ثلاثة مواقف" فاضحة "للمملكة العربية السعودية !

مهند حبيب السماوي

alsemawee@gmail.com

من يراقب، بدقة، كي يتجنب الخطأ في التحليل، وموضوعية، كي يبتعد عن التحيز في الكتابة، المواقف الأخيرة للمملكة العربية السعودية المتعلقة بسياستها الخارجية تجاه قضايا المنطقة العربية، وتوجهاتها في أدارة الأمور الحاسمة في العالم الإسلامي، فانه سوف يخرج بنتيجة واضحة، لا تقبل المماحكة، مؤداها أن السياسة التي تتبعها المملكة في قراراتها تتسم بصفة بارزة وسمة جلية تكمن في وقوفها في صف حكّام العرب الطغاة الذي يعتبر اغلبهم خارجين عن نطاق الخدمة السياسية و" الأخلاقية" أيضاً .

هذه النتيجة المستخلصة، أو لنقل الحقيقة الجلية، جاءت وفقاً لاستقراء ومتابعة القرارات الثلاثة الأخيرة التي اتخذتها المملكة العربية مؤخراً إزاء الاحتجاجات والثورات التي تجتاح العالم العربي هذه الأيام منذ أن اندلعت شرارتها بعد قيام مواطن تونسي بإضرام النار في نفسه في يوم الجمعة 17 كانون الأول عام 2010 احتجاجاً على مصادرة السلطات لعربته، حيث قدحت هذه الحادثة زناد الثورة في تونس ومن بعدها في العالم العربي أسقطت، بنيرانها، لحد الآن رئيسين عربيين ...وفي الطريق مازال هنالك الكثير بانتظار الاستئصال والسقوط.

المواقف السعودية التي وصفتها في عنوان مقالي هذا بــ" الفاضحة " بدأت بالضبط في 14 من كانون الثاني عام 2011 حينما قبلت المملكة وهي " دولة الإسلام الوهابي المتطرف" استضافة الرئيس التونسي الهارب زين العابدين بعد أن رفضت فرنسا" دولة الكفر العلماني المتطرف" استقباله على أرضها، حيث  ذكرت  قناة "آي - تيليه" التليفزيونية الفرنسية، أن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزى رفض استقبال فرنسا للرئيس التونسي زين العابدين بن علي، على أراضيها، عقب مغادرته البلاد وتولي رئيس الوزراء محمد الغنوشي الحكم مؤقتا في تونس.

بل قالت وسائل الأعلام إن السلطات الفرنسية احتجزت طائرة صغيرة تخص أسرة الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين في مطار بالقرب من باريس، واتفق الاتحاد الأوروبي على تجميد الأصول التي تخص بن علي وزوجته بعد الإطاحة به، وفتحت فرنسا بعد ذلك تحقيقا بشأن الأصول المالية التي تخص الرئيس التونسي المخلوع في بلدان الاتحاد الأوروبي.

 إما المملكة فقد استقبلت طائرة زين الرئيس التونسي المخلوع بعد أن رفضتها فرنسا والدول الأوربية، واصدر الديوان الملكي السعودي بيانا نشرته وكالة الأنباء السعودية اقل ما يوصف بان مليء بالتناقضات محشواً بالكذب متضمناً استهانة واضحة بالشعب التونسي، حيث جمع البيان السعودي، وبطريقة كاريكاتورية، بين " تأييدها - أي المملكة- لكل إجراء يعود بالخير للشعب التونسي ووقوفها التام إلى جانب الشعب التونسي الشقيق " كما يقول البيان، وبين ترحيبها " بقدوم فخامة الرئيس زين العابدين بن علي وأسرته إلى المملكة ".

ولا ندري كيف تستقبل المملكة التي تطرح نفسها للعالم على أنها ممثلة للإسلام وصائنة لعفاف المرأة المسلمة وتُنشئ مؤسسات خاصة تصرف عليها الملايين من اجل وضع الحجاب على رأس المرأة، أقول كيف تستقبل هذه المملكة رجلا كان يحارب الحجاب ويمنع من ترتديه الدخول للمؤسسات الحكومية ويمنع حتى بيعه في الأسواق؟.

وكيف تستقبل المملكة التي تقول أنها تمثل روح الأخلاق الإسلامية حاكما طاغيا سرق بلده وتمتع هو وعائلته بخيراته وقتل شعبه وحكمهم بقوة ؟

وإذا كانت المملكة مع كل إجراء يعود بالخير على الشعب التونسي فلم لا تسلم المملكة لجمهورية تونس الرئيس المخلوع زين العابدين وزوجته بعد أن وجهت تونس طلبا رسميا إلى السلطات السعودية يوم الأحد 20/2/2011 م لتسليمها زين العابدين" أثر توجيه مجموعة جديدة من التهم للرئيس السابق حول ضلوعه في عدة جرائم خطيرة تتمثل في القتل العمد والتحريض عليه وإحداث الفتنة بين أبناء الوطن بالتحريض على قتل بعضهم بعضا". فضلاً عن تهم أخرى تتعلق بـــ" امتلاك أرصدة مالية وممتلكات عقارية بعدة بلدان في إطار غسل أموال تمت حيازتها بصفة غير شرعية ومسك وتصدير عملة أجنبية بصفة غير قانونية" كما يقول بيان وزارة الخارجية التونسية.

هذا هو الموقف المخزي والفاضح الأول الذي وقفته المملكة حينما انحازت للحاكم الظالم ضد شعبه ضاربة بعرض الحائط كل الشعارات الكاذبة التي تتفوه بها مؤسساتها الدينية الرسمية راسمه صورة واضحة للمملكة كاشفة عن حقيقة توجهها ومواقفها تجاه الشعوب العربية والمسلمة.

أما الموقف الثاني المُخزي للمملكة الذي يؤكد وقوفها التام مع الطغاة ضد شعوبهم المضطهدة، فقد حدث في مصر هذه المرة ..إذ وجدنا، وفي ذروة الضغط الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية على الرئيس حسني مبارك من اجل تقديم استقالته والاستجابة لمطالب الشعب إبان الثورة المصرية التي اندلعت في 25 كانون الثاني 2011 ضد الرئيس حسني مبارك ، وجدنا قيام المملكة العربية السعودية، وانسجاما مع مواقفها المساندة للطغاة ضد حكامها، بمطالبة أمريكا بعدم الضغط على مبارك من اجل أن يتنحى عن السلطة.

وفي هذا السياق نشرت صحيفة التايمز البريطانية الخميس 10-2 -2011 خبرا مفاده أن الملك السعودي أجرى اتصالاً هاتفياً بالرئيس الأمريكي باراك أوباما في التاسع والعشرين من يناير الماضي وطلب منه عدم الضغط على مبارك من اجل تنحيته وان المملكة سوف تدعم مصر مالياً في حال تنفيذ اوباما تهديداته بقطع المساعدات المالية لمصر.

فالمملكة تريد أن تدعم مبارك ماليا في حين أن الاتحاد الأوروبي، قرر تجميد أموال وأصول الرئيس السابق حسنى مبارك وأفراد عائلته الموجودة في دول الاتحاد السبع والعشرين، وهذا يعني أن المملكة ترغب أن يبقى حسني مبارك في السلطة على الرغم مما فعله الأخير لشعبه وكيف صنع هو وعائلته إمبراطورية مالية ضخمة من سرقات قوت الشعب المصري وعلى حساب طموحاتهم ومصالحهم التي سحقتها إقدام مبارك وعائلته، ومع كل هذا يقف الملك السعودي معه ويدافع عنه أمام الرئيس الأمريكي الذي انحاز للشعب المصري ، مع علمنا أنه حليفهم، على عكس المملكة التي اتخذت موقفا سلبيا من الثورة المصرية وشبابها الطامح لحكم ديمقراطية عادل.

ولم تمر أيام كثيرة على الموقف السعودي الثاني المنحاز للرئيس المصري على حساب شعبه كما ظهر من خلال اتصال الملك عبد الله بالرئيس اوباما حتى قامت المملكة باتخاذ قرار ثالث مشين يُضاف إلى مواقفها السابقة مع الشعب التونسي والمصري، لكن الآن ضد دولة خليجية وهي البحرين التي تشهد تظاهرات ومسيرات واعتصامات شعبية سلمية منذ  14-2-2011 مطالبة بالعدالة والمساواة وإنهاء التمييز الطائفي.

إذ قامت القوات السعودية المملكة في 14 آذار من الشهر الحالي بالدخول إلى ارض البحرين، ضمن قوات درع الجزيرة التي تم إنشائها لردع العدوان العسكري على دول الخليج، في محاولة منها لوأد هذا التظاهرات والاحتجاجات السلمية. وهو موقف ، بغض النظر عن مدى قانونيته واتساقه مع أهداف ومبادئ قوات درع الجزيرة أو عدمها ، يعتبر غير مسؤول بامتياز، بعيد عن الحنكة السياسية، جاهل بتداعيات ما يمكن أن يحصل في المنطقة مستقلا جراء هذا الفعل.

وفعلا فقد ساهم هذا التدخل في البحرين بتأجيج تراب الفتنة الطائفية بين السنة والشيعة لا في العالم العربي فقط بل في العالم أسره ، فهاهي المظاهرات تخرج في بلدان عديدة تندد بهذا التدخل رافعة شعارات تفوح منها رائحة الطائفية تتحدث عن استهداف" وهابي" ضد المتظاهرين من شيعة البحرين، بينما كان من المفترض للمملكة، لو كانت تتصرف بعدالة وحكمة وعقلانية، لأصبحت وسيطاً بين المتظاهرين من جهة والحكومة البحرينية من جهة أخرى وربما كانت ستقود حوارا فاعلاً وبنّاءاً بين الطرفين المتصارعين يمكن أن ينتهي بحسم المشكلة وحلّها على نحو يرضي جميع الأطراف.

ولكن المملكة لم تكن مع الشعوب العربية في ثورتها ضد الطغاة، ولم تكن، في اضعف الإيمان، وسيطاً حيادياً في كل المواقف السابقة التي تعرضنا لها بل وقفت إلى جانب الحكّام الظالمين سواء كانوا في تونس أو في مصر أو البحرين مُسجلة بذلك صفحة سيئة في تاريخها المعاصر سوف لن تنساها لها شعوب تلك الدول في المستقبل القريب.

والأنكى في الأمر أن الموقف السعودي " السلبي" و" الفاضح" من الثورات لم يتم تبنّيه من قبل المؤسسة السياسية في المملكة بل كان للمؤسسة الدينية السعودية، التي تتبنى الفكر الوهابي المتطرف، موقف لا يقل سلبية وشناعة عن موقف المملكة السياسي، الذي بينه وبين موقف المملكة الديني تناغم" براغاماتي" واضح في العديد من المواقف التي تتخذها المملكة من القضايا العربية والإسلامية والدولية.

فها هو مفتي السعودية العام الشيخ عبد العزيز آل الشيخ يندد، في خطبة الجمعة في جامع الإمام تركي بن عبد الله في الرياض، الجمعة 4-2-2011،  بالاحتجاجات المناهضة للحكومات في مصر وتونس وأماكن أخرى ووصف المنظم للمظاهرات والمشترك فيها
 بأنه " يقاتل في سبيل الطاغوت والشيطان" ويحمل " شعارات زائفة جاءت لسفك دماء الأبرياء وانتهاك الأعراض ونهب الأموال والإخلال بالأمن وتحطيم الأمة وكيانها"
مطالبا بمنعها " من أصلها ولا يترك لها مجال وأن يقضى عليها في الحال ويغلق سبيلها ولا يمكن أحد من إقامتها، لأنها شر وبلاء لا خير فيها لا من قريب ولا من بعيد !!! ".

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google

 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com