الحرية لشعبنا العظيم

 

                                                                 جلال / عقاب يحيى

يكشف النظام السوري كل يوم عن جوهر تركيبته القمعية، الاستبدادية الفاقدة لأية قابلية على الإصلاح مما يفتح أبواب سورية لمخاطر كثيرة.. ليست المجازر المتنقلة، اليومية سوى مقدماتها .

كثيرون راهنوا، وأنتظروا(أيام غيبة الرئيس) عسى أن يحمل خطابه الموعود بعض الأمل فيفتح الطريق الطبيعي لسورية أخرى، سورية حرّة، ديمقراطية، وسورية أطياف شعبها وتعددها السياسي والديني والمذهبي والقومي وغيره كي تتفاعل فتدشّن  مرحلة نوعية افتقدتها مذ سيطر العسكر على مقاليد الأمر، ومذ أغلق الأسد بانقلابه كل المجالات والهوامش وحوّل البلد إلى مملكة للرعب، فجملكية للتوريث.. لتعود أيام شبابها : سورية الديمقراطية والتعددية والتداول السلمي على السلطة، وسورية الانتخابات المباشرة لمجلس النواب الذي ينتخب الرئيس وفق أسس النظام النيابي، والقضاء المستقل، وحرية التحزب والنقابات وغير ذلك من مفردات وأعمدة الديمقراطية .

كثيرون اعتقدوا أن زمن الشعوب، زمن انتفاضة الشباب العربي في ميادين الحرية والتحرير سيقتلع الفكر المتكلس، وركائز الاستبداد فيحدث الرجّة المسؤولة في المسؤولين، ويدفعهم للتلاقي مع شعوبهم في منتصف الطريق وأكثر، وتحقيق نوع من المصالحة علها تعيد بعض الثقة المفقودة، وتفتح الطريق لعهد جديد ..

ـ ولأن أبواق النظام المبرمجة كثيرة.. تدفّقت الوعود قبل الخطاب الموعود بالكثير من الإجراءات والتحولات والتغييرات حتى استبشر البعض بشيء خارق يخترق مألوف القناعة الراسخة بفهم النظام وآلياته ووسائله.. وإذ بالخطاب المروّع يعيد الذاكرة إلى الوراء عقوداً وكأن مجزرة حماة حاضرة اليوم، ومعها مجموع المجازر المتنقلة يوم تكرّس(الحل الأمني) لمملكة الرعب سبيلاً وحيداً في مواجهة الآخر..كما يتكرّس اليوم في المدن السورية وعروس الثورة درعا الشاهد والإدانة، والحَكَم، والطريق، وإن اختلفت المسرحيات، والمبررات(مع الإصرار على راية المؤامرة الدائمة) .

ـ البعض يُرجع(الانعطافة) إلى تطمينات خارجية كان رأس النظام ينتظرها أياماً فجاءت على لسان الرئيس الأمريكي أوباما ووزيرة خارجيته بانتفاء احتمالات التدخل، أو تكرار المثال الليبي، ومعها مجموع اتصالات دول الخليج، وتركيا، وبعض رؤساء الدول الأوربية، وأن الاطمئنان أعاد النظام إلى معهوده : الكل، والحل المني، وخاصة وأن المظاهرات المليونية المعلبة تروي غرور النرجسية فينام الحاكم على وهم الشعبية الكاسحة ليعلن الحرب على الشعب، ودخول المعركة(المصيرية).. كما كرر الأسد ذلك مراراً .

ـ والحق أن من يعي بموضوعية طبيعة النظام ونهجه وارتكازه الرئيس، وبعابعه المصنّعة في المؤامرة والفتنة وغير ذلك من مكرور القيء.. يعلم جازماً أن مثل هذا النظام يستحيل أن يقوم بانقلاب على نفسه، بل إنه يعتبر الاستجابة للحد الأدنى من مطالب الشعب : الحرية تنازلاً لا يليق بعنجهية القوة، وغطرسة البطش، فكيف والمطلوب حزمة من المطالب الفصيحة عن التعددية وتكريس التداول السلمي على السلطة، واشتلاع مملكة الاستبداد والمافيا، وغيره كثير في سلة مطالب الشعب السوري المتصاعدة ؟؟..

ـ ولأن حركة الشارع السوري تهدّم أحد أهم أركان استمرار الاستبداد : الخوف.. حين انطلق الشباب بصدورهم العارية يواجهون الرصاص الحي، ولأن الدنيا العربية تغيّرت بعد(البوعزيزي) يقوم النظام بمناورة كبيرة مدروسة، أهم مرتكزاتها :

1 ـ رشّ مجموعة من وعود بالإصلاح والتغيير تقبع في أدراج اللجان والانتظار المرتبط بتطور الأحداث في ميادين الشعب، وتقديم بعض الرشا الباهتة بأمل تفكيك وحدة مطالب وإجماع الشعب السوري: (الحالة الكردية ـ إعادة بعض المنقبات ومغازلة أطراف دينية معينة واستقدام موظفيه من رجال الدين وإبراز بكائياتهم على الوطن، وفتاويهم الممسوخة ـ الحديث المركز عن فتح الصدور للحوار والاستماع إلى الرأي الآخر عبر ترويج أبواقه الإعلامية وتضميخ ذلك بالكلمات الكبيرة عن حب الوطن، والوحدة الوطنية، وحرص الرئيس على الإصلاح والاستجابة لمطالب الشعب.. ) والقيام ببعض المحاولات مع بعض الرموز المعارضة والمثقفة الذين رفضوا خيانة دماء الشهداء، أو التحول إلى جهاز مطافئ لانتفاضة الشعب ومطالبه بالحرية : حاضنة ومنطلقاً للتغيير الشامل .

2 ـ هذه الرشاوي تتواكب مع رفض الاستجابة للمطالب المفصلية التي لا يحتاج أمر البتً فيها لا إلى لجنة ولا ما يحزنون، كقانون الطوارئ والأحكام العرفية، ورفع يد الأجهزة الأمنية عن رقاب الشعب، وإطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين، وإصدار قرار بعودة المنفيين(وهم بعشرات الآلاف)، وحل قضية المفقودين.. وغير ذلك من المطالب الأولية الملحة التي هي المدخل للدعوة إلى مؤتمر وطني جامع لكافة أطياف الشعب والقوى الحيّة في المجتمع(هيئات المجتمع المدني والمثقفين وغيرهم) يناقش جوانب الأزمة في أبعادها كافة ويؤسس لدستور جديد لا مكان فيه لاستئثار حزب أو فئة أو مجموعة يقوم على أسس التعددية، والانتخابات المباشرة، وإطلاق الحريات العامة، ومساواة جميع المواطنين أمام القانون.. وغير ذلك مما هو معروف .

3 ـ بالوقت نفسه يقوم النظام بالقتل المتعمّد، المنظم للشعب في مذابح متصاعدة، وبغطاء مسرحي مكشوف .

لقد اخترع النظام منذ الأيام الأولى لانتفاضة الشعب السوري قصص (المدسوسين والمندسين، والعصابات المسلحة ) وغير ذلك من الاختراعات، وبقدر ما بدت ساذجة، وبائسة بقدر ما يصرّ عليها ليفقأ عيون الحقيقة بها، خاصة وانه قد فقأ عيون الإعلام الخارجي والمستقل، وقطع الاتصالات، وحاصر المدن والمناطق المنتفضة، وأخضع كل شيء لقطّارة إعلامه البائس، الدجّال .

إن من يتمعّن في إصرار النظام على مسرحية الآخر الذي يقتل يدرك أن وراء ذلك أمر يتجاوز السذاجة والمَسرَحة إلى عملية مخططة الهدف منها تضييع الحقيقة، وخلط الأوراق لممارسة القتل المنظم تحت هذا الستار الخطير، وكأنه بريء من الجريمة، بل إنه يضخّ فجوراً بعرض شرائط مركّبة عن تلك(العصابات)، وذكر أرقام عن عدد القتلى من الشرطة والأمن، وتكرار مقولة (أوامر الرئيس الصريحة بعدم إطلاق النار على المتظاهرين) في حين ترتفع قائمة الشهداء يومياً ويتعاظم القتل شلالاً للدماء.. وكأننا أمام أشباح، أو فضائيين قدموا من عوالم مجهولة فراحوا يقنصون شبابنا برصاص قاتل !!!..

4 ـ ولأن شعبنا، بما فيه الأخوة الأكراد، كشف مناورة النظام وحقيقة ادعاءات الإصلاح.. فعمّت المظاهرات معظم المدن والمناطق السورية بأعداد متزايدة، وإرادة أشد.. يسفر النظام، من جديد، عن وجه نهجه الراسخ : القوة وليس غيرها سبيلاً لمواجهة مطالب الشعب، بما ينذر بحمامات دم تشهد عليها درعا الثائرة، ودوما واللاذقية وحمص وبانياس وعديد المناطق السورية.. الأمر الذي يضع الشعب السوري أمام الخيار الوحيد : رفع المطالب باتجاه التغيير الشامل، وشعار إسقاط النظام الذي يجوب بعض المدن والمناطق السورية هذه الأيام..

5 ـ إن بلدنا الحبيب على أعتاب مرحلة جديدة تلوح فيها العديد من المخاطر والاحتمالات..

إن الدم يستجلب الدم، والقمع مهما بلغ لن يستطيع إسكات صوت الحياة في شعبنا، خصوصاً وأن تضحياته الغالية بشبابه هي وقوده ومحفّزه لما هو مختلف.. وإذا ما أصرّ النظام على نهجه الأمني ـ القمعي، رافضاً القيام بخطوات جدية، وليست تجميلية، أو ترقيعية، أو مناوراتية فإنه بذلك يفتح المجال لكل الأخطار التي تلوح بأفق التوقعات.. بما فيها التدخلات الخارجية ..

6 ـ إن درعا الشهادة، ودرعا البطولة والإقدام، ومعها أخواتها المكافحات عن الحرية، الحاملة لأحلام شعب بالكامل تدعونا للانحناء أمام شهدائها وتضحياتها وبسالتها.. وإلى (فزعة) شعبية عارمة تكفّ يد النظام القاتلة وتمنعه الاستفراد بدرعا، أو ببقية المدن والمناطق السورية المنتفضة .

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google

 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com