الارهاب في العراق يتجاوز كل القياسات

 

تتفتح ازهار الجاردينيا في بغداد ولكن (هالة) لاتستطيع الخروج الى الحديقة لقطفها، هالة الطالبة في المرحلة الإعدادية ذات الستة عشر ربيعا كانت قد اختطفت ليوم واحد في منتصف نيسان ومنذ ذلك الوقت لم تطأ قدمها خارج البيت.

وفي خضم العنف والفوضى التي تحصد الأرواح في العراق خلال الأسابيع الماضية فان هناك قصصا أهدأ عن الناس الذين يتحملون العوائق القاسية للسيارات المفخخة والإختطاف الذي اصبح جزءا من النمط اليومي للحياة.

الرجل الذي فزع في سيارته بعد مقتل زوجته باطلاقة في زحمة المرور, اطفال المدارس الذين لم يعودو يلعبون ( التوكي) في الجوار الذي غالبا ما يضرب بانفجار انتحاري، وضحية الإختطاف الشابة التي لا يسمح لها بمغادرة منزلها.

لقد تبع العنف الناس الى الأسواق والعمل والمدارس.

لقد اصبح جزءا من الضمير العام وتراه في اعلانات التلفزيون والصحف المحلية وافلام الكارتون.

ولم يكن الخميس استثناءا حيث استمرت موجة العنف التي استقبلت حكومة العراق الجديدة منذ الأسبوع الماضي بثلاث هجمات مستقلة على قوات الأمن في بغداد وخلفت ستة وعشرين قتيلا على الأقل.

تقول نبأ س. حامد استاذة علوم الحياة في جامعة بغداد " انه أمر صعب ولكنك تتعود عليه"

يترك العنف آثاره على كل شخص تقريبا، يغير من العادات اليومية، ويلغي النمط اليومي للحياة من عادات التسوق الى اختيار المسالك نحو العمل أو المدرسة.

عندما دق جرس مدرسة بغداد الثانوية للبنات يوم الأربعاء في منطقة الكرادة الهادئة نسبيا انتظر السائقون خارج البوابة ليرافقوا زبائنهم (12 و14 سنة)الى منازلهم قبل يومين فقط من انفجار سيارة على بعد اقل من ميل واحد قتلت تسعة اشخاص.

تقول علا قصي علي الطالبة ذات العيون البراقة في الثانية عشرة من العمر وترتدي زيها الأزرق ووشاحا للرأس ان اهلها يدفعون 40،000 دينار ( حوالي 27$) شهريا اجرة السائق الذي يوصلها واختها ذات الست سنوات من والى المدرسة كل يوم، تسكن الفتاتان في الدورة جنوب بغداد حيث تعرضت منطقتهما الى عدد من الإعتداءات ومنذ السنة الماضية لم يسمح لهما باللعب خارجا محرومتين من لعبتهما المفضلة ( التوكي).

تعرض أثير حداد الى انهيار عصبي منذ مقتل زوجته أمل معملجي اثناء زحمة مرورية. لقد تعلم ان يغلق المذياع ويبدأ بقراءة بعض المواضيع الصغيرة في الصحف ليهدئ نفسه، وعندما لاتجدي هذه الطريقة. " أنا آمل، فقط آمل" كان يقول " انا لست متدينا".

عاد السيد حداد وعائلته الى العراق عام 2001 بعد عشرات السنين قضى معظمها في ليبيا ومنذ عودتهم عملت زوجته مستشارة في احدى الوزارات الحكومية واندمجت بالعمل في مجال حقوق المرأة.

" لقد كانت تملأ البيت"" قالها بعيون مغرورقة " لقد كانت ملآى بالحيوية،مناقشات، نكات، لقد كانت اكثر من زوجة وأم، انا اشعر الآن بالوحدة"

ترك آخرون السياقة نهائيا السيدة حامد استاذة البايولوجي توقفت عن قيادة سيارتها ( سيارة BMW الثمينة) والتي تجعلها هدفا للأختطاف وهي تستعمل سيارات الأجرة. لقد كانت معتادة على قيادة سيارتها عندما تذهب للتسوق من اماكن مختلفة ولكنها تقول انها الآن تمشي الى السوق القريب وتحمل مشترواتها سيرا.

وحتى سيارات الأجرة ليست آمنة تقول بشرى العبيدي المحامية التي عملت مع سجينات في سجن ابى غريب وتقول انها توقفت عن استخدام سيارات الأجرة بعد ان تعرضت للسرقة قبل اسبوعين. اما الآن فان السيدة العبيدي والتي هي واحدة من السيدات التي قابلناها لغرض هذا المقال في مجموعة " الأمل" لحقوق المرأة العراقية تدفع لسائق خاص ينقلها بين انحاء المدينة حتى انها دفعت مرة حوالي $20 للساعة عندما تعرضت للإستجواب من قبل محقق امريكي لا مبالي حول السجن.

بالنسبة لهالة ( سنية) فان الإختطاف غير كل شئ. في 15 نيسان توقفت مجموعة مسلحة من الرجال الذين يرتدون الجينز وال "تي شيرت" بينما كانت تنتظر استاذ الرياضيات. أجبروها على الصعود الى سيارة (BMW) ربطوا يديها واصطحبوها الى منطقة ملأى بالأوساخ وضربوها. بعدها اكتشفوا انهم اخذوا الفتاة الخطأ واعادوها الى منزلها محذرين بانهم سيقتلوها اذا ابلغت الشرطة.

ومنذ ذلك الوقت فانها لم تخرج حتى للحلاق أو لقطف الأزهار التي تملأ حديقتها في ربيع بغداد. ولا يسمح لأصدقائها بزيارتها لأن والدها ( مصطفى) لا يريد ان يتحمل مسؤولية سلامتهم. لم تعد تذهب الى المدرسة وتقوم مجموعة من الأصدقاء بتدريسها لمساعدة الأهل وتقليل كلفة الدروس الخصوصية.

لم تعد تجتاز الباب، يقول والدها مصطفى الذي يعمل مبرمجا للحاسبات وهو يشير الى باب أمامي خشبي ثقيل بمثبتات معدنية سوداء، لقد طلب هو وزوجته ( فيحاء) التي ترابط البيت هي ايضا طلبوا عدم ذكر اسم العائلة خوفا من ان يتعرف اليهم المختطفون.

ان " الحادثة" كما تسميها العائلة قد فرضت أنماطا جديدة في حياتهم اليومية. يقوم مصطفي بكافة اعمال التسوق وحتي متطلبات النساء وثيابهن. لم تعد فيحاء تسير نحو البوابة الخارجية مودعة احد الأقارب، انها تشتاق الى لحظات لقاء الجيران اثناء عملها اليومي بتنظيف الممرات.

"اشعر بان احدهم يخنقني " تقول فيحاء التي وضعت ساقها بالجبس من أثر القائها ارضا اتناء حادثة الإختطاف. " كما لو اني سجينة بغير سجان" وعلى اية حال فان العائلة محظوظة الى حد ما فقد عادت هالة بدون خدش ولم تعامل كمنبوذة بين الجيران كما تعامل عادة الفتيات اللاتي يتعرضن للأغتصاب بعد اختطافهن. تقول خالة هالة انها سمعت ان فتاة قتلها اهلها ليحافظوا على اسم العائلة. لقد حدثت اكثر من 30 حادثة اختطاف في المنطقة في السنة الماضية. يقول مصطفى" يبدو كل شئ طبيعيا من الخارج" قال ذلك جالسا يدخن في مقعده " ولكنهم من الداخل خائفون جدا اغلب العراقيين يشعرون بذلك"

يبدو ان السيارات المفخخة هو السلاح الذي اختاره المتمردون وهي تستهدف القوافل العسكرية ولكنها تقتل من المدنيين اكثر مما تقتل من العسكريين.

كان أمير علي حمزة البالغ ثمان سنوات يشاهد افلام الكارتون في مطبخ جده في منطقة الخضر يوم الأحد عندما هاجم انتحاري بسيارة ملغومة رتلا عسكريا مارا. لقد حطم الإنفجار كافة النوافذ، وقتل أمير على الفور.

في اليوم الثالث للتعزية يتحرك الرجال والنساء كالأشباح داخل البيت تغطي الملاءات البيضاء النوافذ الفارغة وتسمع الصلاة الإسلامية الشيعية من المسجل. وما زالت شظايا الزجاج تملأ فراغات الكراسي والمقاعد.

تقول العمة أسيا حمزة بان عائلتها ساندت الأمريكان ولكنها الآن تتجنب اي اتصال بهم خوفا من التفجيرات الإنتحارية." انهم يقولون انهم يريدون قتل الأميريكان ولكنهم يقتلوننا أكثر" وبوجه ممتعض اضافت " انه شارع ضيق " مشيرة الى الطريق " لماذا تجوب دورياتهم المناطق المدنية؟"

 

 

 

 

 

 

 

 

Google


    في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
  info@bentalrafedain.com