معاني العزة عند المسلمين ...في ثورات تونس ومصر وليبيا
 

 

بقلم : عاهد ناصرالدين
ardknaan@googlegroups.com

كل إنسان لا يوجد له مبدأ وفكر أساسي ينبثق عنه كل فكر فرعي تجده متلونا مضطربا يسير هنا وهناك مذبذبا لا تعرف له اتجاها ولا وجهة ولا هدف يعمل على تحقيقه {مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَـؤُلاء وَلاَ إِلَى هَـؤُلاء وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً }النساء143

وكل إنسان يسير في حياته بلا تفكر وتأمل وتدبر سيجد نفسه في نهاية المطاف في أوهام وخيال ، ما أن يسمع نداءا أو بوقا فيسير خلفه دون تأمل وتدبر ولا يفكر من الذي قام بمناداته ولماذا ولأي اتجاه يريد فقد يكون عدوا له ناصبا له الفخاخ .

وهذا هو حال حكام اليوم ومنهم القذافي الذي يلوم الغرب في تخليه عن ليبيا أي عنه وعن عرشه في حربها "ضد الإرهابيين"!

هذا هو حال من يقف في صف أعداء الله ضد أمته وشعبه.
هذا حال من يركن إلى الكفار {وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ} هود 113.

والركون هو الميل اليسير, فإذا كان الله جل في علاه يُحذرنا من الميل اليسير إلى الكفار! فكيف بالميل الكثير! أو بالميل كل الميل كموالاتهم, أو الاحتكام لأنظمتهم والسير في ركابهم !قال تعالى{ وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً{74} إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً {75}الإسراء

هذا حال من يعين الكفار والظالمين ليرسخ باطلهم وحضارتهم الغربية، لتحل محل دين الله الحق الذي ارتضاه الله للبشرية، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم ( من أعان ظالماً ليدحض بباطله حقاً فقد برأت منه ذمة الله وذمة رسوله).

هذا حال من ارتضى لنفسه الظلم والتسلط وقتل الناس بغير حق، فضلا عن إنكار السنة النبوية وتحكيم الطاغوت .

هذا حال من استند إلى الكفار في حكمه واغتصابه لسلطان الأمة جبرا عنها أو يصل أحدهم إلى الحكم على ظهر دبابة أجنبية أو بانتخابات مزورة ، خلافاً لما رأينا من عدل دولة الإسلام وخلفاء الإسلام الذين قامت أركان دولهم على كلمة العدل وتمكين الأمة من محاسبتهم.

إن وجود حاكم يأخذ بزمام الجماعة ويرعاها ويأمرها وينهاها، يحكم الناس ليس لمجرد السلطة وشهوة الحكم والأمر والنهي ويقودها إلى بر الأمان أمر يحتاج إليه كل البشر ؛ ذلك أن هذا الحاكم يسعى لمكافحة الفساد والظلم والذب والدفاع عن شعبه بكل ما أوتي من حكمة وقوة ،ويبذل الغالي والنفيس من أجل هذه الغاية ، وتكون له بطانة صالحة توجهه وتشير عليه وتقوم أي اعوجاج قد يحصل منه .

فالحاكم الحقيقي هو الحافظ الراعي لمصالح شعبه ، وهو كالأب الحنون يشارك شعبه في أفراحه وأتراحه، وفي آلامه وآماله ولا يعيش في بروج عاجيّة، متنعماً في أحضان اللذة رافلاً في أنواع الشهوات، غير عارف بأحوال من يسوسهم.

هذا حال من جعل نفسه مستباحًا رهنا لغيره .

هذا حال من جعل بلده وشعبه نهبا لكل طامع، أو غرضًا لكل صاحب هوى؛ فلم يدافع عن نفسه وعِرْضِهِ وماله وأهله، {وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ}

إن الحاكم الحقيقي يرفض إذلال نفسه، حتى لو قتل في سبيل عزته وكرامته، يعيش محتفظًا بكرامته؛ لا يضعف، ولا يلين، ولا يتنازل عن شيء من كرامته وعزته من أجل مالٍ قليل، أو عَرَضٍ دنيوي زائل، وكما جاء في الحديث: (من جلس إلى غني فتضعضع (تذلل) له لدنيا
تصيبه، ذهب ثلثا دينه، ودخل النار) [الطبراني].

إن الحاكم الحقيقي يجعل دينه عزيزًا ودولته عزيزة منيعة ، يستمد عزته من الله {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ }فاطر10

كانت الحرب تدور بين المسلمين والفرس، فطلب رستم قائد الفرس أن يتشاور في الصلح مع المسلمين؛ فأرسل سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- قائد المسلمين الصحابي الجليل رِبْعِي بْنَ عامر -رضي الله عنه- ليعرض مطالب المسلمين، وعلى الفور ذهب ربعي بن عامر، ودخل القصر ممتطيا جواده، سائرًا به فوق البساط الفاخر الموضوع على الأرض، وحينما طلب جنود قائد الفرس من ربعي النزول رفض، وقال في
عزة: لم آتِكم من تلقاء نفسي، وأنتم الذين دعوتموني، فإن رضيتم بذلك، وإلا رجعتُ. فقبل الفرس وقلوبهم تكاد تتفجر من الغيظ.
وحينما دخل على قائدهم رستم، عرض عليه الدخول في الإسلام، أو دفع الجزية، أو تكون الحرب بينهما، وقال له في عزة وكرامة:
أيها القائد، إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جَوْر الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سَعَة الآخرة.

رحم الله الفاروق عمر رضي الله عنه الذي قال "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله" ..

-

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google

 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com