على أي عدو يجب أن ننتصر في ليبيا..؟
 


الهادي حامد/تونس
whamed@gmail.com

من بداهات العقل السياسي العربي أن الأمة العربية منكوبة لعقود طويلة في حريتها وكرامتها ولقمة عيشها وحقها في المعرفة والحياة والفعل. وان عقدة النكبة هي التحالف المتين والغليظ والراسخ بين القوى الاستعمارية العالمية والأنظمة العربية بما انعكس غبنا ويأسا وتفريطا وسلبية على المواطن العربي ، وزهوا وصلفا وغرورا وعنادا وعربدة على مؤسسة دولة إسرائيل والشتات الذي حولته بالمال والأساطير والإعلام إلى شعب. المشروع الناصري تم تخريبه وتصفيته برحيل عبد الناصر، والمشروع البعثي تم تحطيم انجازاته واحتلال قاعدته وتصفية قياداته، في الأثناء تحولت مقاومة شعب فلسطين إلى مزايدات على كراسي ومناصب وثرثرات تافهة برموز تافهة لعمل وطني تافه ومفلس. وتحولت امتنا إلى مكب فضلات أوالى مبغى كما وصف حالها مظفر النواب.

هنا تفجرت الثورة في تونس وأزيحت طبقة من القطط السمينة التي تقتات من دماء الشعب ومن عرقه وبؤسه وصبره على ثقل الأيام، ورحل احد ابرز المستبدين في عالمنا العربي واحد أكثرهم جهلا واعتمادا على الأجهزة القمعية في إدارة أملاك زوجته التي كانت البلد بحالها، ثم اخذ ثوار مصر الأبطال المشعل عن ثوار تونس فشاهدنا أداء منظما واعيا ملتزما بأهدافه من البدء إلى الخاتمة. وتوفرت لشعبنا العربي في جميع الأقطار حصيلة جيدة وثمينة ومفيدة من أساليب صنع الثورة والتقدم بها إلى مرحلة القطاف خاصة وان ظروفنا تتشابه إلى حد التماثل أو التطابق.

اثر سقوط عائلة حسني مبارك وإزاحتها عن الحكم انتقلت الشرارة مباشرة إلى ليبيا ، ولم يكن بإمكان أي مواطن العربي أن يرفع أمامها علامة الوقوف الإجباري ولا أن يدافع عن القذافي بشيء ، طالما أن الحرية يقدرها طالبوها أولا وأساسا وطالما أن الحق فيها قسمة عادلة بين البشر.فضلا عن أخطاء القذافي والسلبيات الكثيرة الخطيرة في أسلوب حكمه وفي إدارة ثروات شعبه وفشله الذريع في تنمية الإنسان كراس مال لايفنى.

لكن حدثت متغيرات خطيرة فرضت على الكثيرين مراجعة الموقف وإعادة الحساب. اذكر ماسبق وان تعرضت إليه بالتحليل في المقالين السابقين الأخيرين ذكرا مختصرا ثم افرد مساحة كافية للمتغير الذي يتركز عليه المقال:1-الظهور اللافت للمرجعية الملكية في الأحداث منذ بدايتها وبما يشير إلى أنها غطت مرحلة الإعداد ولم تكن عفوية.2-تأسيس مجلس قيادي منذ الأيام الأولى للأحداث وتوجيهه لنشاطه بشكل فوري إلى التنسيق مع الغرب بما يشير إلى انه تأسس تحت الطلب ولهذا الغرض.3- الطابع غير السلمي وغير الاحتجاجي للحركة والتي لم تكن شبابية ولا عفوية ، فمهاجمة الثكنات العسكرية والخروج منها بأسلحة ثقيلة أشّر بشكل خطير على تهديد وحدة ليبيا والوحدة الوطنية وامن الليبيين والبيئة الإقليمية.4-شمول الأحداث بتغطية إعلامية غير طبيعية وغير معقولة : إعلام حربي وليس إعلاما إخباريا. إعلام الإثارة والصدمة والترويع والمغالطة وليس إعلاما مهنيا واحترافيا. إعلام إيديولوجي وكارثي وليس إعلاما موضوعيا ونزيها ومتوازنا...من شأن هذه العناصر أنها تدفعنا إلى توقع أمر مغاير لما حصل في ثورة تونس ومصر، وتؤشر على كوننا إزاء حالة غير مصنفة وغير طبيعية ، لاينطبق عليها وصف الثورة ولا المظاهرة ولا الاحتجاج ، لكننا لانجرؤ على وصفها بالتمرد أو بالحرب الأهلية بحكم السياق التاريخي القائم بما هو سياق ثوري على الطبقات الحاكمة في الأقطار العربية.والذي لايحتمل توصيفا يمس من شرف وقداسة ماهو بصدد الانجاز أو يشكك في مشروعيته. اكرر الملاحظة : النقاط الأربعة التي ذكرتها تشير إلى انه ثمة أمر على غاية من الخطورة سيحدث. وهي تمهيد له أو أنها من أسبابه الضرورية والمباشرة...وبالفعل...لقد خلقت أرضية التدخل الغربي. وأنا هنا لااتحدث من زاوية نظرية المؤامرة ،وان كنت من المؤمنين بها ، والمؤامرة على العرب لاتحتاج إلى دليل إثبات ونفيها لايحتاج إلا إلى استعداد اكبر للثرثرة وللعبث.غير أن المنطق يقول ، انه لو لم تحصل الممهدات (النقاط الأربعة) لما وجد الغرب منفذا إلى ليبيا. ولكم أن تتأملوا السياق وتتأكدوا.

في الجامعة العربية لم يبق إلا الخليج والأردن والمغرب وعمرو موسى ، هؤلاء من يخدمون..؟؟!!.. بالطبع وكما جرت العادة ، تصلهم طلبات ، وبالطبع يتظاهرون بالتململ ، وعدم تململهم طبيعيا أيضا، وطبيعي أيضا أنهم يستجيبون ، وقد استجابوا. يقول لهم الغرب (أمريكا وفرنسا وبريطانيا): انزعوا الشرعية عن نظام القذافي ثم اطلبوا منا التدخل لحماية المدنيين ، ونحن سنتصرف!.فأعلنوا أن القذافي فقد شرعيته ، ودعوا الغرب إلى فرض منطقة حظر طيران فوق ليبيا.هنا : دارت ماكينة الغرب السياسية في سويعات وصدر قرار التدخل ثم أعلنت اغلب الدول بان ضرب ليبيا سيبدأ خلال ساعات وقد بدأ فعلا.

هل قام الغرب بفرض منطقة حظر للطيران فوق ليبيا بالفعل كما يشير قرار مجلس الأمن..؟.. لا..أبدا. لم يكن القصد هو منع طيران القذافي من التحليق ولا حماية المدنيين..القصد يمكن متابعته على مستويات:

1- الغرب قام بتدمير جميع الآليات العسكرية التي يملكها الجيش الليبي ، مايطير منها في الجو ومايزحف على الأرض وما يتحرك في المياه الإقليمية الليبية. بل شمل التدمير مباني ومستشفيات ومنشئات وطرقات ومطارات وحافلات ...والصورة شبيهة بما فعلته القوى نفسها بالجيش العراقي البطل لما كان بصدد الانسحاب من محافظة الكويت...وهنا اسأل : أهالي طرابلس ليسوا مدنيون..؟!!..أهالي سرت كائنات فضائية..؟!!..العربات العسكرية يمكن أن تطير وتقصف ثوار ساركوزي من الجو..!!..السفن العسكرية يمكن أن تحلق..؟!!..كيف يدمر الغرب قدرات الجيش الليبي بينما تتكدس المعونات العسكرية في مطار بن غازي لمرتزقة ساركوزي وهيج واوباما..وحتى النقاش الدائر حاليا حول تسليح من يسمونهم بالثوار هو نقاش تمويهي وتضليلي لان الدعم لم يتوقف لحظة وبكل الأشكال والوسائل..؟؟

2- القصد أيضا هو خلق طبقة ليبرالية في المجتمع الليبي يسلم لها الحكم لتكون خير ضامن لوضع الغرب يده على الثروة النفطية وتمتيع شركاته بعقود استثمارها بعيدا عن مزاجية القذافي وتقلب سياساته.

3- القصد أيضا هو فوز الغرب بنظام حكم عميل يمكنه من خلاله التأثير في الواقع الثوري الجديد بكل من تونس ومصر، فهو يعلم علم اليقين أن

صندوق الاقتراع في البلدين لايمكن أن يفرز إلا حكومات وأنظمة وطنية لا تقبل في السياسة إلا ماهو مبني على السيادة والاستقلالية والتكافؤ أو الندية، وان عهد العمالة والموالاة أفل.

4- المشروع الاورو متوسطي الذي بناه ساركوزي بعمالة مبارك وبن علي صار بين عشية وضحاها هباءا منثورا خاصة أن القذافي كان معارضا له، والغرب من خلال غزو ليبيا يطمح إلى إعادة بعث هذه الصيغة الحاضنة لكيانه المسخ (إسرائيل) والتي تمثل خطا سياسيا دفاعيا ضد شبح الإرهاب.

5- سيصبح الغرب من خلال نجاحه في التخلص من القذافي فاعلا في ملفات السياسة والاقتصاد والأمن في إفريقيا وتنبسط أمامه مسالك المناورة

والمساومة والتآمر. فمهما اختلفنا في تقييم تجربة القذافي فإننا لاننكر انه وفر نوع من الحصانة للقارة السمراء من الخضوع للاستعمار من جديد وانه كان مؤثرا في تجمعاتها الإقليمية السياسية والاقتصادية.

6- الغرب يتذكر تمزيق القذافي لميثاق الأمم المتحدة وطرحه بخصوص مجلس الأمن وخاصة مايتعلق باعتراضه على حق الفيتو، ومطالبته بالتحقيق في شنق الشهيد صدام رحمه الله.. وهذه أشياء قد ننساها نحن ولا نعطيها أهمية بل ربما يسخر منها بعضنا ، بينما يبني عليها أعداؤنا ملفات ومواقف وسياسات.

أين حقوق الإنسان وحماية المدنيين وحفظ الأرواح مما فعله ويفعله الغرب في ليبيا اليوم..؟؟..

آخر شيء يحق للغرب الاستعماري الحديث عنه هو حقوق الإنسان وبشكل خاص حقوق المدنيين: تذكروا مافعلته إسرائيل منذ أن كانت عصابات تتوافد على فلسطين إلى اليوم..من أدانها ومن حاصرها ومن فرض عليها منطقة حظر جوي ومن عاتبها حتى في السر بل ولو على سبيل المزاح..!!..صبرا وشاتيلا لاتزال قضية بدون قضاة وبدون محققين بينما أزهقت فيها قرابة أربعة آلاف روح..!!..غزة تضرب بالأسلحة المحرمة في مشهد ممتع للأمريكان ولعملائهم ثم يفرضون عليها حصارا جويا وارضيا وبحريا ، إغاثيا وتموينيا وطبّيا..وكأنها المعتدية..أو المعتدية على نفسها..!!..شعب العراق..من يتحمل مسؤولية ذبحه لثماني سنوات عجاف..؟!!..هل قام شعب العراق بغزو أمريكا حتى يعاقب..هل استجدى الغذاء من احد لما كان يعاني حصارا لم يعرف له التاريخ مثيلا..أسراه الذين قتلوا وحرموا من حقوقهم كأسرى..الم يكونوا بشرا..النار التي تفتح على الناس في الشوارع من العجلة الأمريكية تحت عنوان شركة أمنية..الم يكن ذلك اعتداءا على مدنيين وعلى حقهم في الحياة...؟!!!..إذا كانت أمريكا تكره الشهيد صدام..فماادراها أن شعبه يكرهه أيضا..؟؟!..وإذا كانت تكرهه..فهل يجب أن تكون معنية ببقائه في السلطة أو مسؤولة عن علاقته بشعبه..؟؟!!..هل تسمح الديمقراطية وحقوق الإنسان بهذا...؟؟!!..الم يكن الأجدى بأمريكا قبل أن تغزو ليبيا بحجة الدفاع عن المدنيين إعلان انسحابها الفوري من العراق والاعتذار من شعب العراق وتعويضه عن احتلالها له...؟؟!!..معتقلي غوانتاناموا..أكان جميعهم عسكريون..؟؟ ..الم يكن ضمنهم مدنيون..سامي الحاج مثلا..؟!!..معتقلي أبو غريب..لماذا يفعل بهم هكذا...لماذا يحرمون من حريتهم ومن آدميتهم..؟!!..لما اقترحت فرنسا على الجنرال بن علي تمكينه من قوات امن متخصصة في قمع المظاهرات..أكان في حسبانها أن المتظاهرين عسكريون..؟!!..ألم تكن تعلم أنهم مدنيون..ولكن بدون دبابات وصواريخ وطائرات كما الحال بالنسبة لمرتزقتهم في ليبيا..؟!!.. ماذا عن الوزير الأردني وهو يندد بذبح القذافي للمدنيين ويدعو إلى قطع مخالبه..كيف تمّ فك الاعتصام في ميدان عبد الناصر بالأردن...؟!!..برش العطور على المعتصمين..!!..أو بجسهم بريش النعام..!!.. ارايتم كيف يتحدث المسؤول الأمني عن أخلاق فك الاعتصام التي تعلمها من قيادته فيما كانت الصور المصاحبة للتصريح تكشف عما تفعله الهراوات بالأجساد..؟!!..النظام الأردني المتخلف والعميل نسي انه شريك للصهيونية في مشروعها قبل وادي عربة وبعده وانه وصمة عار على جبين عشائر الأردن وشعب الأردن بينما لاتحتاج الثورة عليه أكثر من صيحة حتى يتهاوى ككومة قش..؟!!..نسي تعاونه مع أمريكا في العراق وفي أفغانستان وفي كل مكان من اجل إنجاح حربها المزعومة على الإرهاب..؟!!..وهو لصيق بها كالطحلب أو الحشرة العالقة بجسم الجاموس!!...وذاك الوطني الشريف ..الذي صار بفضل قناة الجزيرة زعيما لمرتزقة ساركوزي في ليبيا..جاسم بن حمد بن السيلية..العميل المباشر لإسرائيل ولأمريكا..هؤلاء " القادة " " الثوريون " العرب، من الأردن إلى قطر إلى الإمارات يتصورون أنفسهم دولا وقادة حقيقيون ، متحمسون للمشاركة تحت مظلة الحلف الأطلسي في قصف ليبيا وفي دعم المرتزقة بالسلاح، وكأنهم يسوون شيئا في أي صف يصطفون!!. لماذا أمريكا لاتسألهم عن ديمقراطيتهم الدولارية وعن غياب صندوق الاقتراع في حياة المجموعات التي يحكمونها..؟؟!!..واني أؤكد وأتحدى من يعارضني ، بان أمريكا والغرب الاستعماري مستعد لحماية عروشهم بالحديد والنار: هل تتصورون انه مستعد للتفريط في العائلة الحاكمة بالسعودية..؟؟!..هل يفرط الغرب وخصوصا أمريكا في عائلة الشيخة موزة..؟!.. هل العالم" المتقدم" و " الديمقراطي" مستعد للتفريط في دولة الإمارات والحال أنها شركة مالية ضخمة ومقدرات بترولية احتياطية للغرب..؟!!..هل تجرؤ قناة الجزيرة على تغطية أحداث احتجاجية في قطر لوحدثت افتراضا..؟!..هل يمكنها أن تفتح ملفات السياسة القطرية الخدومة لإسرائيل والحاضنة للقيادة الأمريكية الوسطى..؟!..هل يمكنها أن تحيد قيد أنملة عن توجيهات مراكز النفوذ في الخليج وفي قطر تحديدا وعن أية حسابات سياسية خليجية مع أي طرف..؟!.. الجزيرة قدمت الكثير في سبيل تشويه عبد الناصر ، والكثير أيضا في سبيل تشويه الشهيد صدام ومقاومة الحركة القومية والفكر القومي بكل مدارسه وأقطابه . وهي حينما كانت تمرر مادة فيلمية كل سنتين تصور عملية من عمليات المقاومة العراقية تقول أنها لم تتأكد من المحتوى من مصدر مستقل بينما تمرر اليوم الأكاذيب والمغالطات والخدع والإثارة بنسبتها إلى شاهد عيان أي عابر سبيل وتحول الشهادة إلى خبر رئيسي في نشراتها ويظل قارا في شريط الأخبار العاجلة المتحرك ليومين..!!!..القذافي في طريقه إلى فنزويلا..ربما وصل..هبطت طائرته...شاهد عيان قال أنها تمر فوق اسبانيا حاليا..وشاهد عيان آخر ينتظر مرورها بجانب المريخ..عائشة طلبت اللجوء السياسي..سيف الإسلام تعرض إلى إطلاق نار ومصيره مجهول..شاهد عيان يقول انه بصدد تغيير ملابسه حاليا وان آثار الدماء واضحة على قميصه من جهة الكتف...كتائب القذافي قتلت في قرية لايتجاوز تعداد سكانها الألف نسمة مايربو عن ثلاثة آلاف قتيل..الكتائب تقصف بالصواريخ وبالهاون وبالطائرات وبالسفن بضعة أنفار من " الثوار" العزّل من السلاح والضحايا بالميئات بين قتيل وجريح...احد " الثوار" يستغيث أمام كاميرا الجزيرة :" نحن مساكين..نحب الحرية لاغير.. ليس عندنا أكل ولا دواء ولا سلاح..القذافي يقتلنا..دماؤنا تسيل..إنها غزيرة..أودية من الدماء نزفت منا والعالم يتفرج..أين المنظمات الدولية ..أين ساركوزي واوباما وهيج... نحن متظاهرون سلميا وهو يضربنا من الجو والبحر والأرض..ياشيخ حمد..ياشيخة موزة..يا يا يا.."، وأقول باختصار: أن التحالف الذي يمتد من دول المجلس الخنزيري ، إلى بنغازي ، إلى شمال النيجر، إلى الإمارة العاملة حاليا في منطقة بن قردان على الحدود التونسية الليبية والتي يتصدى عناصرها بالسيوف لمظاهرات التنديد بالغزو الغربي لليبيا ،إلى فرنسا وبريطانيا وأمريكا وتوابعهم ، هو تحالف غير نظيف وغير نزيه ومشبوه ، وهذا وصف لطيف ومحايد..

فماهي المعركة الحقيقية إذا..؟؟..ضد القذافي أم ضد الحلف الأطلسي وقواه المحلية والغربية..؟؟

أنا الآن لااكتب بناءا على تقدير لما سينتهي عليه الصراع، فربما ينهار نظام القذافي وأنا اخط كلماتي، ولكني اكتب للتاريخ وبناءا على مصلحة الأمة العربية فحسب. لو افترضنا أن الحلف الأطلسي نجح في إزاحة القذافي وقاده إلى المنفى أو المعتقل أو منصة الإعدام أو مثّل به في الشارع ، فان خيار الغزو في السياسة الدولية سيعود قويا بعد أن اهتز تحت وطأة ضربات وصمود المقاومين في العراق وأفغانستان. وربما يفوز الحلف الأطلسي بإمكانيات مطاولة جديدة في هذين البلدين ويلتقط أنفاسه ويزهو بنصره على نظام القذافي. وستتحقق المقاصد التي تناولناها اعلاه ، في ليبيا والمنطقة وإفريقيا والعالم. ستتأسس دولة العملاء كما تأسست في العراق ، وسيضاف زميل جديد للمالكي وكارازاي في مدرسة الخيانة والعمالة واصطناع زعامات فاسدة وبلا ضمائر. ويكون وضع الثورة في تونس ومصر في خطر استراتيجي.

أما إذا فشل الحلف الأطلسي في إزاحة القذافي ، وتبعثرت أحلامه وأطماعه وحساباته ، وهذا مانتمناه دفاعا عن ليبيا وعن الأمة العربية ، وعن أخلاقية السياسة الدولية بل أخلاقية الثورة العربية نفسها (وليس دفاعا عن القذافي في حد ذاته)، فان خيار الغزو في السياسة الدولية سيقبر إلى الأبد ، وستزداد أمريكا والقوى الاستعمارية ضعفا واحتقارا وتراجعا في تأثيرها الدولي. وستفلت الثورة في تونس ومصر من الحصار الأمني والسياسي القريب والمركّز، وتتدعم الحالة المعنوية للمقاومين في العراق وأفغانستان.
الوقوف إلى جانب المقاومة في ليبيا ضد الغزو ومرتزقته في الداخل هو الموقف القومي والوطني السليم في هذه المرحلة ، بعد أن تبين أن " الثوار"

ليسوا ثوارا. وان أمريكا والغرب لايمكنهما إهداء الحرية للشعوب ، ولا يمكن لعربي خصوصا أن يصدق بتحول الجلاد والمجرم لعقود من الزمن إلى محرر وداعم لحقوق الناس الآدمية وراع لثوراتهم.لايمكنني أن أساند أمريكا في شيء مادمت حيّا. ولا يمكن لنسلي من بعدي أن يعفو عن أمريكا ويتصالح معها. أمريكا بالذات. عدو للعرب أبد الآبدين. والشيطان أكثر رحمة ولطفا وودا منها. لاشأن للجماهير العربية ببراغماتية السياسة وتموجاتها، إنما شأنها محفور في ذاكرتها الجريحة. لم يمر علينا عقد من الزمن لم نتعرض فيه لجرمها. ولم نعرف رئيسا أمريكيا أنهى فترات حكمه دون أن يقذفنا بالنار، ولا موقفا أمريكيا سياسيا اقر لنا بحق.

أما عن القذافي في ضوء الاحتمال الأخير،وفي صورة نجاح نظامه في الصمود واحتوائه ثورة العملاء الساركوزيين، فسيكون لنا معه شأن. ونتمنى عندها أن يكتسب القدرة على الإنصات.
 

 العودة الى الصفحة الرئيسية

Google

 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com