الحذر ياشباب.. حماية الانتفاضة كي لايأكلها الضبع

عماد خليل بله
 

انطلقت تظاهرات الاحتجاج على ماساوية وثقل الحياة اليومية والتفاوت الفاحش بين مايلغفه المسؤولين الكبار في السلطات وبين عموم الشعب وكأن المحرومين في العراق كانوا بحاجة لصوت يناديهم للخروج، فقد تجاوز (شلعان الكلب) حدود تصديق وعود موظفي السلطات بمختلف مواقعهم.
وما ان بدات تحركات العراقيين وخاصة الشباب لتصرخ كفاية للاذلال اليومي ، حتى حاولت عناصر مختلفة ابتلاع التظاهرات و التسلل لصفوفها لاخضاعها لمصالحها واهدافها، وحرفها عن مسيرتها ، ولعل ابرز نماذج السخرية واللامعقول صدور تصريحات لقياديين سياسيين يحتلون اعلى مواقع في السلطتين التنفيذية والتشريعية ، تصريحات تعلن تأييدهم لمطالب المتظاهرين وتقر بشرعيتها، وكأن المصرحين قادمون من صفوف الشعب المحروم الذي يصارع منذ سبع سنوات لتحسين حياته بعد سنوات القمع والحرمان خلال فترة الدكتاتورية المقبورة، والذي لم يرَ غير اشكال تعميق وتفاقم الحرمان. وكأن الشعب لايعرف ان المصرحين من اقوى أعمدة الخراب واسباب العلل العراقية بسبب طموحاتهم الشخصية والفئوية وممارساتهم التي جلبت الفوضى وعمقت الظلم منذ تسيدوا السلطات. فبمرارة التجربة ادركنا ان الواجهات السياسية قاطبة لم تقم عمليا الا بتعميق حالة حرماننا من حقوقه وراينا ونرى حتى اولئك مدعي الاصلاح ايام التحضير للانتخابات لم ينتهوا الا الى حال خصومهم الشركاء. ولا ادري درجة الصلافة التي يمتلك بعضهم ليعلن تبنيه لمطالب الشعب ويدعوا الحكومة الى الاستجابة لها وهوالفاعل في تعطيل تحقيقها الفعلي منذ سنوات حتى بات ينطبق عليهم المثل القائل( غاسل وجهه ببوله). فهم نفس الوجوه التي تاجرت بالله وبالشعب وبالوطن وبالطائفة والقومية . ولافرق بينهم، وقد فضحت جريمة اطلاق النار على المتظاهرين في الحمزة الشرقي والكوت والسليمانية زيف ديمقراطية الاحزاب الحاكمة ، واسقطت الجريمة في السليمانية كل صور التقدم في البناء في اقليم شبه الدولة غير المعلنة في كردستان العراق ، اذ لاقيمة للعمران حين تصادر حريات الناس وتغتال العدالة وتصب تكاليف المشاريع في جيوب فئة طاغية محدودة العدد. لكن هيهات لن تكون لهم لو تمكن شبابنا والمحرومون الراغبون بحياة كريمة من توحيد نضالهم السلمي.
ولقد انطلقت تجمعات شعبية اصيلة على الفيسبوك وفي الداخل العراقي تتحرك لتحقيق اصلاح في النظام القائم يستجيب لحاجات الشعب بطريقة سلمية تلتزم النظام والابتعاد عن العنف وفي طليعة هذه الحركات ( الثورة الزرقاء) ، و ( المنبرالثوري الحر)، و( بغداد لن تكون قندهار). لكن تعددية المجموعات تحمل البذرة العراقية السيئة المتمثلة بتشتت النضال الشعبي بفعل دودة التزعم ، والنظرة الضيقة ذات الطابع الحزبي للبعض. الا ان مواصلة التعاون بين المجموعات الثلاث اعلاه ظاهرة ايجابية للوقوف بوجه محاولات سرقة نضال الشعب التي لم يكتف اصحابها بالتصريحات وانما قاموا بدورهم باستخدام الفيس بوك لتكوين مجموعاتهم بما في بعضها من امتدادات بعثية كما يتضح من طروحات ما يطلق عليه من تسمية ( الثورة العراقية الكبرى) . ان الحزبية تقتل التحرك الشعبي المطلبي لكونها تحاول حصره في حدودها الضيقة وتنقل مشاركين ومؤازرين الى موقع الصمت وقد شاهد المتظاهرون كيف حدث ذلك خلال التظاهرة الاولى في شارع المنتنبي بعد ان رفع البعض صورة تشي جيفارا. ولكننا شاهدنا حالة الوعي واضحة في تظاهرة 14 شباط المتمثلة بشعار ( الشعب يريد اصلاح النظام). نعم نحن كشعب عراقي لم نحصل من الديمقراطية الا على نقطة ايجابية واحدة وهي الانتخابات الدورية للبرلمان وللحكومة، وهذا يدفعنا للتمسك بهذا النظام ، والذي لايعني تمسكنا بالحكومة القائمة ، هو يعني تمسكنا بالدستور الذي أقر حق الشعب بالاحتجاج ، والاعتراض على القرارات والممارسات المخالفة له والبعيدة عن مصالح الشعب ومحاسبة القائمين عليها، بالطرق القانونية ومنها التظاهر السلمي. كما من حق الشعب تصحيح خطأ سوء اختياره للناخبين ان وجد عدم اهليتهم للمناصب التي اوصلهم اليها. فالشعب اختارهم لخدمة المجتمع بسبب ما أدعوه، ولم ينصبهم امراء وطغاة يتحكمون بحياته ومعيشته، ولنتذكر ما قاله الخليفة الاول للمسلمين ابي بكر (رض) في خطبة توليه الخلافة اذقال

"أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله، والقوى فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله،....طيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم"

فلنتعلم من تأريخنا ونقوم ، ولانندب حظنا على سوء الاختيار ، فخلال اربعة سنوات يمكن ان يتحقق الكثير مما يطالب به الشعب المحروم بشرط ان يضع هذا الشعب كفاءة وطنية نزيهة في الموقع الصحيح لادارة الدولة، ويكون من الافضل عدم تضييع الوقت والاموال بانتظار دورة انتخابية جديدة. ان الاختيار الذي تم بظل صراع طائفي مقبور بعون الله يحتم على الناخبين تصحيح اختيار ناخبيهم في الفرصة القادمة، الاختيار على اساس من يوفر حاجتهم لمقومات حياة كريمة هم اهل لها ،وليس اختيار أعمى من حفر الطائفية والقومية والعشائرية والمناطقية.

ويحتاج النجاح لاجبار الحكومة تلبية المطالب الى عدم الانجرار الى ممارسات تسيء الى مشروعية هذه المطالب، خاصة وقد بادر سُراق النضال الوطني بجدية لتزوير الحراك الشعبي عبر تجمعاته المشبوهة بمحاولة سرقة دعوة التظاهر في يوم 25 شباط الجاري، مقدمين شعارات استفزازية واهداف بعيدة عما يريده عموم المحرومين ، لن تزيد البلاء الواقع على اهلنا الا تصاعدا، ويدفع الحكومة لاستعمال العنف ضد المتظاهرين، فشعار اسقاط النظام ، وتحميل شخص واحد المسؤولية كاملة عن الخراب دعوة غير منصفة، وكأن قياداتهم ليست شريكا فاعلا بما حل في العراق من معاناة، فالحل المنصف يتم بازاحة كافة مسببي المعاناة. وان الدعوة لالغاء الدستور وتحديد نوعية معينة له، بدل الدعوة لتعديله ،واحداث مجالس ذات طابع متخلف لاتمثل الا طريقة ساذجة باتت مكشوفة اذ لاتختلف عما يشهده العراقيون منذ ثمان سنوات، للالتفاف على النظام الديمقراطي ووؤده ، وهي جهات يدفعها حنين الى زمن القمع البائد او خيالات تحويل بغداد الى قندهار ثانية

فما الذي يساعدنا على مواصلة ناجحة ومتصاعدة للحراك حتى تحقيق الاهداف، هنا لابد من قراءة مهنية للتجرتين الشعبيتين في تونس ومصر ، واقصد المهنية ان تكون قراءة بعيدة عن المصالح الضيقة لحزب معين او طائفة واحدة او قومية محددة، فالكل ضحايا لسوء الوضع. لنستشف ضرورة:
- وحدة عمل القوى الساعية لاصلاح النظام واستخدامه لبناء عراق متحضرلكل العراقيين، ومجتمع مدني تسوده العدالة والمساواة. وهذا معناه اقتراب والافضل وحدة نشاط المجموعات المتظاهرة الساعية لهذه الاهداف لاسيما والعمل في بدايته، وان التقارب الحاصل بين مجموعات الثورة الزرقاء والمنبر الثوري الحر وبغداد لن تكون قندهار مؤشر على وعي ايجابي تمتلكه هذه المجموعات لاهمية العمل المشترك.

ان كون هدف التظاهر تحقيق اصلاح يوجد حكومة وسلسلة ادارات قادرة على خدمة الشعب وبناء بلد متحضر للجميع يتطلب تجاوز الحزبية الضيقة، وان وحدة هذه القوى الشريفة يمكنها من عزل وابعاد الاطراف المندسة التي تعمل على اشعال الفتنة باستغلال عواطف وانفعالات المتظاهرين لاحداث التخريب والتدمير للممتلكات كما حدث وللاسف اثناء التظاهرة في محافظة واسط، وهنا لابد ان نعي بان المتظاهرين لايعرفون اين تقع غرفة العقود وهم بحاجة لهذه العقود لكشف السرقات والفساد، وان من له مصلحة بحرقها هو من تدينه محتوياتها، ويعرف اين يجدها. وقد ذكر شهود عيان مشاهدة اربعة اشخاص من انصار قائمة انتخابية لها حصة فاحشة في السلطة الحالية يدفعون الناس للتخريب، وعلى السلطات الامنية التأكد من الادعاء بالتعرف عليهم والتحقيق معهم لكشف الحقيقة.
ويتطلب النجاح من جميع ضحايا البعث المقبور توكيد اصرار لامجال لعودة البعث فكرا وتنظيما تحت اية مسمى وذريعة، ويمكن للبعثيين ان يكونوا مواطنين بعد التصالح مع ضحاياهم، ومن صدق الشعارات رفع رفع شعاري ( لا للبعث) و( لا للارهاب) باعتبارهما رديفان،والذي حققته بعض المجموعات المتظاهرة.

والتظاهر السلمي حق دستوري لم ينكره مسؤولون سياسيون وغير سياسيون رغم محاولة الالتفاف على هذا الحق بوجوب الحصول على تصريح. ان شمول المعاناة يتوضح حتى من خلال المشاهد اليتيمة التي نقلتها الشاشات الفضائية عن التظاهرات وكانت كافية لتبيان كون غالبية المشاركين لاينتمون لجهة حزبية بعينها، بل أكثرهم قد صوت في انتخابات 2010 لصالح من يتسيد السلطة حاليا، وان عديدا من مطالبهم هي تحصيل حاصل لاصلاح النظام. فتوفير الخدمات، ووضع الكفاءات النزيهة والوطنية في مواقع العمل وازاحة الفاشلين والمزورين ، ومحاسبة الحرامية ، وتخفيض الرواتب الكافرة للرؤساء والنواب والوزراء والدرجات الخاصة الى حدود تتطابق مع واقع الحياة وما معمول به في الدول الممقاربة بمستوى المعيشة ، وانصاف للضحايا الفعليين للنظام البائد ولضحايا الارهاب والصراع على تقاسم الكعكة العراقية بعد التغيير في 2003 ، كلها امور تتحقق عندما يختار الشعب العراقي بناته وابناءه الاوفياء القادرون والمستعدون على خدمته. ولنتذكر الان ان الخبرة المهنية دون نزاهة واخلاص غير كافية لخدمة الشعب ولقد جربنا ذلك في وزيري الكهرباء الدكتور ايهم السامرائي المهندس الخبير صاحب شركة مختصة في مشاريع الكهرباء في امريكا والدكتور المهندس كريم وحيد الذي تربى في صناعة الطاقة الكهربائية، وما كانت نتيجة اختيارهم غير ماساة والمعاناة بسببها عار على خيانة تلك الخبرة. ومثال اخر اين هي هذه التي نسمع عنها ولا نرى اعمالها ( هيئة المستشارين)، فمفترض تكونها من مجموعة خبراء مهنيين في اختصاصاتهم، الا انها ومنذ سنوات تبلع مليارات الدنانير اسوة بغيرها من حرامية المرحلة دون انتاج يذكر ليس بسبب قلة المعرفة بل لان كل او معظم عناصرها من خدم النظام السابق والذين لايستبعد ان يحركهم الحنين اليه لتركيز اعمالهم لعرقة وافشال مايكلفون به من اعمال لتبيان ان القوى المسيطرة على السلطة حاليا والتي كانت معارضة للبعث ايام زمان والتي صدقت بهم اسوء من حكومة الطاغية.

وربما من التكرار القول بنجاح تحقيق المطالب المشروعة بالالتزام بالنشاط السلمي كما التزم به شباب مصر، فالعنف لو وقع تستغله السلطات لضرب التظاهرات ولايحقق المتظاهرون التضامن والتأييد المرجو للتظاهر من المنظمات الدولية والدول ذات المقدرة على الضغط على الحكومة العراقية لمنعها من قمع المتظاهرين واجبارها على الاستجابة لمطاليبهم، وتابعنا ذلك في تونس ومصر. وربما يكون من الجيد تشكيل متطوعين يراقبون سير التظاهرة ومهمتهم احاطة وابعاد العناصر المسيئة سواء بتوعيتها او تسليمها للجهات الامنية ان ثبت سوء قصدها. ان تصوير التظاهرة يساعد على معرفة العناصر المخربة وبالتالي منعها من المشاركة في المرة القادمة.

جلنا يدرك تعقيدات الوضع الداخلي وتربص الخارج مما يجعلنا نتحرك على حافة خطرة تحتاج الحذر والحيطة من خلق مبررات احداث فتنة عنف لان الهدف اصلاح النظام وليس اخراج الذئب وادخال الضبع مكانه.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google

 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com