لعلهم احرقوا قرآن فاطمة

 

د. حامد العطية
hsatiyyah@hotmail.com

لم أنتظر سقوط كسف من السماء أو مجيء الدخان المبين، لكنني توقعت ردود أفعال مناسبة، من الحكومات والتنظيمات والناس في الشارع، بحكم المنطق، وقياساً على الحالات الشبيهة السابقة، لكنهم لاذوا بالصمت المريب، باستثناء فئة قليلة، حتى خامرني الشك في وقوع الحدث، وساورتني الوساوس في سلامة إدراكي.

لم تحتج عليه حكومة سوى إيران.

ولم يستنكره تنظيم سياسي عدا حزب الله وحركة أمل اللبنانيتان.

ولم تخرج منددة به سوى مظاهرة صغيرة في الباكستان.

أما البقية فقد اثروا السكوت، وكأن ما حدث لا يعنيهم.

صحت في سري: أين المستنكرون الغاضبون الساخطون المتوعدون الذين اشتعلت نفوسهم بالغيرة على الرسول الأعظم ، بسبب رسم ساخر، فهبوا لنصرته، بالنثر والشعر، بالفصحى والعامية، بالمظاهرات والاعتصامات، وبحرق الأعلام الدنماركية والدمى الشقراء، وبالمقاطعة ايضاً، حتى كسدت سوق زبدة اللورباك؟

ولم يستجب لي أحد.

ثم انتخيت أبطال المنتديات وعلماء المناظرات ومحترفي سباب الاعراض الذين نادوا بالويل والثبور وعظائم الأمور، وحملوا كرجل واحد ليس على ذلك الشيعي الذي تجرأ على مناقشة قضية الجمل وما حمل فقط، بل على كل الشيعة، حتى ظننت بأنهم سيعلنون الجهاد الأعظم علينا، ويجتثوننا من الأصل، ويرموننا في البحر، كما كانوا ينوون فعله بالصهاينة المغتصبين لأول القبلتين وثالث الحرمين، ولو كان ثاني الحرمين لأتعبهم ابو متعب (ملك السعودية).

فلم ينجدني احد.

وقرآناه! واقرآناه! ناديت باعلى صوتي، فلم يجاوبني سوى الصدى، من قمم أرارات حتى جبال الأطلس.

اليس فيكم من ينصر القرآن الكريم، غير هذه الفئة التي انتم منها غائضون؟ أفهم سبب امتناع حكومات الخليج وغيرها، الذين لا حياة لهم إلا في ظل أمريكا الوارف، كما ادرك بأن السيارات الأمريكية في نظر اثرياء الخليج ومترفيهم أهم من زبدة اللورباك الدنماركية، ولكن هل هي أهم من كتاب الله؟ وكأني اسمعهم يردون: لا تفتنا، فنحن بحاجة إلى (الجمس) لرحلات البر، وللكاديلاك للأبهة والمفخرة، ولولا الماكدونالد والهاردييز لحرمنا من كروش الوجاهة، ونشتري الكورن فليكس على مضض، لنطعمه لأولادنا لأن نساءنا لا يفقن قبل الظهيرة، ومراهقونا لا يملون من الأفلام الأمريكية، المباحة منها وغير المباحة، وماذا سيحل بالاربعين ألف طالب سعودي في جامعات أمريكا، وافراد عوائلهم الخمسون ألفاً، لو قاطعنا أمريكا؟

قبل أيام أقدم قس مسيحي أمريكي على حرق نسخة من القرآن الكريم، ولم تمنعه حكومة أمريكا، لأنه حق دستوري، ولو احرق تلموداً أو توراة لاعتبروها جريمة عنصرية ضد السامية، ولكن ما سبب سكوت المسلمين، حكومات وتنظيمات وشعوباً، إلا بعض الاستثناءات؟

الإسلام هو القرآن الكريم، ومن دونه لا يوجد إسلام، وهو الرسالة، وحتى يكون هنالك رسول لا بد من رسالة، إلا إذا كان إسلام الصامتين ضرب من القبلية، التعصب فيه للقربى لا للعقيدة.

ثم وجدت السبب، هو التبرير الوحيد لصمتهم، لذا لا تكترثوا أيها المؤمنون، أيها المبشرون بالجنة، لأنكم الفرقة الناجية!

لا بد أن الأمريكيين أحرقوا قرآناً آخر، غير قرآنكم، إنه القرآن الذي تقولون بأنه خاص بالشيعة،

لعلهم احرقوا قرآن فاطمة.
 

 العودة الى الصفحة الرئيسية

Google

 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com