|
من أجل مستقبل أفضل للطفل العراقي
الأستاذ الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي أكاديمي عراقي/ ناشط في مجال حقوق الإنسان تعاقبت على العراق ظروف مأساوية غير طبيعية كان فيها النظام قبل السقوط مستهترا بمصير الناس وحيواتهم وتفاصيل حاجاتهم ومطالبهم الإنسانية.. وأعقب ذلك تداعيات الإرهاب والمافيات والقوى الطفيلية التي استغلت التداعيات الخطيرة في اللحظة التاريخية لتحرر العراق من الدكتاتورية وحروبها العبثية ليدخل مرحلة سطوة قوى الموت الأسود الدموية الإرهابية وقوى الفساد المرضي بفعاليات مص الدم حتى آخر قطرة...! وهكذا تضاعفت آلام الطفل العراقي ومعاناته مما نجم عن الولادات المشوَّهة خَلـْقيا بسبب الإشعاعات المتأتية من بقايا أسلحة تلك الحروب الهمجية والناجمة عن السرطنة وعن تدني الرعاية الصحية بل انعدامها في كثير من المواضع مثل فقدان اللقاحات والتطعيمات الضرورية اللازمة كما تؤشره تصاعد نسبة شلل الأطفال وغيره مما تركه العالم المتحضر خلف ظهره منذ زمن.. ولم يخسر الطفل العراقي الرعاية الطبية حسب بل فقد كثيرا من أشكال الرعاية المنتظرة كما في ضعف بل اضمحلال رعاية التعليم حتى بات لا يسطيع الوصول إلى مدرسته ولا متابعة دراسته الجامعية أو التخصصية المهنية وهو إذ يجابه صعوبات مادية في حياته اليومية تصل حد الافتقار للتغذية الصحية الوافية؛ فهو كذلك يفتقر لإمكانات امتلاك الرداء المناسب وتوفير اللوازم المدرسية من قرطاسية وغيرها فضلا عن كارثة خلو الفصول الدراسية من مقاعد الدرس ولا نقول خلو المعاهد والكليات للمختبرات الحديثة وللمصادر العلمية مما ينبغي أن تُستكمل فيها العملية التعليمية... وقد نجد أبنية مهددة بالسقوط أو حتى عدم وجود بناية تعليمية وصل الحد إلى مستوى تبني فيه حكومة دولة آخر قطرة نفط في العالم أبنية طينية في بعض القصبات والقرى والأحياء!!! وقبل هذا وذاك يجابه طلبتنا من أبنائنا وبناتنا تهديدات تمنعهم من الالتحاق بمدارسهم سواء باضطرار كثير منهم لقسوة استغلال تشغيلهم من أجل لقمة العيش بتحول ملايين من أطفال العراق إلى معيلين لعوائلهم بعد أن صارت حوالي خمس ملايين امرأة عراقية أرملة فقدت زوجها في مسلسل الحروب المبتلاة بها بلادنا... وبدلا من مسؤولية الدولة عن معيشة هذي الملايين من الأطفال وأمهاتهم وأخواتهم يجري مصادرة وجودهم فيُتركون لعملية استغلالهم بشعة مرة كأداء وابتزازهم كما في تجنيدهم لميادين الإرهاب وتفجير أجسادهم الغضة بأصابع خبيثة تترصدهم وتسيِّرهم بضغوط نفسية واجتماعية ومادية وروحية دينية الستار دنيئة الأهداف... إنَّ شعور العراقيين ونظامهم الاجتماعي وتراثهم الحضاري المجيد الذي يتبنى أفضل القيم الإنسانية في رعاية الطفل وتوفير فرص التعليم مذ أنشأ أول مدرسة للتعليم في تاريخ الإنسانية ومذ أنشأ أول أبجدية وأول مكتبة ومذ وضع أول القوانين والشرائع؛ إنَّه ليُعلي بمسؤولية وجدية شأن العمل من أجل حاضر أسهل وغد أفضل لأطفال العراق... ومن هنا فإنَّ من بين خيرة أبناء الوطن من دفع بجهده وماله وكل ما يملك لتحقيق جانب من مطالب الطفل العراقي فكان مثال إنشاء برلمان الطفل العراقي واحدا من أبرز التوجهات التي رعتها أيادي كريمة وعقول نيِّرة وأتوسم في مثل هذه التضحيات والأنشطة المميزة قدرات حقة يمكنها أن ترتقي بمسيرة الطفل العراقي وتمنحه فرصا تربوية سامية كما في تدريبه ليبني غده ديموقراطيا صحيا سليما.. إنَّ فكرة برلمان الطفل ليست لعبة أو حالة ترفيهية بل هي نشاط جدي مسؤول يرتقي لعملية تربوية وسياسية اجتماعية كبيرة المعاني في التحضير لإعداد الطفل لغاية مهمة كالممارسة الديموقراطية وهي عملية تربوية ينبغي أن تبدأ من مرحلة الطفولة وإلا دخلنا في دهاليز وتعقيدات غير سوية كما جرى ويجري في عديد من النماذج القائمة من ثغرات ونواقص بالخصوص.. كما ينبغي تذكر حقيقة دور برلمان الطفل في التعاطي مع تدريبهم على تحمل المسؤولية وهم الأقدار على ما تصنعه مخيلتهم وعقولهم من إبداعات وابتكارات تتناسب وطبيعة معاناتهم ومطالبهم وحاجاتهم.. كما ينبغي أن نتذكر كون برلمان الطفل فرصة تفتح أمامه وضع جرأته واندفاعه وطاقاته الحيوية الهائلة في مسارها الصحيح حيث يتناول شؤونه ويعالج معضلاته بنفسه ويقدم الحلول المناسبة عبر معايشة حية صادقة وأمينة... وهذا لا يقف عند حدود إبعاد شرور التضليل وجرِّ الأرجل والانزلاق إلى فعاليات مريضة بل يمنح البدائل الموضوعية للأنشطة المؤملة من طفلنا... ونضيف أن برلمان الطفل الذي يمثل اليوم حدثا مهما سيكون من جهة مدرسة تربوية ومن جهة نموذج للبحث في تنامي روح مسؤول وفي عقد العلاقات بين مجموعات أطفال العراق من مختلف بيئاته ومدنه وأطيافه مكونا حشدا جماهيريا مشرقا بجهوده البناءة.. ولا ننسى العلاقات التي سيتيحها برلمان الطفل مع أطفال المنطقة والعالم وما يتيحه من حوار إيجابي وما يعكسه من تفعيل لجهود الطفل العراقي ويقدم إبداعاته أمام العالم ويمنحها قدرها وحقها في الحياة.. وإذا كنت بدأتُ بعرض الصورة المأساوية للطفل العراقي ومعاناته المريرة وإذا كنتُ مررت على تجربته الرائدة بدعم الشخصيات الخيرة النبيلة في مجتمعنا فإنني أضع مطالب المجتمع العراقي أمام مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني لكي تنهض بها بمستوى مؤمل لدرجة تتناسب وتلبية تلك المطالب: 1. فيجب بدءا وضع ميزانية مخصوصة بأنشطة الطفل العراقي النوعية العائدة له... 2. ويجب أن توجد جهة مسؤولة للتخطيط لبرامج تدخل في خدمة تسهيل أنشطته وحياته وظروفها... 3. ولابد في كل جهة خدمية أن يجري تسجيل خدمات نوعية مخصوصة بالطفل كما في صحة الطفل ومؤسسات التربية والتعليم والترفيه والإبداع... 4. دعم الفعاليات النوعية الكبرى للطفل وأولها برلمان الطفل العراقي في المحافظات وعلى مستوى الوطن... 5. ومن دعم الفعاليات النوعية إنشاء مسرح محترف للطفل العراقي في كل محافظة وفي المستوى الوطني العام مع اهتمام جدي بهذا النشاط على مستوى تكوين المسرح المدرسي وتوفير الصالات والمتخصصين له.. 6. إيجاد برامج إعلامية متخصصة في الفضائيات والإذاعات المحلية سواء من جهة الكبار وتوجه رسائل برامجهم للطفل أم من تلك التي تعنى بوجود الطفل معدا ومقدما لتلك البرامج بما يرعى إبداعاتهم... 7. توفير الحدائق والملاعب وأماكن الترفيه المناسبة في المدارس والأحياء والمدن.. 8. توفير الملاعب والأندية الرياضية والفنية المناسبة وتوسيع قدراتها طاقاتها والبدء بدوري يُعنى بالطفل في مختلف الرياضات البدنية والعقلية كما في أمثلة كرات القدم واليد والطائرة والسلة وكما في الشطرنج وما يناظر ذلك... 9. إشراك الطفل العراقي في هذه الميادين في منافسات محلية وإعداده إعدادا متكاملا للمشاركة بالأنشطة الإقليمية والدولية... 10. إنشاء المكتبات المدرسية والمحلية البلدية وتوفير أجهزة الحواسيب (الكومبيوتر) فيها وإقامة الدورات بشأن استخدام الكومبيوتر.. 11. توفير فرص لصحافة الطفل ولأقلامهم المبدعة.. 12. توفير جوائز على مستويات المدرسة والمدينة والوطن في مجالات الأنشطة والإبداعات المتنوعة... 13. فتح مراكز متابعة حقوق الطفل ميدانيا وتلبية شكاواهم ومطالبهم وإتاحة وجود القانونيين والحقوقيين الذين ينهضون بحمل تلك المطالب والتساؤلات للترافع أمام الجهات المعنية... 14. إيجاد الحلول الجدية التي تلتفت للأيتام ولتحسين دور الرعاية المتخصصة ولأطفال الشوارع ولأولئك الذين وقعوا في فخ الجنح والجريمة بما يتناول أوضاعهم بالطريقة المناسبة.. 15. تشجيع الدراسات والبحوث التي تتناول قضايا الطفل على مستوى المعاهد والجامعات والمراكز البحثية المتخصصة... 16. دعم تشكيل لجان واتحادات وجمعيات ومنظمات الطفل العراقي على مستويات المدرسة والحي والمدينة والوطن.. مثل اتحادات الرواد للفتية والفتيات والشبيبة الديموقراطية والطلبة وما إليها من جمعيات يمكن إنشاؤها رعاية للطفولة وأنشطتها... 17. لابد من مركز وطني متخصص ومسؤول يُعنى بالطفل العراقي ومصالحه حاضرا ومستقبلا ويخطط لحياته حرة كريمة آمنة ويتناول معالجة كل تفاصيل مطالب الطفل وحاجاته وتطلعاته... إنني لأرجو لجهود مثابرة شجاعة كما تلك التي يحملها شخوص مهمين ناشطين داخل الوطن وخارجه أن تثمر نتائج خير مثال الأستاذ الدكتور شفيق المهدي ودائرة أنشطته التخصصية بالطفل والأستاذ محمد رشيد وكل تلك الأنشطة المتنوعة بشأن الطفل العراقي عامة والأيتام بخاصة من تفاصيل مطالبهم وحتى تعقيدات الدفاع عن حقوقهم القانونية والدخول في دائرة إنشاء مؤسسات تلبي مطامح نوعية كبيرة كما في الجهد المميز لإيجاد برلمان الطفل .. بورك كل مسعى نبيل يصب في التأسيس لمجتمع المستقبل الناضج الصحي الصحيح عبر تربية سليمة وتسيير صائب لخطى الطفل العراقي.. وبورك في أطفالنا الذين يتحملون بجرأة وشجاعة وعقل علمي متنور يرى الصحيح بقدرات ناضجة واعية وهم يخططون لأنفسهم مسيرة طامحة واعدة نتأمل فيها كل الخير... وأشد على أياديكم و أضع جهدي المتواضع معكم لتنسيق تلك المسيرة وتفعيلها وتقديمها للعالم أجمع صورة ناصعة مميزة باتت تؤتي ثمارها شموسا وكواكب بأطفالنا الرائعين بنات وأبناء وبمن يحلم معهم ويحمل العبء عنهم داخل الوطن أولا وخارجه حيث مساعي الدعم الحثيث والفعال... -------------------------------------------------------- * كلمة موجهة للمؤتمر المنعقد بمدينة العمارة العراقية لانتخاب أول برلمان للطفل العراقي بجهود دار القصة العراقية والسيد محمد رشيد...
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |