العراق أصبح محطة رئيسية لتهريب المخدرات إلى دول الخليج وأوروبا الشرقية

 

أبدت الهيئة الوطنية لمكافحة المخدرات في العراق قلقها من تزايد أنشطة عصابات تهريب المخدرات داخل العراق، خاصة بعد إعلان الحكومة العراقية موافقتها على استئناف دخول الزوار الإيرانيين للأراضي العراقية وبواقع 1500 زائر يوميا، مؤكدة أن آفة المخدرات والمواد ذات التأثير النفسي أصبحت عاملا آخر يضاف إلى طرق الموت العديدة التي تستهدف شريحة الشباب العراقي كل يوم وتنذر بتخلي البلد عن موقعه ضمن قائمة الدول الفتية، ودمارا آخر يزيد من أعباء الحكومة الجديدة.

وفي سابقة تعد الأولى من نوعها في بلد مثل العراق، أعلنت وزارة الصحة العراقية، وعلى لسان مدير برنامج مكافحة المخدرات، الدكتور سيروان كامل، عن حدوث العديد من حالات الوفاة الناجمة عن تعاطي المخدرات، وأغلبها وقعت في محافظة كربلاء، بعدها تأتي محافظات ميسان وبغداد وبابل وواسط، فيما سجلت الإحصائيات ورغم حداثتها وجود أكثر من 6037 متعاطيا للمخدرات وبنوعيات مختلفة في المحافظات كافة، تأتي في مقدمتها محافظتا كربلاء، التي سجلت 679 متعاطيا، وميسان 286، وفي بغداد وصل عدد المدمنين على المخدرات إلى 717، فيما سجلت مدينة كركوك 240، مؤكدا أن مثل هذه الإحصائيات ما زالت غير دقيقة لاعتمادها مقارنة بالدول الأخرى وكذلك افتقارها للبيانات السابقة التي ظلت طي الكتمان بسبب سياسات النظام السابق وتعمده حجب مثل هذه المعلومات عن المجتمع الدولي، وخاصة مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات، والتي كانت جميع التقارير إلى وقت قريب تشير إلى خلو العراق من هذه المشكلة.

وعن أسباب تورط العراق مع المافيا العالمية المروجة للمخدرات، قال الدكتور فلاح المحنة، أحد أعضاء الهيئة الوطنية لمكافحة المخدرات في العراق إن ما خلفته الحرب من فوضى وانفلات أمني مريع، هيأ فرصة ذهبيه لتجارة المخدرات الداخلية والخارجية مستفيدة من كثرة العصابات والجماعات المسلحة لتنشط حركة مافيا المخدرات وتجعل العراق محطة ترانزيت نحو دول الخليج ودول إقليمية أخرى، إضافة إلى تكوين سوق حرة داخلية نجم عنها تحويل مشكلة الإدمان من المسكرات والعقاقير المهدئة إلى المخدرات، وهناك دلائل تم الحصول عليها عن طريق استجواب عدد من المتاجرين بالمخدرات بعد إلقاء القبض عليهم في مناطق متفرقة من العراق، وهم من جنسيات مختلفة، تشير إلى تحول طريق الحرير القادم من شرق آسيا والمار عبر العراق، إلى طريق للمتاجرة بالمخدرات والسلاح والآثار العراقية وتهريب النفط المسروق، من قبل عصابات منظمة تخصصت في هذه الأعمال ولها ارتباطات واسعة مع العالم، بما في ذلك حكومات بعض الدول.

وأوردت تقارير حديثة لمكتب مكافحة المخدرات التابع للأمم المتحدة، أن هناك ممرين رئيسيين نحو العراق، الذي تحول إلى مخزن تصدير تستخدمه مافيا المخدرات، مستفيدة من ثغرات واسعة في حدود مفتوحة وغير محروسة، فالعصابات الإيرانية والأفغانية تستخدم الممر الأول عبر الحدود الشرقية التي تربط العراق وإيران. أما مافيا تهريب المخدرات من منطقة وسط آسيا فتستخدم الممر الثاني الذي يسير عبر إقليم كردستان وصولا إلى أوروبا الشرقية. إضافة إلى ذلك هناك الممرات البحرية الواقعة على الخليج العربي الذي يربط دول الخليج مع بعضها.

وأضافت التقارير أن العراق لم يعد محطة ترانزيت للمخدرات فحسب، وإنما تحول إلى منطقة توزيع وتهريب، وأصبح معظم تجار المخدرات في شرق آسيا يوجهون بضاعتهم نحو العراق، ومن ثم يتم شحنها إلى الشمال، حيث تركيا والبلقان وأوروبا الشرقية، وإلى الجنوب والغرب، حيث دول الخليج وشمال أفريقيا.

وخلال السنتين الماضيتين أصبحت تجارة المخدرات إلى العراق ومنه أكثر تنظيما، وتسير وفق قواعد وأسس تنظيمية تمر عبر شبكات مسلحة تجند مجموعات عراقية من العاطلين عن العمل، وبالأخص من منتسبي الجيش المنحل المدربين على المصادمات واستخدام السلاح. ويوجه المسؤولون في مكتب الأمم المتحدة أصابع الاتهام إلى جارة العراق إيران، إذ أنها فضلا عن كونها تعاني من مشكلة المخدرات، باتت تشكل معبرا لتجارة المخدرات وبكافة أنواعها إلى العراق، وهذا ما أكده أحد المسؤولين في وزارة الداخلية العراقية، بعد أن كشفت السلطات الأمنية العاملة في محافظتي النجف وكربلاء عددا كبيرا من عمليات تهريب هذه السموم إلى المدن العراقية، قام بها أشخاص يحملون الجنسية الإيرانية، كانوا قد اندسوا بين زوار العتبات المقدسة، ومن خلال استجوابهم بينوا أنهم لم يدخلوا العراق بدافع الزيارة وإنما لترويج المخدرات والبحث عن مروجين محليين لتسويق بضائعهم بين شرائح المجتمع العراقي. وتم مؤخرا وبعد مداهمه سريعة نفذت من قبل قوة مشتركه بين قوات التحالف والجيش العراقي في محافظة كربلاْء، ضبط كميات كبيرة من المخدرات قدرت أثمانها بأكثر من عشرين مليون دولار داخل حصن الاخيضر التاريخي العريق، الذي يقع على بعد 30 كيلومترا عن المدينة، بعد خوض معركة ضارية مع أفراد العصابة المسلحة الذين كانوا يحرسون الحصن، وقد اتخذوا منه مخزنا لأسلحتهم والمخدرات، التي كانت في طريقها إلى العبور الحدود باتجاه المملكة العربية السعودية. ومن العمليات الأخرى التي أحبطت مؤخرا قيام شرطة بغداد بتوقيف سيارة محملة بنصف طن من الكوكايين في منطقة التاجي.

وأضاف المسؤول الأمني، أن مشكلة تعاطي المخدرات بعد الحرب باتت تتعاظم بوتيرة متصاعدة، وأن كميات كبيرة من الكوكايين والهيروين والماريغوانا بدأت تتدفق على العراق من دول عديدة، وإمكانية وزارة الداخلية للحد من هذا الخطر المحدق ضعيفة جدا وغير مجدية، وأن مدينة العمارة جنوب العراق مثلا والمناطق الحدودية القريبة منها، باتت تشكل محطات للتوقف لتجار المخدرات.

ومن هذا الوضع يمكن ملاحظة العلاقة بين العصابات المشتغلة بتجارة وترويج وتهريب المخدرات، وانعدام الأمن داخل العراق، فمن مصلحة مافيا المخدرات بقاء الوضع الأمني سائبا ومنفلتا، ومن مصلحتها أيضا أضعاف أجهزة الشرطة العراقية.

وأضاف المصدر، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، أن استمرار تفشي ظاهرة تعاطي المخدرات بين الشباب ستزيد من المشكلة الأمنية داخل العراق، حيث يدفع الإدمان على المخدرات المدمنين إلى ارتكاب جرائم متنوعة والانخراط في السلك الإجرامي تحت واجهات عديدة، ومثال ذلك الشكوى المستمرة من أصحاب الصيدليات في بغداد وبعض المحافظات الأخرى، من قيام عصابات مسلحة تضم مجاميع من المدمنين، بالهجوم على هذه الصيدليات بهدف الاستيلاء على ما تحتويه من مواد مخدرة وعقاقير الأمراض النفسية والعصبية.

وعن تزايد أعداد المرضى المدمنين كشف أحد التقارير الصادرة عن مستشفى ابن رشد، الذي يعد من أكبر مؤسسات العلاج النفسي في العراق، أن حالات الإدمان زادت بنسبة 75%. ورغم أن هذا المستشفى كان يستقبل العديد من حالات الإدمان على المخدرات وحبوب الهلوسة في عهد النظام السابق، إلا أن الوضع العام للإدمان بات أكثر انتشارا من قبل، وأصبح منظر المراهقين والأطفال في الشوارع أكثر بشاعة، خاصة وهم يقومون بشم مواد مخدرة بدائية عالية السمية، مثل البنزين والتنر وغيرهما، وبات بعضهم، وبإرشاد جانحين كبار، يتعلم كيفية صنع مواد أخرى غير مألوفة تعطي نفس الأثر. وبينما كان التعاطي يقف عند حدود عمرية بين 17 ـ 18 سنة، أصبح يشمل الآن فئات يعمر 14 عاما وربما أقل، وبالطبع تعد هذه إحدى نتائج تحول البلد إلى ساحة تعبث بها مافيا الجريمة. يضاف إلى ذلك أن وصلت الحال في العراق إلى قيام أول سوق علني لترويج المخدرات في بغداد، وتحديدا قرب ساحة التحرير ومنطقة البتاوين، وتحت مظلة الحرية والديمقراطية التي منحت لهذه التجارة الفاسدة شيوعا غريبا.

ويشاع في أوساط صحية عراقية، أن بعض جنود قوات التحالف يتعاطون المخدرات ويروجون لها. وفي هذا الصدد كشف أحد الأطباء العاملين في لجنة إتلاف المضبوطات أن مركز التطوير التابع لوزارة الصحة الذي كانت تجري فيه عمليات الإتلاف بحضور مندوبين عن الوزارات المعنية، كان يحتوي على ما يقارب 800 كيلوغراما من المخدرات المرسلة من شعبة المخدرات في وزارة ألداخلية وبعد دخول القوات الأميركية إلى العراق تعرض المخزن إلى عملية تفتيش، وتم أخذ المخدرات إلى جهة مجهولة بدون إعلام وزارة الصحة بذلك.

أما الطرف الآخر من المشكلة، فكان المدمنين على المخدرات. ويؤكد الشاب (ب. ن)، 31 عاما، أكد أنه بدأ بتعاطي العقاقير ألمهدئه والمهلوسة داخل زنزانات سجن أبو غريب، فقد حكم عليه بالسجن المؤبد عام 1998 لاقترافه جريمة سطو مسلح وأفرج عنه بقرار العفو قبل الحرب، مضيفا ان عملية الترويج للمخدرات قديمة في العراق لكنها كانت بحدود ضيقة وتقتصر على الحبوب المهدئة والعقاقير، خاصة داخل السجون. وقد تعرف في السجن على أشخاص يتعاملون بهذه المواد كانوا ضمن شبكات واسعة تمتد خيوطها إلى أفراد يعملون داخل الأجهزة الأمنية، وآخرين يعملون في المؤسسات الصحية. وكانت المخدرات تتسرب من داخل المؤسسات الصحية لتصل إلى القائمين على السجن، لتوزع على أشخاص معتمدين من قبلهم ليقوموا بدورهم حتى تصل إلى أيدي السجناء.

 

 

 

 

 

 

Google


    في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
  info@bentalrafedain.com