يعلن الطبقجلي عدم تأييده لحركة الشواف والانضمام إليها، والذي أنقذ آلاف الأرواح البريئة وجنب أهالي مدينة كركوك التركمان التعرض إلى مجزرة حينها وحتما كانت أفظع بكثير مما تعرضوا لها فيما بعد أي في الرابع عشر من يوليو/ تموز 1959.
- بعد القضاء على حركة الشواف تم سحب الطبقجلي من قيادة الفرقة الثانية في كركوك، والذي كان حريصا على عدم إراقة دماء المواطنين. وتولى قيادة الفرقة وكالة العقيد الكردي أسعد بابان إلى حين تم تعيين العميد الركن (الشيوعي) داود الجنابي قائدا جديدا للفرقة. وبموجب قرار صادر من الفرقة تمت إحالة 102 ضابط من القوميين العرب والتركمان إلى إمرة مديرية الإدارة في بغداد، وبذلك فرغت وحدات الفرقة من العنصرين تقريبا عدا بعض الضباط الذين اعتبروا اقل تطرفا أو نشاطا ممن أحيلوا إلى بغداد.
   سلم الجنابي (الشيوعي) الذي استلم إدارة الفرقة الثانية مسئولية إدارة اللواء بما فيها كل الأمور المدنية والسياسية إلى صديقه وأبن دورته ورفيقه في الحزب الرائد المتقاعد الكردي فاتح داود الجباري. وبدأت عملية الغدر والاضطهاد ضد التركمان، وقد تم اعتقال ثلاثة آلاف تركماني في كركوك بتهمة الطورانية التي أصبحت شائعة تلصق بكل تركماني قومي.
قبل الذكرى الأولى لثورة الرابع عشر من تموز بأيام، بدأ التركمان تحضيراتهم للاحتفال بالمناسبة قبل موعده. قاموا بتزيين الشوارع ونصب أقواس النصر في شوارع كركوك الرئيسية (شارع الأطلس، الأوقاف، المجيدية) وغيرها، وكان عدد تلك الأقواس يزيد على مئة قوس نصر. وأخذوا استعداداتهم لتنظيم مسيرة جماهيرية بهم في يوم الاحتفال. في حين في الطرف الآخر صمم المتحالفون الشيوعيون والأكراد على الإخلال باستعدادات التركمان وإفشالها، وبدأت قبل موعد الاحتفال بأيام مجموعات من أفراد (المقاومة الشعبية) والجنود، الذين كان أغلبهم من سرية الأشغال التي كانت ثكنتها في قلب المدينة (شارع الأطلس) وغيرهم بتنظيم تظاهرات استفزازية وهم يلوحون ويهتفون (جبهة جبهة وطنية صداقة سوفيتية عراقية، جبهة جبهة وطنية لا انحراف ولا رجعية، ماكو مؤامرة تصير والحبال موجودة) .. إلى جانب الهتافات العدائية السافرة الأخرى مثل (يسقط الطورانيون الخونة... العملاء ... الخ). استمرت هذه التظاهرات ليلا ونهارا وزادت حدة وسعة كلما اقترب موعد الاحتفال.
في صباح اليوم المشئوم الرابع عشر من تموز 1959 بدأ الاحتفال بالعرض العسكري في الساعة الثامنة ومرت القطعات أمام المنصة المنصوبة في واجهة النادي العسكري، يستعرضها وكيل القائد العميد محمود عبد الرزاق الذي تولى قيادة الفرقة وكالة بعد سحب القائد العميد الركن داود الجنابي إلى بغداد. عادت الوحدات المستعرضة إلى ثكناتها ونزل الجنود والضباط إلى بيوتهم في المدينة ولن يبقى سوى ضباط الخفر والجنود وضباط الصف والواجبات، دون إدخال الجيش بالإنذار تحسبا للطوارئ ولغرض السيطرة على الأمن والنظام لكون الظروف غير طبيعية في المدينة.
في مساء الرابع عشر من تموز 1959 أخذت موكب التركمان مساره المرسوم داخل شوارع كركوك، وعند الوصول إلى شارع أطلس في المنطقة الواقعة بين المتوسطة الغربية ومقهى 14 تموز انطلقت رصاصة مجهولة وأعقبها عيارات نارية من أسلحة رشاشة أوتوماتيكية كانت أشارة بدء الاعتداء الآثم على التركمان العزل. وأخرج الظالمون الأشرار عصيهم وأسلحتهم الحادة والنارية وانهالوا ضربا على المواطنين التركمان فمات من مات وأصيب من أصيب وفر الباقون إلى بيوتهم لأنهم لم يكونوا يحملون شيئا يدافعوا عن أنفسهم. وبعدها قام الفجرة البغاة بالهجوم على أقواس النصر المزدانة بالعلم العلم العراقي وأضرموا فيها النيران. ففي خلال دقائق تحولت كركوك العروسة الجميلة إلى ساحة قتال لا يرى فيها غير الحرائق وألسنة اللهب والدخان. وبعدها توجه المجرمون الجناة صوب مقهى 14 تموز وأمسكوا صاحبه الشهيد عثمان خضر وشدوا وثاقه بالحبال وسحبوه إلى الشارع وانهالوا عليه طعنا وتقطيعا حتى أسلم روحه، في حين انصرف آخرون منهم لتحطيم ما في المقهى من أثاث ومتاع، ثم لفوا حبلا حول رقبة الشهيد عثمان وسحلوه في الشارع. وانطلقوا صوب مقهى البيات وسينما أطلس وسينما العلمين وقتلوا أصحابهم وربطوهم من رقابهم وسحلوهم في الشوارع وعلقوهم على فروع الأشجار.
في الساعة التاسعة من ذلك اليوم الكئيب تم فرض حضر التجوال في المدينة ولم يطبق إلا على التركمان، في حين بقت عصابات القتلة واللصوص من الشيوعيين والأكراد يمرحون في المدينة ويمارسون جرائمهم اللا إنسانية من قتل وسلب ونهب بلا هوادة. فقاموا أولك الأشرار بمهاجمة مركز شرطة أمام قاسم واستولوا على ما فيه من أسلحة وعتاد وقاموا بمهاجمة جميع المحلات التجارية والشركات والبيوت العائدة للتركمان ونهبوا ما فيها من أموال وأحرقوا ما لم يقووا على حمله من المنقولات. ودامت هذه العمليات النكراء حتى الثالثة صباحا.
في اليوم الثاني للمجزرة الرهيبة قامت عصابات القتلة واللصوص بمهاجمة دور معينة محددة سلفا بعلامات وإشارات وأكرهوا أصحابها التركمان على الخروج منها، فإذا ما خرجوا إلى الشوارع قام أفراد العصابات بتطويق رقابهم بالحبال وسحلهم في الشوارع وهم أحياء، وإذا أسلموا أرواحهم علقوهم على فروع الأشجار كما فعلوا بالمرحوم الشهيد عطا خير الله وبالمرحوم الشهيد قاسم نفطجي وآخرون. ظلت هذه العصابات البربرية تمارس وحشيتها وتقوم بسحل التركمان في الشوارع وتعليق جثثهم على فروع الأشجار طوال يومي 15 و 16 يوليو/ تموز حتى وصلت قوات الجيش من بغداد وسيطرت على المدينة وقامت بسحب أسلحة جنود اللواء الرابع الأكراد بعد أن كان القتلة والمجرمين قد فرغوا من مهمتهم بنجاح وحققوا غرضهم المشبوه باستشهاد 25 تركماني وجرح 130 وتدمير النشاط التجاري للتركمان تدميرا كاملا.
وبعد الانتهاء من فاجعة تموز المروعة بأسبوعين عقد الزعيم عبد الكريم قاسم مؤتمرا صحفيا عرض على الصحفيين صور المقابر الجماعية والبلدوزرات التي توارى الجثث والجثث المعلقة على الأشجار وأعمدة الكهرباء وعلق قائلا: (إن هولاكو لم يرتكب في أيامه مثل هذه الأعمال الوحشية، ولا الصهاينة فعلوا). لكن كلام الزعيم لم يداوي جراح التركمان التي تتجدد نزفا كلما أقترب ذكرى المجزرة السنوية. وسيحقد الأجيال التركمانية القادمة جيلا بعد جيل على مقترفي هذا الإثم الغادر بأبنائهم البررة من المناضلين الأولين وسيلعنوا تلك العصابات الباغية (الفوضويين) والمتعطشين للدماء الرعناء إلى يوم الدين.
 

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com