شبكة مجرمون تهرب الوقود عن طريق خدعة منظمة بشكل محكم

 

في نقطة تفتيش جنوب بغداد، قام مهرب الوقود سالم، بتحية الشرطة العراقية كما لو كانوا أصدقاء منذ زمن بعيد. ثم أظهر لهم وثائقه الحكومية المزورة، والتي تفيد بأنه كان موظفا في وزارة النفط، وبعد تبادل الحوار بشكل ودي، مضى في طريقه.

سالم، الذي تجنب إعطاء اسمه الكامل، أخبر مراسل معهد الحرب والسلام للتقارير (IWPR) الذي رافقه في رحلة تهريب جديدة من بغداد إلى البصرة، (نقوم بدفع 25,000 دينار عراقي (17 دولار) عن كل صهريج للبنزين في كل نقطة تفتيش حتى لا يقوموا بعمل المشاكل لنا ولكي يكونوا متعاونون معنا بشكل كامل.)

تهريب الوقود هي إحدى أكبر المشاكل التي تواجه الصناعة النفطية في العراق.

الحكومة تبقي على اسعار النفط منخفضة، ولكن لا يوجد منه الكفاية لتغطية الطلب عليه. فبينما يكلف الوقود حوالي 0.05 دولار للغالون الواحد، في محطة البنزين الرسمية، فإنه يباع بسعر أكثر بعشرة أضعاف في السوق السوداء.

ولكن تهريب البنزين إلى الخارج هو العمل الأكثر ربحا بكثير من ذلك.

سالم، البالغ من العمر 35 عاما، والذي يقول بأنه يقوم بالتهريب منذ عامين، يتحدث عن شبكة كبيرة ومعقدة من المجرمون تشترك فيها وزارة النفط ومسؤولون حكوميون وأمنيون آخرون وأصحاب محطات الوقود- التي تتحكم بالبيع الغير قانوني للبنزين في الخارج.

سالم، الذي تخرج من معهد النفط في بغداد سنة 1997، يقول بأن المسؤولون المحتالون في وزارة النفط يقومون بتزويده، وتزويد آخرون، بوثائق تخوله توزيع البنزين لمحطات التعبئة جنوب البلاد. بدلا من نقل الوقود إلى تلك المحطات، التي تدخل في تلك الخدعة. ويقوم سالم بأخذه مباشرة إلى ميناء أبو أفلوس في البصرة حيث تهرب إلى الخارج وتباع بفوائد كبيرة جدا – المشرفون على هذه العملية اعتادوا على أن يدفعوا إلى كل من يشترك في سلسلة التهريب.

يقود سالم صهريجا يحتوي على 50,000 لتر من الوقود من بغداد إلى البصرة أربع أو خمس مرات في الشهر ويحصل على 600 دولار في كل رحلة.

وفي رحلة إلى البصرة يوم 8 نيسان، ترك سالم منزله في بغداد في الرابعة صباحا ليذهب في رحلة تستغرق حوالي 6 ساعات إلى جنوب العراق. وبعد مضي حوالي ساعة في الطريق، انضم إليه صهريجان للبنزين، وقام السائقون بإعطاء إشارة إلى سالم. وأوضح سالم (إنهم زملائي) (سنقوم اليوم بإيصال ثلاثة صهاريج، يحمل الواحد منها 50,000 لتر. إنهم فقط سائقون مثلي، ولكن يقوم أحدهم بمرافقتنا دائما لغرض حمياتنا، ويبدو أنهم (أي زعماء التهريب) يعتمدون عليه في مراقبتنا.)

وبالرغم من المخاطر، إلا أن سالم بدى واثقا ومرحا أثناء الرحلة. وأكد لنا أنه لم يكن لديه اية مشاكل في المرور بنقاط التفتيش العراقية والأمريكية.

وفي إحدى نقاط التفتيش التي تسيطر عليها القوات العسكرية الأمريكية، قام سالم بإعطاء وثائقه المزورة إلى المترجم الذي يعمل لدى الجنود وتمكن من تلطيف الجو أثناء كلامه معه.

وفي نقطة التفتيش هذه، قام أيضا بالحديث مع رفيق لسائق صهريج. وعندما عاد سالم إلى شاحنته، قال (إنه يتساءل عنك، --- من تكون. قلت له إنك ابن عمي ولديك عملا تقوم به في البصرة وبأنك لا تعرف أي شيء عن تهريبنا.)

هنالك عشرات الصهاريج التي تذهب إلى البصرة بشكل يومي كجزء من العملية الإجرامية، تفاصيلها – مثل المكان النهائي المقصود للوقود وسعر البيع- تبقى سرية ولا يتم إخبارها للسائقون. وقال سالم، الذي لا تعلم عائلته باشتراكه في هذه الخدعة (ليس لدينا الحق للسؤال عن هذا)

عندما وصل سالم وسائقو الشاحنات الأخرى إلى ميناء أبو أفلوس، كان هنالك رجلا يقوم باستقبالهم، تراجع عند رؤيته للمراسل، وقد شعر سالم بذلك، فقام بتقديمي بسرعة على أنني ابن عمه.

ثم طلب الرجل من المهربون أن يقوموا بتفريع الوقود في السفينة التي تنتظر- والتي لا يوجد عليها علامات تعريفية – عن طريق أنبوب مخفي.

مجموعة ضباط شرطة ميناء أبو أفلوس كانوا يشربون الشاي في مطعم عندما كان سالم ومهربون آخرون يقومون بتفريغ الوقود. إحدى الضباط، وهو ملازم اول، والذي تحدث بطريقة عدم ذكر الاسم، قال بأنه كان من الصعب جدا اعتقال المهربون حيث قال (هذه العصابات كبيرة جدا ولديهم أسلحة وأموال لذلك تصعب مواجهتهم.) كما قال (ليس بإمكاننا عمل أي شيء وانه من السهل جدا عليهم أن يقوموا بقتلنا إذا حاولنا منع نشاطاتهم.)

المتحدث باسم وزارة النفط، عاصم جهاد اقر بأن بعض المسؤولون في الدفاع والشرطة قاموا بإلقاء اللوم على وزارته بشأن تهريب البنزين، ولكنه أصر على أن قوات الأمن تستطيع أن تقوم بالمزيد للسيطرة على المشكلة.

وقال جهاد (إننا نقوم بمحاربة عمليات التهريب بشتى الطرق، ولكن مع ذلك، يبقى ذلك واجب قوات الأمن لمنع تلك العمليات.)

ومن جانبها، طالبت وزارة النفط باتخاذ إجراءات صارمة لمنع الفساد بين طاقمها وبمراقبة تسليم البنزين في كل أرجاء البلد بشكل افضل.

يوسف الشيخلي، الخبير الفني في شركة نفط الجنوب التي تديرها الدولة، يقول بأن هنالك حاجة ملحة للسيطرة على المشكلة.

وقال (إذا لم يتم اتخاذ الإجراءات الضرورية لأيقاف التهريب، فسوف يخسر العراق أهم موارده المالية.)

وبعد أن تمت عملية تفريغ الصهاريج في الميناء، عاد سالم إلى بغداد.

وبالرغم من أنه يكسب 2,400 دولار في الشهر على الأقل من التهريب، فقد بين سالم في طريق العودة بأن هذه المرة من تسليم الوقود قد تكون آخر رحلة له. حيث قال أنه قد تعب من السفر، وبأن الساعات الطويلة التي يقضيها في الطريق بدأت تسبب له مشاكل صحية.

وعندما سألته عما إذا كان رؤساؤه قد يقوموا بتهديده إذا حاول ترك العمل حيث أنه يعلم الكثير عن عملية التهريب، أجاب مبتسما (إنه ليس كما تتخيل) (عملنا يشبه العمل لدى الحكومة، نستطيع تركه في أي وقت بما أننا لا نعرف أكثر من الذي يريدوننا أن نعرفه.)

كتبت هذه المقالة بقلم زياد خلف العجيلي ونشرت في الأصل من قبل معهد تقارير الحرب والسلام. وتمت إعادة نشرها بترخيص.

 

 

 

 

 

 

 

Google


    في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
  info@bentalrafedain.com