ليس لأمريكا دور في الحراك الشعبي العربي

 


الامام حسين المؤيد
 

أن من الخطل أن ينسب الحراك الجماهيري الذي تجسد في إنتفاضات ثورية مجتمعية الى مؤسسات او أجهزة أمريكية او غربية كما يحاول البعض عمدا او سذاجة ان يصور . ان مشكلة البعض انه لا يستطيع ان يتصور ان الجماهير العربية قادرة على أخذ زمام المبادرة في اللحظات التاريخية الحاسمة والمنعطفات المصيرية في حياتها ، كما ان البعض يحاول ان يصور أمريكا والغرب إلهين لا يمكن لحركة او سكنة أن تبرز على الساحة الدولية الا بإرادتهما و إدارتهما وتدبيرهما ويتناسى قوانين الحركة الإجتماعية و سنن التاريخ في المجتمعات البشرية . لا أحد من ذوي الألباب السليمة يمكن أن يصدق بأن بوعزيزي قد أحرق نفسه بدفع أمريكي ليشعل إنتفاضة ثورية جماهيرية في تونس ، ولا أحد يمكن أن يصدق بأن شباب مصر -بما عبروا به عن وعي سياسي عميق و حركة حضارية متينة صاروا بهما محورا يلتف حوله أبناء مصر في ثورة لم تشهد لها مصر مثيلا في تاريخها الضارب في القدم- قد ربطوا بخيوط كما تربط الدمى التي تحركها من خلف المشهد أياد ماهرة لتقديم عرض على المسرح . إن هذا الحراك الجماهيري ما هو الا نتاج عوامل متعددة وتفاعلات مرت بها المجتمعات التي شهدت هذا الحراك الذي تفجر في لحظة زمنية رخوة وتدفق بكل قوة ليرسم معالم التغيير . لاشك في أن في أمريكا والغرب من يريد أن يبرز العامل الأمريكي والغربي كعامل فاعل في هذا الحراك عن قصد خبيث فهو من جهة يعمل على تضخيم القدرات السياسية و الإستخبارية الغربية لتبقى صورة أمريكا والغرب على شكل هيولى غامضة وإخطبوط ضارب في كل مكان لأن هذه الصورة تخدم سياسات الهيمنة على العالم ، ومن جهة ثانية يراد أن تفقد الامم الثقة بنفسها وبطاقاتها الخلاقة وقدراتها في تجسيد إرادتها و إستقلالها ، ومن جهة ثالثة يراد تشويه الصورة العظيمة التي اذهلت العالم كله لهذه الثورات الجماهيرية العربية وإنزالها الى مستوى هابط يظهر الشارع العربي و كأنه واجهة لعبث الأجانب والاعيبهم ومخططاتهم ، ومن جهة رابعة يراد أن يدب الإحباط الى نفوس الجماهير العربية التي تحرك وجدانها لكي تخلد الى الهوان ، ومن جهة خامسة يراد الإيحاء الى الجماهير و رموزها وكوادر ثوراتها الحاضرة والمستقبلية بأن أي حراك مهما تعاظم حجمه لن يتم الا بالتنسيق مع القوى الكبرى و عقد الصفقات معها وهذه محاولة لإبتزاز الشعوب والقيادات الثورية لها إنعكاسات جد خطيرة على الإرادة الثورية والخط السليم الذي يجب أن تستمر فيه الثورات من أجل الوصول الى أهدافها الحقيقية وراء التغيير . أضف الى ذلك أن الأنظمة المتهرئة وأزلامها يريدون أن يعيبوا الحراك الجماهيري ضدهم عبر وصفه بالتبعية للخارج عجزا منهم عن إدراك الواقع ومحاولة لإضعاف هذا الحراك والإستهتار به وخلق المبررات لضربه . ربما تعمل مؤسسات وأجهزة أمريكية أو غربية من خلال خطط مبيتة للدخول على خط الثورات و توظف الفيسبوك وغير ذلك من وسائل عصرية لهذا الهدف الا أن من المؤكد أن ذلك بمجرده لن يصنع ثورة مستعدة للتضحية في سبيل أهدافها ولن يقيم حراكا حقيقيا يتجاوب معه الوجدان الجماهيري و يتناغم مع مطالبه وآفاقه المستقبلية الواعدة . ومن الممكن أن تتخذ أمريكا والغرب سياسات معينة في التأثير على الأحداث من خلال عملائها وحلفائها الداخليين لتظهر الامور وكأنها تدار من الخارج أو بهدف إظهار التأييد للثورات بغية إحتوائها و الإلتفاف عليها فيما بعد أو إنطلاقا من رؤية تقضي بأن هذا التدخل يتيح لأمريكا و الغرب توجيه الأمور والسيطرة عليها ، الا أن ذلك كله لن يفقد الحراك الشعبي أصالته ومصداقيته . كما أن من الخطأ الفادح النظر بحسن نية الى الادوار الأمريكية والغربية التي ربما تبدو للوهلة الاولى من خلال التصريحات والتحركات المعلنة وكأنها مع نهضة عربية تكسر من خلالها الشعوب عن معاصمها المكبلة قيود الذل و الهوان و تنطلق نحو الحرية والكرامة و الإستقلال لتقيم تنمية شاملة تأخذ بها الى ذرى المجد و التقدم والرقي والعدالة الإجتماعية التي تحررها من كل ألوان التبعية للأجنبي ، فهذه نظرة طوباوية مضحكة تستحق الإشفاق والسخرية بدلا من الإصغاء و القبول .ولعل مرورا سريعا على كل الأحداث الثورية التي تحققت الى يومنا هذا والمواقف الأمريكية و الغربية إزاءها تكشف بوضوح عن ذلك الخطأ الفادح و بالتالي تحول دون تصور دور أمريكي او غربي إيجابي في هذا الإتجاه . إنني اعتقد بأن الحراك الجماهيري في بلداننا العربية له مصداقية عالية و أن الدور الأمريكي والغربي يتجسد في محاولات ركوب الموجة أو الإلتفاف على الثورات العربية لحرفها عن مسارها الصحيح ، ومحاولات السيطرة على الحراك الجماهيري و توجيهه الوجهة التي تخدم المصالح الأمريكية سواء من خلال العمل على إبراز شخصيات مرتبطة أو مستعدة للتفاهم مع أمريكا لتولي مقاليد الأمور ، أو خلق فتنة داخلية لحرف مسار الثورة و إيجاد واقع مغاير ، او الإيحاء ببدائل فكرية أو عملية لو قدر الأخذ بها تكون الثورة قد إحتويت أو افرغت من مضمونها الحقيقي و ربما إنعكست السلبيات على خريطة الأرض و الشعب . وهذه محاولات من الطبيعي أن تقوم بها القوى الكبرى لضمان مصالحها و هيمنتها على الواقع . ومن هنا فإننا في الوقت الذي نؤكد فيه على أصالة الحراك الشعبي في مجتمعاتنا العربية فإننا نحذر من تلكم المحاولات التي تهدف الى إجهاض هذا الحراك و تفريغ مضمونه وحرفه عن أهدافه الحقيقية .

مرجعية اسلامية

 

 العودة الى الصفحة الرئيسية

Google

 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com