ملاحظات أولية حول نتائج الانتخابات المحلية (1)
 

 

محمد علي محيي الدين
abu.zahid1@yahoo.com

لا يخفى أن النتائج المأساوية التي حصدتها قوائم الحزب وحلفائه في انتخابات مجالس المحافظات،تقف ورائها الكثير من العوامل التي علينا تشخيصها وإيجاد الحلول اللازمة لها والعمل لتلافيها تهيأ للانتخابات العامة التي ستجري بعد شهور،والتي علينا خوضها بجرأة وجسارة وبروح شيوعية تهزأ بالمستحيل ولا تثنيها العقبات،وأن لا يتطرق الإحباط واليأس إلى النفوس التي لا تعرف الهزيمة أو تتهيب الصعوبات.

وقبل الخوض في أسباب الفشل علينا النظر بموضوعية إلى الأمر من زاوية مهمة وهي طبيعة المرحلة والظرف الذي يمر به الحزب بعيدا عن الماضي بما يحمل في طياته من محطات مشرفة كانت الظروف العامة مؤاتية لها فالتغييب للفكر الماركسي طيلة عقود والكوارث التي أحاطت بالمجتمع العراقي جعلته يندفع اندفاعا عاطفيا باتجاه رأى فيه الخلاص من محنته باللجوء إلى الدين كوسيلة يلجأ إليها العاجز للخلاص من محنته ،فكان لهذا الاندفاع تأثيره على مستوى الوعي وتسييره باتجاهات تتقاطع مع ما يهدف إليه العلمانيون مما يستدعي آليات جديدة لإعادة الوعي للعقول التي انغلقت باتجاه يصعب تغييره إلا بعد عملية تستنزف الكثير من الوقت والجهد لذلك أرى ولعلي مخطئا أن الحزب الشيوعي يمر في الوقت الحاضر بمرحلة البناء والتأسيس في ظل انسلاخ كامل للعقل العراقي وابتعاد عن مجمل التوجهات القديمة، يضاف لذلك أن الشيوعيين القدماء الذين واكبوا المراحل السابقة وعاشوا دقائقها لم يستوعبوا طبيعة المرحلة الحالية مما جعلهم يعيشون فترة صراع فكري أثر على توجهاتهم بشكل كبير وجعلهم منغلقين على ذاتهم وأفكارهم السابقة مما يستدعي أعادة رسم الخطوط البيانية للمرحلة الجديدة والتكيف عليها وهو ما يصعب ألوصول إليه في الفترة الزمنية هذه لوجود استحقاقات أخرى تستلزم العمل لانجازها.

لذلك تعدد الخطاب الشيوعي في عودة لتمجيد الماضي الذي لا يمكن الانتفاع به إلا في عملية شد العناصر الشيوعية القديمة إلى تراثها ،والعمل على البناء الجديد وفق خطوات تستدعي خطابا يختلف عن الخطاب السابق ،وما تفرضه طبيعة الوضع الأمني والقوى المهيمنة التي تستدعي توافقات تتقاطع في أحيان كثيرة مع المراحل التي يجب قطعها ،يضاف لذلك تراكمات الفترة السابقة التي خلقت انسلاخا وتباعدا بين المجتمع والفكر اليساري لفشل التجارب السابقة وانهيارها وتأثيرات الفتاوى التي لا زال هناك من يسعى لتجذ يرها والاستفادة منها في صراعه السياسي،والقدرات الذاتية التي لا يمكن لها مجارات الأطراف الأخرى التي تمتلك الكثير من مقومات البقاء والنماء لامتداداتها الطبيعية في المجتمع واستغلالها من قبل الإسلام السياسي في صراعها مع قوى لا تمتلك مقومات لمعركة متكافئة لعدم توازن القوى والافتقار إلى أي شكل من أشكال الدعم المادي والإعلامي .

والمجتمع العراقي بطبيعته ميال إلى السلطة مهما كانت توجهاتها ،لذلك ترى الاندفاع الشعبي خلف رموزها سواء كانت حكومية أو دينية،وهذا ما لاحظناه في الأصوات التي حصل عليها ائتلاف دولة القانون التي جاءت في المرتبة الأولى في الكثير من المحافظات،وكان الانتخاب للقائمة لا لمرشحيها وكانت مجمل الأصوات لشخص رئيس الوزراء بصفته الحاكم التنفيذي في العراق وهو ما لمسناه في الانتخابات التي أجريت في حكومة أياد علاوي حيث حصد (40) مقعدا بشكل منفرد فيما حصل على (25) مقعدا في الانتخابات التي تلتها رغم تحالفه مع أحزاب أخرى مما يعني أن السلطة وبريقها وراء الاندفاع الشعبي في الاختيار.

والأمر الآخر الذي لا يمكن تجاوزه هو الإمكانات الهائلة لأحزاب السلطة وقدرتها على التحرك في الأوساط الشعبية بما تمتلك من مقومات لا تمتلكها الجهات الأخرى غير المشاركة في السلطة،وإمكانياتها في الجذب الشعبي من خلال ما تستطيع تقديمه من وظائف وامتيازات لمن يسير في ركابها،أو يؤيدها،وسيطرتهم التامة على عمل المفوضية غير المستقلة للانتخابات واختيارهم للمراقبين الذين يعملون بتوجهاتهم وأوامرهم وبالتالي تنعدم الفرص المتاحة للأطراف الأخرى في الوصول إلى مستوى تلك الأحزاب.

ضعف الجانب ألأعلامي :فأحزاب السلطة والمهيمنة على الشارع العراقي تمتلك وسائل أعلام متطورة وفضائيات ذات إمكانيات لا تستطيع دول بقدراتها على مجاراتها في الوقت الذي لا تمتلك الأطراف الأخرى غير الوسائل البدائية في الدعاية والإعلان ،أضف إلى ذلك الإمكانات المادية والقدرة على شراء الأصوات وشراء الذمم لأطراف من خارج تلك التنظيمات تعمل في الخفاء لمحاربة دعايات الأطراف الأخرى وإزالة ملصقاتها وهو ما أشارت إليه الكثير من وسائل الأعلام.

تمكنت الأطراف الحاكمة من خلال ممثليها في مجالس المحافظات السابقة من كسب الكثير من المواطنين إليها بما قدمته لهم من مساعدات في المشاريع الخدمية للأحياء أو التعيينات وإيجاد فرص العمل أو قضاء حوائجهم في دوائر الدولة بما يمتلكون من سلطة وهيمنة على مرافق المحافظات المختلفة في الوقت الذي عجز الآخرين عن تقديم أي منفعة للمواطن لعدم امتلاكهم للمركز المؤثر ، مما يعني أنهم غير فعالين للجماهير التي انتخبتهم وأوصلتهم إلى هذا المركز لأنهم لا يشكلون تأثيرا فاعلا في مجلس المحافظة أو دوائرها الخدمية وتكليفهم بمهام لا علاقة لها بالواقع المعاشي للجماهير مما جعلهم عاملين جيدين خلف الكواليس دون أن يشعر المواطن بما قدموا من خدمات غير منظورة لما يمتلكون من كفاآت يفتقر إليها الآخرين،وهذا كان له التأثير الكبير في توجهات الناخب العراقي.

قدرة الكتل الكبيرة على التلاعب بالنتائج لهيمنتهم المباشرة على المفوضية ،فقد حدث التزوير والتلاعب في مراحل الفرز النهائية من خلال إسقاط الكثير من الاستمارات وإهمالها أو التلاعب بأعدادها لعدم وجود رقابة فاعلة ،وانفراد الأحزاب القوية بخزن الصناديق والحفاظ عليها والتلاعب الكبير حدث في فترات النقل والخزن،لأن النتائج كانت مخالفة بشكل كبير على النتائج التي جلبها ممثلي الكيانات.

كثرة المرشحين وضياع الأصوات ،ولو القينا نظرة بسيطة على عدد المصوتين في أي محافظة من المحافظات لوجدنا أن القوائم التي ستشكل مجالس المحافظات لم تحصل على أكثر من ربع الأصوات مما يعني ضياع أصوات ثلاثة أرباع المصوتين،مما يجعل التمثيل الشعبي لهؤلاء لا يمثل إلا جزءا ضئيلا من مجموع الشعب وبالتالي فأنهم لا يمثلون تمثيلا حقيقيا جماهير المحافظة وذلك ضمن خطة ذكية لعبتها الأحزاب الكبيرة بتشكيل عشرات القوائم المستقلة لبعثرة الأصوات وضياعها لأجل الهيمنة من خلال قانون الانتخابات الذي فصل على مقاسهم ووفق خطتهم في حصد جميع المقاعد وعدم إفساح المجال للأطراف الأخرى بالحصول على مركز مؤثر بينهم،ولا أعتقد أن ما طفا على السطح من خلافات بين الجهات الدينية سيترك أثره على طبيعة مجالس المحافظات لأن هذه الكتل ستتفق على اقتسام الغنائم وتنفرد بالقرارات لتؤسس لمرحلة قادمة تكون فيها اللاعب الوحيد إذا لم تنتبه الأطراف الأخرى إلى طبيعة المخطط وتأخذ احتياطها بالتهيؤ للمرحلة المقبلة.

السذاجة السياسية في التعامل مع الوقائع فقد انخدعت المنظمات الحزبية بما يدور في الشارع العراقي عن نفور الجماهير من أحزاب السلطة الحاكمة وأن الشيوعيين لوحدهم يمتلكون النزاهة والقدرة على أدارة السلطة مما جعل الكثير من الرفاق يصابون بالخدر في التحرك والدعاية اعتمادا على هذا الاستقراء غير الواقعي، وهو ما لمسناه في ضعف التحرك والنشاط للجان الانتخابات وقصورها في الوصول إلى الجماهير ..

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com