وفاة الشاعر العراقي عقيل علي على رصيف في بغداد

 

قبل ايام قليلة نشرت في احد المواقع الإلكترونية صور للشاعر العراقي عقيل علي وهو ينام في احد شوارع بغداد، في حال اقل ما يقال عنها انها غير انسانية على الإطلاق. وتداعى اصدقاء الشاعر مباشرة لإنقاذه من الوضع غير الإنساني الذي يعيشه، غير ان الداء كان نخر جسده الرقيق وانتهى به ميتاً على رصيف آخر في بغداد والدماء تغطي هويته التي لم تستطع سنوات الاستبداد ان تمحوها. ومساء الأحد الفائت نقل صديقه الناقد ناظم عودة نبأ وفاته عبر احد المواقع العراقية... قبل يومين كنت انا والشاعر زعيم نصّار نفتقد عقيلاً اذ لم يمر علينا في مقهى الفقراء، في باب المعظم وهو ملاذنا الأخير في ارض العراق. لكن روح الشاعر المتمردة كانت تنازع في لحظات اخيرة، وعصر السبت قال لي الشاعر محمد وهيب فتاح وهو من الأصدقاء الذين كلفناهم متابعة المرحوم عقيل انه وجد الشاعر يتخبط في دمه على رصيف قريب من «الكرنتينه» وحاول صديقه سعيد الهزاز الاتصال بسيارة الإسعاف من مدينة الطب القريبة، ولكنهم رفضوا نقله الى المستشفى (لأنهم كما قالوا يشكون في شخصيته المريبة وقد يكون ارهابياً!).

ويكمل سعيد القصة الحزينة، فحين وجد الشاعر عقيل في حال احتضار، اتصل ايضاً بسيارة الإسعاف وسمع من رجالها الذين جاؤوا متأخرين كالعادة، رفضهم نقله من الشارع الدامي مقدمين اغرب اعتذار وهو ان المحتضر يبدو ثملاً وهم لا يساعدون السكارى لأنهم ينتمون الى حزب ديني وغادروا منطقة «الباص» التي كانت بيت الشاعر الوحيد في ارض السواد! ويضيف ناظم السعود: عندما عرفت الخبر اتخذت قراراً سريعاً في تجمع الفقراء الذي كان ينتمي إليه الراحل، بأن نقوم جميعاً بحملة تضامنية مع عقيل علي، وأن نتأكد اولاً، إن كان انتقل الى رحمة السماء ام لا يزال في عذابه. وبعد ان تطوع اربعة من اعضاء التجمع بالبحث عن مصير الشاعر في «الطلب العدلي» اشار عليهم المسؤولون هناك بالبحث في ثلاجات «ميدنة الطب»، وهناك وجدوه غارقاً في دمه من شدة النزف الداخلي، وفوق ثيابه كتبت عبارة «مجهول الهوية». حينذاك تأكد لنا ان عقيلاً «توارى كطيوره».

اصدر الشاعر عقيل علي ديوانين شعريين مهمين قبل سنوات هما «جنائن آدم» و»طائر آخر يتوارى» الأول عن دار توبقال في المغرب والثاني عن دار الجمل في ألمانيا أثارا جدلاً كبيراً حين صدورهما وظهرت مقالات كثيرة حولهما. غير ان الشاعر الذي كان يعمل خبازاً في مدينته في الناصرية والذي لم يغادر العراق سوى مرة واحدة الى الأردن، عاد بعدها الى بغداد مسرعاً... فهو لم يحظ باهتمام المؤسسة الثقافية العراقية طوال السنوات العشرين الأخيرة وعومل كصعلوك يثير الشبهات الشعرية اينما حل. قبل اقل من شهر كنت في بغداد وذهبت الى نادي اتحاد الأدباء لرؤية عقيل علي ولكنني لم اجده وقيل لي انه ممنوع من دخول النادي لأنه لا يستطيع ان يدفع. في عمان كان عقيل علي يستأجر غرفة مع عدد من العراقيين في احد الفنادق البائسة، وكان كتب فوق رأسه عبارة مؤثرة تقول: «ايها الإنسان لا تسهم في تدمير نفسك»! فهل ساهم عقيل علي في تدمير نفسه حقاً؟

 

 

 

 

 

 

Google


    في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
  info@bentalrafedain.com