الموضة تشق طريقها إلى خزائن الشباب الأكراد

 

ما زالت ملابس الجينز متربعة على عرش أزياء الشباب، المهتمين بالموضة، في كردستان العراق. موديلات وتشكيلات مختلفة من الملابس الحديثة، لآخر «صرعات» الموضة تزين واجهات المحلات، في عدد من المدن الكردستانية، خصوصاً السليمانية وأربيل.

يتفنن أصحاب هذه المتاجر بتوضيبها وتسليط الأضواء الملونة الكاشفة عليها من كل الجوانب، ما يعطيها شكلاً خاصاً غالباً ما يكون بعيداً من بريق تلك الأضواء.

قبل سنوات كان البنطلون حكراً على الشبان دون الشابات في مدينة أربيل بخاصة، وكانت ثقافة ارتداء التنانير هي السائدة. لكن الوضع تغير بعد الانفتاح الكبير الذي شهدته مدن الإقليم، واستقرار الأوضاع الأمنية والاقتصادية فيها، إضافة الى الغزو الإعلامي للقنوات الفضائية، وما تبثه من برامج عن آخر «صرعات» الموضة، بدءاً من تنورة روبي وصولاً الى قطع الجلد التي تغطي شاكيرا بها أجزاء من جسمها وفساتين هيفا التي تراعي دقة التفصيل.

وهناك طبعاً أسباب كثيرة أخرى منها، الاختلاط الناشئ بموظفي أو موظفات المنظمات الانسانية الأجنبية العاملين في الإقليم لأكثر من عقد، ناهيك بتأثير بلاد المهجر في آلاف الشباب المهاجرين الذين يزورون عائلاتهم باستمرار خصوصاً في الصيف الذي تكثر فيه الموديلات وملابس الموضة الجديدة.

انفتاح باب الموضة على مصراعيه جاء وسط صراع شديد بين القديم والجديد، وقيود كبيرة من المجتمع بعاداته وتقاليده التي تختلف هي أيضاً من مدينة الى أخرى. وإذا أدركنا ان الشباب بطبعهم ميالون الى التجدد والتغيير، فإن الشباب هنا حرصوا بعد سنوات من الانقطاع عن العالم الخارجي، على مد جسور جديدة معه. ومن الطبيعي ان يسعى بعضهم الى التعبير عن ذلك من خلال اتباع الموضة الجديدة.

لم يقتصر ارتداء الجينز بلونه الكحلي الغامق الذي لا يسمح بظهور الأوساخ عليه الى أماكن العمل فحسب، بل أخذ المصممون يتفننون في تزيينه وفق الموديلات الحديثة بأشكال وألوان مختلفة، من المرايا الصغيرة الملونة والتطريزات المتعددة الى تدرجات الألوان واختلافها، ما أدى الى الإقبال عليه بكثرة لدى بعض شباب كردستان، وبالذات في مناسباتهم الاحتفالية الخاصة.

أما في مدينة السليمانية فتعكس ملابس الشباب انفتاحهم الأكبر على الحياة وتقبلهم للجديد، ولكن في حدود الممكن. فهم يميلون الى ارتداء بناطيل الجينز الضيقة تعلوها قمصان تواكب آخر صيحات الموضة التي يعثرون عليها في القنوات الفضائية.

وليس غريباً على المتجول في شوارع السليمانية مصادفة بعض الشابات (وإن قليلات) يرتدين القمصان القصيرة التي تكشف جزءاً من الخصر والبطن، وهو مشهد يوقف حركة السير في شوارع أربيل ودهوك.

بعض محلات الملابس في مدينة أربيل تكثر فيها الملابس الفضفاضة سواء كانت قمصاناً أو جبباً (فستان طويل مع ربطة) تستخدمها المحجبات اللواتي يكثر عددهن في أربيل ودهوك مقارنةً بمدينتي السليمانية وكركوك. وتستورد غالبية الملابس من الدول المجاورة مثل تركيا وسورية وإيران، أما بالنسبة الى ماركات الملابس العالمية الشهيرة فتندر مصادفتها وإن وجدت فان أسعارها تكون خيالية قياساً بمتوسط دخل الفرد، هذا إن لم تكن مغشوشة وغير أصلية.

وبين الأزياء التقليدية وأزياء الموضة الحديثة، يفضل شباب كردستان عموماً ارتداء ملابسهم الفولكورية (المؤلفة من قطع عدة) في الحفلات والمناسبات الخاصة كالتخرج الجامعي، والزواج أو الأعياد القومية والوطنية، وهذه تتباهى بألوانها وزركشتها صبايا مدن كردستان. تقول ريام أحمد (22 عاماً)، وهي طالبة في المرحلة النهائية في جامعة صلاح الدين في أربيل، انها تفضل ارتداء بنطلون الجينز للدوام: «دوامي الطويل يشجعني على ارتداء تيشيرت واسعة مع جينز لأنهما عمليان ويعطيانني حرية الحركة مما يسهل علي متابعة نهاري الدراسي بحرية كبرى».

في المقابل هناك قسم آخر من الشباب ما زال يعتقد بأن ملابس الجينز لا تعطي للشاب الصفة الرسمية التي يجب الظهور بها في العمل. يقول دريا فيصل مصطفى (25 عاماً): «لست ضد ارتداء الجينز ولكنني أجده مناسباً أكثر للسفر والنزهات، أحب ارتداء البنطلون القماش والقميص ذي الكمين الطويلين لأنني اعتقد بأنهما يعطياني طابعاً رسمياً أكثر وهذا ما يريحني». ويعتقد دريا بأن مجتمعه يتلاءم أكثر مع الملابس الرسمية، كونه مجتمعاً محافظاً ومتمكساً بالعادات والتقاليد.

وإذا كانت الثياب التي تواكب الموضة تعطيه انطباعاً سلبياً عن الشخص، يقول دريا: «لا يمكنني الحكم على طبيعة الشخص من خلال ذوقه في اللبس». وعما يعجبه في طريقة لبس الفتاة وتبرّجها يقول: «تجذبني الفتاة التي تختار نمط ملابسها التي ترتاح فيها من غير أن تحاول تقليد الآخرين، أجد أن البساطة مطلوبة في ملابس الفتاة وفي تبرّجها لأنها تسهل إظهارها على طبيعتها الحقيقة».

شباب مدينة اربيل بصورة عامة يفضلون لبس بناطيل «القماش» على الجينز، ويميلون الى «البدلة» الرسمية الكاملة حتى في أوقات العمل. فهم يفضلون لبس القميص والسترة والبنطلون وربطة العنق في بعض المرات لاعتقادهم بأنها تكسبهم منظراًَ مقبولاًَ أكثر... أما الشابات الموظفات فيفضلن التنانير الطويلة والواسعة أو البناطيل المصنوعة من القماش مع قميص أو سترة طويلة.

يقول هلكوت محيي الدين (33 عاماً)، وهو صاحب أحد محلات الملابس النسائية «الشبابية»: «أحاول تبضع ما هو غير مألوف من الملابس النسائية، أسافر بين فترة وأخرى الى تركيا لجمع نماذج مميزة تفتقر إليها المحلات الأخرى في أربيل».

وتتفاوت أسعار قطع الملابس في محل هلكوت بحسب نوعية قماشها ومواكبتها للموضة بين 20 و300 دولار وهو مبلغ لا يتلاءم أبداً مع مستوى دخل الفرد.

ويمكن المتجول في أسواق أربيل وخصوصاً السوق القيصري (الشعبية القديمة) العثور على ضالته بأسعار أقل كثيراً من المعروضة في محلات هلكوت.

يقول هلكوت: «المنطقة التي تتواجد فيها محلات الملابس لها تأثير كبير على سعر بيعها... فصاحب المحل يفكر أولاً في مقدار المدخول الاقتصادي للمنطقة التي ينوي فتح محله فيها وعليه يصمم ويضيء محله بهدف زيادة الأسعار وجذب أكبر عدد من الزبائن، وعلى أساسه يتبضع الجديد والغريب من الذي يصعب إيجاده في المحلات العامة».

أما آخر «تقليعة» في طريقة تصفيف شعر الشباب فهي تسريحة المطرب اللبناني وائل كفوري التي ظهر فيها عبر أغنيته «يا حبيبي قرب ليي». وكانت شاعت تصفيفة شعر كاظم الساهر لوقت طويل بين صفوف الشباب الكردستاني. أما تقليعة تلوين بعض الخصل فهي بمثابة تحدّ كبير لانها تعرض صاحبها لاستخفاف الآخرين به، بينما الأمر مقبول برحابة صدر بالنسبة الى الشباب الكردستاني الآتي من بلاد المهجر!

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Google


    في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
  info@bentalrafedain.com