إعلام المال العام فشل بإمتياز  .... و إعلام المواطنة يصنعُ ذاته

 

 

د.كامل القيّم

أستاذ الإعلام والاتصال / جامعة بابل

dr_alqayim4@yahoo.com

 

   شهدنا ويشهد العالم متغيراً سريعاً ومبهراً لتطهير مبدأ القوة والتحكم بالعدة والسلاح وعدد الرجال ...وشهدنا وقراءنا عن دخول الكبار حرباً سرية وأخرى معلنة ،هذه المرة أبطالها ليس بالضرورة من حملة الرتب او وزراء الدفاع او مهندسي ومتطوعي العمليات الخاصة ...بل صنع التحول والتوظيف المعرفي والعلمي أبطال صغار أسموهم ( البطل المبتكر ) او المتفرد ...هم خارج كواليس المؤسسات السرية والعلنية لإمبراطوريات الإعلام والتحكم والتأثير الدعائي المنظم هم أبطال التواصل الاجتماعي وتلقائية التفاعل مع شأن عام.

     ونحن كدول متعلمة وناشئة منبهرة ...بما يتلو ويصنع لنا الغرب من نعمة جديدة لتكنولوجيا الأثر والتأثير ...جمعنا وسخرنا اعتاها وابرقها وأحدثها ...كي نساير ونحاكي أمم الأرض ...فرحين بما نملك من سطوة وبما يمكن لنا ان نصل في جغرافيا الفضاء ....كل الفضاء .والنتيجة كانت وبالاً علينا وعلى البعض، ونعمة كبرى بمشهد آخر، تلك الصورة والكلمة الرقمية التي حلمنا بها طويلاً.. طويلاً...ونحن في العراق وبعد سقوط الصنم  وجدنا آفاقا سهلة ورحبة لحرية التعبير عن القهر والعُري الفكري الذي تكبلنا به لعقود طوال . في بلد انتعش بقنوات إعلامية جبارة التنوع والشمول والقدرات.

    وكانت لوسائل الإعلام المطبوعة منها والمسموعة الكترونية ام تقليدية منتعشة بعملها وببناء نواتها بالخبرة أحيانا ام بالتجربة والخطأ في أحيان كبيرة ...ورويداً رويداً دخل الإعلام كمنفذ رئيس وقنوات كبرى في صناعة الديموغرافيا السياسية والحزبية والاثنية في العراق ...وراحت(الأنا الإعلامية) تزّمر وتسير على أهواء ونغمات السياسة وجرعات التنشيط والدعم لمؤسسات الاحتلال ومقربيه بالعنف والتحشيد الطائفي والمناطقي والديني، وهكذا مرت سنوات إعلامية انتعشت فيها تجارة التجزئة الدعائية والنفسية لرسم خارطة القبول بالواقع المرقع كيفما كان ...وللسلوك السياسي متى ما يعزف .وراحت  بعض مؤسسات الإعلام منجرفة تحت يافطة الاستقلالية ...والحياد ...والدفاع الوطني ...وإنعاش الديمقراطية ....وغيرها من مصطلحات الشعوب المغلوبة والمتطلعة فعلا الى واقع جديد يصنعه الإعلام املاً للمواطن ولا يؤديه الكاريزمي السياسي او صاحب القرار .

 وكان الضرر الفكري والزمني الذي أصاب العراق من جراء العبث الإعلامي الذي فتح ساحته الحاكم المدني  (برايمر) وخبراء شركات العلاقات العامة الأمريكية أكثر مما نتوقع او نتصور، ففكرة الهيئات والقنوات المستقلة أول الغيث ، ومن ثم فتح الفضاء لطفولة التأثير الإعلامي  بمفاصله النفسية والسياسية والاجتماعية لا تخلو من تنبؤ او توقع لمشرحة المجتمع الناعمة .الهيئات والقنوات التي تعتاش على المال العام ...وتبذخ ماضيةً في نصر خجول على مواطن لا تريد ان تنتمي إليه ولا تريده أن يحتضنها ...القنوات المستقلة كذبة كبيرة ناصعة تسطرها الفضائية العراقية وشبكتها بشكل عام ...مواطن مطلبي بإصلاحات ...وشبكة ترفة بالماكياج السياسي .فالعراقية والقنوات الصامتة على مطالب الناس خرجت من قاموس الأثير وهي ترتمي وتعتاش على رضا المسؤول ...وأكذوبته في أنها فاعلة .

   ان معالجة قناة العراقية لتظاهرات ساحة التحرير والاحتراف البائس لحجب شأن العراقيين يقودنا الى تساؤلات كبرى ، لماذا أدارت وتدير العراقية وهيئة الاتصال ظهرها لما يحصل في الشارع العراقي ، ولماذا تهرب من مواجهة واقع حقيقي يحصل للرأي العام بالصوت والصورة...ولماذا لا تعي ان رواتب من يحجب الأخبار والتقارير ومكان صناعة ذلك الحجب وأجهزته يُدفع من لقمة المتظاهرين ، فليس السياسي إلا أداة طارئة في جغرافية العمل الإعلامي .ماذا تفسر لنا العراقية حينما تحرر خبر ، يظهر في السبتايتل( 11 اذار ) على ان المظاهرات انتهت بتسليم المطالب الى ممثل الحكومة والتي شارك فيها ( 300) شخص (لاحظوا وضع الرقم )وكانت سلمية ...ما هذا الانتقاء الرقمي والوصفي الذي يعًّد عينة لضعف وفشل واستخفاف العراقية بالناس ...لماذا هذا الانتقاء  ...ماذا تريد الفضائية العراقية حينما تبحث عن مُخفف او مُمانع لحقائق أمام الناس والفضائيات والمسؤولين ، وهي تزودنا بتقرير واحد لصورة فلمية تظهر رمزية ما لساحة التحرير ... والعجب!! تعلن في ذات اليوم عن حاجتها للمزيد من مقدمي البرامج والمذيعين ...لتعزز بها إمبراطورية فاشلة تبسّط الآراء وتبدد الوقت الثمين للمتلقي العراقي بعدما تحولت الى أداة للتزمير الإعلاني ...ولعرض نجاحات مفترضة لبعض الشخوص ...أين كانت هيئة الإعلام والإرسال حينما انتهكت القوات الأمنية حرمة العمل الإعلامي في بغداد والبصرة ...لماذا نائمة ...ولماذا خارج الخط هذه المرة ...أليست خطابات الهيئة تتحدث عن رفع شان الإعلام العراقي ..وبناء ..وتقويم ...ورفد...الخ من أكاذيب المؤسسات الفاشلة والمنهكة للمال العام والتي لا تشكل أي مؤثر عما يجري للإعلام العراقي .وقلنا وكتبنا مرات عدة في هذا الموضوع ولكن ...؟

  وكجزء من عملي العلمي كباحث ومراقب، كنت متابعاً منتظماً وفاحصاً لآليات تعامل القنوات الفضائية لما يجري وكانت هناك فضائيات تحرّض والأخرى تعّبر بموضوعية ..والأخرى تُساند بالحق ...إما العراقية فإنها كانت تهرب... وببرامج عجيبة ...هي لا تعمل في السياسة، حتى انتهاء المظاهرات وتعوّدنا ان تقول ان التظاهرات انتهت وكانت مطالبهم كذا وكذا  ..ولكن إظهار الرقم(300) وشخص ... وسُلّمت ...تعني شيئا آخر في علم الإعلام تعني تبسيط المظهر ...في الوقت الذي حُجبت ظواهر أخرى كانت لها علاقة بما يجري .

  أقول ..بكل محبة على العراقية ان تغلق نفسها أو تضع توجهاتها في خانة الإعلام المتخصص مثلا ..كأن تكون رياضية  ..او درامية ...او قناة البرامج الفكاهية ...او قناة السياسيين الأقوياء ( وعليها ان لا تقل أنا قناة عامة اعبر عن الدولة ) فانها لم تكن تعبر بأي شكل عن الرأي او المال العام.ولا يمكن لها بهذا الأداء الفقير والبائس والمخجل ان تبقى على ساحة التأثير ..ربما ترى نفسها غير ذلك ..ولكن البحث والتقصي العلمي لا يكذب .

 وإذا رفضنا هذا الافتراض او قبلناه فنحن نتعامل مع واقع إعلامي بدأ من الداخل العراقي وتغذى على آفاقه وثغراته وتناقضاته ، واليوم مشهد الاستحقاق الإعلامي قد اختلف ...لا بل يجب ان يختلف ، فماذا بجعبة الإعلام العراقي من رقابة على السياسيين ؟ وكيف سيصنع رأياً عاماً ضاغطاَ يُعري الزلل الحكومي والعبث بالمال العام ؟ وكيف سيرضي استحقاقات المواطنة ...تلك التي دفعت الكثير ...(المواطنة) التي هشمها الاحتلال وطردها السياسيون ...من يحقق للعراقيين ويعيد لهم اتجاها فُقد في فوضى التأجيلات الكبرى والصغرى يسمى المواطنة ...وإذا كانت الفرضيات السياسية قد أطلقت على السنوات الحالية والقادمة مقولة(عصر الشعوب) بفضل مصالحة ودفق تقنيات الإعلام الرقمي وسطوته على عصر     ( الحكام والسياسيين وأصحاب النفوذ ) إذن كيف ينقلنا الإعلام الى دعامات ومساند فكرية ودينية وحضارية لنرتقي بأفق وجمال وقوة المواطنة ؟ كيف يحارب الإعلام ويبصق المضمون السياسي المترهل وينتج لنا(مضمون يطيل بنا المحبة والوحدة والانا العراقية...الوطنية...والعمل المتسارع) كيف نُبصّر الرأي العام على ان المحتل والإرهابي فنان ومحترف ومخطط لنبقى ننزف ولا نعلم ،لأننا نسير بفنه واحترافه ومخططه كي نكون أوفياء لمجهول ولافتراض سياسي متعري من الانتماء ...متى يفهم مخططي الإعلام ...ان مهمة العرس السياسي قد انتهت وقد استوزر الأقوياء .

     واليوم لنعطي للضعفاء والفقراء ما نستطيع من مضمون الحب والأمل والتنمية والعيش الكريم والارتقاء ،متى نطلق مشروع إعلام المواطنة...ومتى يصبح بطل المضمون دعوةً ام تقريراً ام فلماً او مقالاً ...متى ؟ ونعتقد ان الأوان متسق مع خارطة حُبلى بنشيد المواطنة وحقوقها الإعلامية بعدما انتهينا من مخاضنا التشريعي والحكومي الجديد ...فلنكن عون لشيوع وترسيخ المواطنة ولنؤمن أن هذا عصر الشعوب المقهورة واستحقاقها.ولتحيا وتنمو في عراق لا يبنى ويتعافى إلا بالمواطنة. 

 

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google

 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com