رسام كاريكاتير عراقي يصور الكوميديا السوداء في بلاده

 

العراق تتقاذفه أمواج المذابح والسياسة، ومؤيد نعمة حاضر لمساعدة الناس على الضحك والسخرية من ذلك. وباستخدامه خطوطا حادة وأشكالا شبيهة بالبطاطس يروي مؤيد نعمة، رسام الكاريكاتير البالغ 53 عاما، قصة العراق اليوم. انه مكان بات فيه الناس معتادين على العنف. أما فساد الدولة فقائم على نطاق هائل، والسياسيون يتجادلون بلا نهاية.

وبينما تصاعد العنف في مختلف أنحاء العراق، وخصوصا في بغداد، خلال الأسابيع القليلة الماضية، رسم نعمة تخطيطات كاريكاتيرية تضيء الوضع الحالك الظلمة، حيث تدمر أعمال القتل وتفجير السيارات المفخخة مدارس العراقيين وتمزق الأجساد في الأسواق وأماكن العمل والبيوت. وتظهر رسومه في عدد من الصحف اليومية. وفي رسم أخير له يحوم شخص غامض المظهر يرتدي دشداشة متطلعا الى أجزاء سيارة مستعملة بينما البائع يوضح أية موديلات هي الأفضل بالنسبة لعمليات التفجير. وفي رسم كاريكاتيري آخر يراقب رجل يتناول الشاي المشهد بينما تقذف سيارة متفجرة الرؤوس والأيادي وأجزاء السيارة في كل اتجاه، ويطمئن صديقه قائلا: «لا تقلق. انها ليست سيارتنا».

وربما كان هناك خمسة آخرون من رسامي الكاريكاتير المحترفين من هذا المستوى يعملون في العراق اليوم، مستخدمين دهاءهم ليمنحوا العراقيين الذين أرهقتهم الحرب والرعب، لحظة سخرية صادقة وسوداء. فقد أظهر أحدهم، وهو عبد الرحيم ياسر، العراقي في ظل حكم صدام حسين، كرسام عند حامل لوحة الرسم محاطا بجدران من الطابوق، ويرسم تلك الجدران على لوحة بعد أخرى. قال نعمة وهو يرتشف قهوته العربية في مقهى بفندق وسط بغداد وقد تناثرت رسوماته أمامه، ان «بعض الناس يعتقدون ان الكاريكاتير هو للضحك فقط. ولكن أمامنا النكتة السوداء. يمكن للمرء أن يضحك بسببها لكنها مؤلمة».

وغالبا ما يظهر الفساد في رسومات نعمة الكاريكاتيرية. فالعراقيون يشكون بمرارة من السرقات التي يمارسها المسؤولون الحكوميون، والتي يقولون انها تضخمت منذ سقوط صدام حسين. وفي رسم نشر في مارس (آذار) الماضي نجد طبيبا يقوم بعملية لمريض بدين اسمه «وزارات الحكومة». وتمتد ذراع الطبيب عميقا في بطن الرجل وهو يعلن التشخيص: تضخم في البنكرياس بسبب «الكثير من الأموال العامة».

ويعمل نعمة في غرفة صغيرة بشقة وسط بغداد تزين رسومه جدرانها الارجوانية. اما أدواته، وهي أقلام رصاص وأقلام حبر وممحاة ومنضدة صغيرة، فمرتبة في زاوية من الغرفة. وهو يفضل العمل في الليل عندما لا يكون هناك ما يشوش عليه. ونعمة أكثر تواضعا بكثير من رسومه.

وقال أثير حداد، أستاذ الشؤون المالية في جامعة خاصة وأحد المعجبين برسوماته «يقولون انه عندما يتحدث فانك لا تسمع صوته. ولكن عندما ترى رسوماته تشعر بأنه يغلي من الداخل. انه انسان يتحسس آلام الآخرين». وكانت أوضاع حياته متقلبة شأن تاريخ العراق الأليم. فقد ولد عام 1951. وفي ذلك الوقت كانت بغداد مدينة ضاجة بالنشاط حيث المقاهي والحانات المفعمة بالحركة. ولكن عندما بدأ صدام حسين أواخر السبعينات حملته ضد المعارضة السياسية، بما فيها الحزب الشيوعي الذي كان نعمة عضوا فيه، سرعان ما تغيرت حياته. ففي عام 1979 أعتقل وتعرض الى التعذيب. وما زال يعاني من ضعف السمع نتيجة الضرب الذي تعرض له. أما اليوم، وبعد عقود من الدكتاتورية، فان مشهدا سياسيا يتسم بالفوضى قائم في البلاد. وعلى خلاف حكومة صدام حسين التي كان النقد الصريح في ظلها يؤدي الى عواقب وخيمة، فان الحكومة العراقية الجديدة تبدو هدفا للنقد والسخرية. وقال نعمة انه لهذا السبب ولأسباب أخرى كثيرة فان الحياة أفضل الآن، فبوسع الناس أن يتحدثوا بحرية ويمارسوا طقوسهم الدينية كما يريدون. وأضاف انه لا بد أن تنتهي الفوضى والافتقار الى الضوابط، ليتحسن الوضع في نهاية المطاف. غير أن الديمقراطية تسير على نحو بطيء. وفي رسم كاريكاتيري له نشر أخيرا تظهر عائلة تحتشد جائعة حول قدر كبير يحمل اسم «الدستور العراقي». انها تطبخ طعامها على شمعة صغيرة بصورة تثير الأسى. وقال «الناس جائعون. إنهم يريدون قوانين. إنهم يريدون حكومة».

 

 

 

 

 

 

Google


    في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
  info@bentalrafedain.com