اليد الخفية في الثورات العربية
 

د. حامد العطية
hsatiyyah@hotmail.com

نزل الحدث عليهم كالجبل، خسيء المتنجمون، وكسدت شعوذتهم، ولم يقصدهم الملوك والأمراء والشيوخ هذه المرة، واحتار الأكاديميون المتشدقون، وبهت المحللون الاستراتيجيون، ولعلها اسوء كوابيس وزارات الخارجية، في دول العالم الكبرى قبل الصغرى، فهم جميعاً اخذوا عن حين غرة، حتى ويكيليكس سكتت عن التسريبات غير المباحة، وغدت مواقعها شبه مهجورة، وأول ما نزل غضب الحكام العرب المتسلطين على رؤوس مخابراتهم، فكيف سهى ملايين المخبرين عن الإبلاغ عن الحدث قبل وقوعه؟

من حرك ثورات العرب؟ سؤال احتاروا في الاجابة عليه.

هل هو أبو عزيزي؟ ولكنه مات محترقاً، مأسوفاً على شبابه، ولم يبق ليقود الثورة، ولم يشهد حتى انتصارها في بلده تونس، ثم من سمع بعدوى ثورات تنتقل من بلد لاخر؟

من حرض هذه الرعية على الخروج على أولياء أمورهم، وهو في مذهبهم فسوق وعصيان وبغي؟

ومن لقنهم الهتاف بإسقاط فخامة الرؤساء وجلالة الملوك وسمو الأمراء والشيوخ وسعادة الوزراء وفضيلة علماء السلاطين؟ يا الله ما أجرأهم.
وكيف واتت كل هؤلاء الناس الشجاعة والجرأة والعزيمة وبالأمس القريب كان كل واحد منهم يلوذ بالصمت، ويرتجف لو مر بجانبه شرطي؟ لعلها تعويذة سحرية للشجاعة! مستحيل أن تكون وراءها أمريكا، لأنها بقدر ما تحب وتساعد وتؤازر الحكام الدكتاتوريين في الدول العربية تكره شعوبها.
أسخف التفسيرات، ما ردده القذافي، كعادته، متهماً القاعدة والسلفية، بالوقوف وراء الثورة في بلاده، وهما والنظم الديكتاتورية أكبر الخاسرين نتيجة الثورات العربية.

علها اليد الخفية.

واليد الخفية مصطلح اقتصادي، استعمله ادم سميث، مفكر الاقتصاد الحر، والمقصود به محصلة قوى السوق الرأسمالية، التي تنظم السوق، وعلى رأسها بالطبع سعي الأفراد وراء مصالحهم الذاتية والتنافس فيما بينهم.

فهل المصلحة الذاتية وراء ثورات العرب؟

وهل من المصلحة الذاتية أن يحرق التونسي نفسه؟ ويخاطر المصري بروحه؟ ويجازف البحريني بثكل أمه ويتم أولاده؟

نعم هي اليد الخفية، لكنها ليست يد النظام الرأسمالي، فهو دائماً نصير الدكتاتورية والمستغلين، بل هي يد الله.

هي يد الله التي ألفت بين قلوب الشعوب، ومن قبل كانوا شيعاً واحزاباً.

يد الله التي كانت حاضرة عندما واجهت الشعوب المستضعفة حكامهم المتفرعنين، وقد توعدهم الله وكل المستكبرين بالخزي والعار في الدنيا والآخرة.

يد الله لا يد غيره التي رمت عروش وكراسي السلطة وأزلامها فأسقطتهم جميعاً.

يد الله فوق أيدي الشعوب المسلمة التواقة لإعلاء كلمة الله، ولإحقاق الحق، ونشر العدل والحرية والمساواة، وتأسيس نظام سياسي يعز الله به الاسلام وأهله، ويذل به النفاق والكفر وأهله.


العودة الى الصفحة الرئيسية

Google

 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com