لن نعود إذا انسحبنا !!

 

زاهر الزبيدي

zzubaidi@gmail.com

هذا ما أطلقه أحد مسؤولي البنتاغون في إشارة الى أن الولايات المتحدة الأمريكية إذا ما سحبت قواتها في نهاية العام الحالي حسب إتفاقية "صوفا" الموقعة بين الحكومة العراقية وحكومة الولايات المتحدة الأمريكية فأنها سوف لن تعود !! .. والعودة هنا لها معان كثيرة وتنطوي في بعضها على التهديد الواضح للحكومة العراقية التي يبدوا أنها مترددة نوعاً ما في منح القوات الأمريكية تواجداً بعد نهاية 2011 والذي قد يكون تواجداً مشروطاً منظماً وفق تعديلاً يتم إجراءه على الأتفاقية المزعومة أو أن يتم منحها تواجداً سرياً من خلال أتفاقاً سرياً توقعه مع الحكومة العراقية  .

فالمعروف أن التيار الصدري ، 40 مقعداً تقريباً في البرلمان ، هي الجهة الوحيدة التي لا ترغب مطلقاً وبأي شكل من الأشكال ، وهذا من المباديء ولا يمكن التراجع عنه مطلقاً ، أي تواجد للقوات الأمريكية بعد 2011 ...  بل أن زعيمة السيد مقتدى الصدر قد ذهب الى أنه قد يرفع التجميد عن "جيش المهدي" وإعادته لمقاومة الاحتلال الأمريكي في حالة تم التمديد لبقاء تلك القوات في العراق لما بعد 2011 .

وفي نظرة واضحة وجلية يمكن من خلالها أستقراء واقع القوات العراقية التي من حيث التدريب والعدة والعدد نرى أنها وبشكل مطلق غير قادرة على تحمل المسؤولية كاملة بجدية ودقة في استلام مهام الحفاظ على الأمن في بغداد وبقية المحافظات وخير شاهد على ذلك أن القوات الجوية معطلة ، والقوات البحرية معطلة ، وقوات المشاة معطلة وسبب التعطيل يعود الى عدم إمكانية سماح القوات الأمريكية بتسليح القوات العراقية بأسلحة حديثة منذ سنين عدة خوفاً من وقوع تلك الأسلحة بيد المجاميع المسلحة أولاً والخوف من أنقلاب الجيش العراقي على القوات الأمريكية المتواجدة في العراق في حالة حدوث أي أحتكاك أو توتر بينهما بفعل إختلاف الأفكار والتطلعات ثانياً  .. حيث ظهر هذا جلياً في عدم إحتواء العجلات العسكرية الأمريكية المباعة للعراق على المدافع الرشاشة الكبيرة الموضوعة في قمرة القيادة لتلك العجلات "الهمفي" والهمر" في حين أحتواء العجلات الأمريكية عليها .. أي أن القوات الأمريكية حافظت على أبقاء تسليح الجيش العراق بمستوى أقل بكثير من مستوى تسليحها ..

وعلى الرغم من أن سعي العراق جاداً في تسليح جيشه بأحدث الأسلحة إلا ان الجداول الزمنية التي وضعت للتجهيز تنذر بعاقبة وخيمة إذ أننا بحاجة الى حماية حدود بطول 1458 كم مع أيران و 605 كم مع سوريا و 814 كم مع السعودية ذات الكثبان الرملية المتحركة بعدد 140 دبابة من طراز أبرامزM1  يجب أن يتم تسليمها العراق في أيار 2011 . وبهذا العدد من الدبابات علينا حماية آلاف الكيلومترات من الحدود المتنوعة ناهيك عن المساهمة في تأمين الجبهة الداخلية .

أما من حيث القوة الجوية فالعراق متعاقد على تجهيز طائرات أف16 الحديثة والمتعددة الأستخدام لحماية مساحته البالغة بما يقارب  434  ألف كيلومتر مربع متنوعة التظاريس بـ شراء ما يصل الى 96 طائرة اف-16 حتى عام 2020 .. أي اننا علينا الأنتظار تسعة سنوات أخرى ليتكامل وصول 96 طائرة فقط مهمتها حماية تلك المساحة الشاسعة من أرض العراق .

أما القوات البحرية وعلى الرغم من قصر شواطئنا البحرية لأن العراق لا يمتلك سوى مائتي كيلومتر من الحدود البحرية و يمتلك تسعة زوارق بحرية سريعة وهي قوة بحرية خجول جداً أمام القدرات البحرية لدول الجوار ، ويأمل الجانب العراقي في الأستفادة من العلاقة مع فرنسا في تطوير قواته البحرية .

وأخيراً لا ننسى أن للفساد المستشري الأثر البالغ في تأخر تجهيز الجيش العراق ، فقد أنفلقت في الأجواء قنابر الفساد الذي طالت مسؤولين كبار منذ 2003 منها ماتم السكوت عنه ومنها ما لم يتم أكشافة لغاية الآن والذي أدى الى ضياع المليارات من الموازنة المخصصة لتجهيز الجيش العراق وتسليحه وفق الستراتيجيات المعتمدة لدى وزارة الدفاع .

والآن بعد الاستعراض أعلاه لإمكانيات الجيش العراق وإمكانيات قواته الأمنية التي ساهمت أمريكا بذاتها في بقاءها على ما هي عليه من التردي في التجهيز والتدريب .. هل نحن بحاجة لأمريكا ؟ وكيف ستكون حاجتنا اليها ؟ وكيف ننظم تواجد قواتها على أرضنا إذا ما قبلنا بتواجدها  ؟

فبعيداً عن المكابرة والغلو بها  فنحن بحاجة لبقاء القوات الأمريكية وفق شروط وقواعد أهما الحفاظ على السيادة العراقية التامة  .. أي أن تعامل القواعد الأمريكية في العراق مثلما تعامل القواعد الأمريكية في ألمانيا واليابان وغيرها من دول العالم وأن يعامل الجنود الأمريكيين وفق القانون العراقي بل وحتى الأعراف العشائرية العراقية ووفق مبالغ تحقق مردودات إيجار  كبيرة للشعب العراقي مع الارتباط بمعاهدة جديدة تحدد مستوى وعدد وتجهيزات القوات الأمريكية مع ضمان دفع أمريكا بأتجاه تجهيز القوات العراقية بأسرع وقت ممكن وأن تتخطى الشركات الأمريكية كل جداول التجهيز .. لتجهيز العراق لكونه حالة أستثنائية .

 أن ما نمر به من مصائب تكاد تكون يومية بفعل الخروقات الأمنية أخذت منحنى مغايراً للواقع حيث دفعت الكثير للأيمان بأهمية بقاء القوات الأمريكية وأنها "حامي الحما" الذي بدونه سوف لن تقوم للعراق قائمة  .. أنه فسادنا التي نتبرقع فيه غير قادرين على التخلص منه وهو ذاته مازال يؤخرنا ويردنا على أعقابنا صاغرين لدعوات المحتل .. علينا نسرع ببناء وحداتنا العسكرية عقائدياً وأن نحسن تدريبها ليتسنى لنا أن نقول للقوات الأمريكية .. أخرجي ولا حاجة لنا لعودتك مجدداً .. أو حتى أن نكون على أهبة الأستعداد لعدم عودتها تحت أي ذريعة كانت ، فأمريكا حتى وإن خرجت فبأي أشتباك مع ايران ستكون جاثمة على صدورنا مرة أخرى وأي تهديد محتمل من إيران على دول الخليج ستكون أمريكا حاضرة على أرضنا لحماية البوابة الشرقية لدول الخليج  ولكوننا شعب أعتزل القتال لكثر ما قاتل بلا هدف ولكوننا بلا جيش قوي سوف نكون مغلوبين على أمرنا شئنا أم أبينا .. فالقوات الأمريكية تعرفت على المكان بدقة وتعرف أين ينام كل منا وما لون غطاءه ، وأحتلال العراق مرة أخرى بل ولمرات عدة أمر سهل جداً فأذا كان أحتلال 2003 قد كلف أمريكا بضعة آلاف من الجنود فالأحتلال القادم ، إذاما خرجت في 2011  ، سوف لن يكلفها جندياً واحداً  حتى . وعلينا أن نضع دول الخليج قاطبة على المحك في هذا القرار لكونه يهمها جداً بقاء القوات الأمريكية في العراق قريبة من المواجهة المحتملة التي ساهمت هي ذاتها بأذكاءها في نفوس عرب الخليج . كما أن علينا أن نقايض ديوننا والضرائب التي دأب الشعب العراقي على دفعها من جلده نتيجة لتصرفات العهد البائد .

لا شيء صعب التحقيق إذا ما توفرت الإرادة الحقيقية .. فالكثير يتجنبون أن يخوضوا في الحديث عن بقاء القوات الأمريكية لكونهم قد يتهمون بالعمالة لها ولكنها حقائق وأرقام على كل منا أن يكون حذراً في التعامل معها .. فالكويت على صغر مساحتها لديها أكثر من عدة وأحسن منا تدريب فلماذا لا نحسن التصرف كي لا نتحمل عواقب أفعالنا ونحملها بدورنا لشعبنا الذي ينظر منا أن نحسن رؤيانا لمستقبله لا أن نضعه في مجاهل العالم بدون قيادة .. هذا إذا ما أحسنا القيادة وأجدنا التصرف ؟

أما تلك الكذبة السمجة بأنه إذا خرجوا ،إذا طبعاً، سوف لن يعودوا فلم تعد تنطلي على الشعب العراقي وعودتهم مهما كلف الأمر سوف تكون أسرع وعلينا أن يكون لنا قراراً اسرع من  ذلك ببناء جيش العراق .. جيش السيادة الحقيقية .

 

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google

 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com