تقرير .. أفضل أطباء العراق يهاجرون إلى الخارج خوفا من القتل

 

بغداد / نيويورك تايمز: جاءت الرسالة الى المستشفى الرئيسي لأمراض القلب في بغداد أواخر الشهر الماضي. كانت مكتوبة بخط اليد وغير موقعة، لكن مضمونها كان واضحا: انها تهدد كبار أطباء المستشفى وتحذرهم بوجوب ترك وظائفهم في الحال.

ما من أحد يعرف من بعث بالرسالة، لكن العنف الشديد هنا مصدر للحيرة والإرباك. فقد توقف اربعة من كبار جراحي المستشفى عن الذهاب الى العمل. وكذلك فعل ستة من كبار أطباء القلب، وبعضهم غادر البلاد.

لم يكن ذلك حادثا منعزلا. فقد قتل مدير مستشفى آخر هو الدكتور عبد الله صاحب يونس يوم 17 الشهر الحالي عندما كان في طريقه الى العمل، حسبما قال مسؤولون في المستشفى.

وخلال العام الماضي غادر أو أرغم على مغادرة العمل حوالي 10 في المائة من اجمالي قوة العمل الطبية في بغداد البالغة 32 ألفا من الأطباء المسجلين، وفقا لمعلومات الجمعية الطبية العراقية. وقال عاكف خليل الآلوسي، المتخصص في علم الأمراض في مستشفى الكندي التعليمي والعضو البارز في الجمعية، ان الهجرة تسارعت في الاشهر الأخيرة، وان الأغلبية الساحقة من الفارين هم أبرز الاختصاصيين.

واضاف الدكتور الآلوسي «ان ذلك يمثل نسبة كبيرة من الأطباء. انهم الصفوة ممن يتخرج على ايديهم الأطباء ويترأسون الأقسام».

ولكن تهديدات المتمردين ليست عامل الضغط الوحيد الذي يواجه الأطباء في هذا النظام الصحي الذي كان ممتازا وكان واحدا من أفضل الأنظمة في الشرق الأوسط. فقد وصلت ظاهرة عدم الخضوع للقوانين الى داخل أجنحة المستشفيات محولة الاحتكاك بين الأطباء والمرضى الى نزاعات مسلحة. والأطباء أهداف سهلة لعصابات العنف المتخصصة في الخطف لأنهم يجولون في المدينة لرؤية المرضى وغالبا ما لا يستطيعون توفير عدد كبير من الحراس.

كما يتعين عليهم ان يتعاملوا مع المصاعب الجديدة لمرضاهم الذين يجب عليهم اذا ما أصيبوا في الليل، أن يختاروا بين المعاناة في البيت أو ربما الموت في الشوارع الفارغة بسبب منع التجول. ويتعين عليهم أيضا التعامل مع الانقطاعات المستمرة في التيار الكهربائي التي تصيب قاعات العمليات والطوارئ المليئة بمرضى لا ينتهي عددهم.

وقال الدكتور وليد جورج، كبير الجراحين في مستشفى السعدون «انه أسوأ نظام رعاية صحية شهده العراق. تصور أنك تحاول إجراء عملية جراحية لمريض تتطلب ساعتين ثم تنقطع الكهرباء. انك تتضرع الى الله وأنت تتصبب عرقا».

وفي الفوضى الحالية في العراق، حيث تنعدم القواعد والقوانين، يقول الأطباء انهم بعد إجراء عمليات صعبة أو فاشلة يجدون أنفسهم احيانا في مواجهة أقارب مسلحين غاضبين. وفي الفترة الأخيرة واجهت طبيبة جراحة في المحمودية (جنوب بغداد) تهديدات من رجل كانت زوجته مصابة بسرطان المعدة فاضطرت الطبيبة الى اغلاق عيادتها.

وقال أحد الأطباء في بغداد ان بعض الأطباء يبالغون في المخاطر والتعقيدات، آملين في أن يبتعد المرضى عن خيار إجراء العمليات.

وقد استجابت وزارة الداخلية أخيرا للمخاطر فسهلت اجراءات اجازات حمل السلاح من قبل الأطباء.

وواصل الدكتور عمر الكبيسي، أحد الأطباء الذين توقفوا عن العمل في مستشفى ابن البيطار لأمراض القلب بسبب التهديد الذي تعرض له، عمله في عيادته الخاصة، يحرسه ابنه علي البالغ 23 عاما. ولكن الكبيسي، الذي يعتبر احد أبرز اطباء القلب في العراق غادر الى فرنسا قبل أسبوعين.

ويبدو ان السعي الى المال الذي يغذي صناعة الخطف المنتشرة في البلاد، هو الدافع الرئيسي. وقالت طبيبة نسائية تبلغ من العمر 60 سنة سبق لها أن تعرضت للخطف، إن ثلاث سيارات إحداها خاصة بالشرطة أجبرت سيارتها على التوقف. ثم قام رجال بقرع نافذتها بالبنادق ليدخلوا بالقوة إلى سيارتها حيث قاموا بدفع رأسها إلى الأرض ثم أخذوها مع سائقها إلى أحد البيوت.

طلب الرجال مبلغ مليون دولار وأعطوها مسدسا لقتل سائقها. وقالوا إنهم سيقطعون يدها ويبعثونها مع جثة السائق إلى ابنها.

قالت الطبيبة «قلت لهم أنا لا أستطيع قتله. أنا لا أستطيع حتى أن اقتل طيرا ثم بدأوا بضربي على الوجه».

أطلق الرجال سراحها بعد أن دفعت عائلتها 250 ألف دولار تم اقتراض الجزء الأكبر منها. والغريب أن دورية أميركية أوقفت السيارة حينما كان الرجال ينقلونها فيها مع سائقها لإيصالها إلى بيتها. وحينما رأوا آثار الكدمات على وجهها سألها أحد الجنود إن كانت بخير. وتحت الرعب الذي أصابها قالت إنها متوجهة إلى المستشفى. وبعد وصولها إلى البيت بيوم واحد تركت العراق الى الأردن. وهي ما زالت تحت وقع الصدمة وطلبت عدم نشر اسمها. وقالت «أنا أتشافى في الخارج لكنني لن أتشافى من الداخل»، لكنها عادت إلى العراق للعمل هناك للوفاء بالديون التي اقترضتها أسرتها من الأصدقاء لدفعها دية للمختطفين.

وأدت هجرة الأطباء الكبار الواسعة إلى نقص واسع في الخدمات الطبية، حسبما قال أطباء ومسؤولو المستشفى. ولا يشعر المرضى أنهم سيجدون أطباءهم. كذلك راح أطباء جدد أنهوا للتو دراستهم الجامعية بالقيام بعمليات معقدة هي عادة من حصة أطباء أكثر خبرة. وتجنب مسؤول يعمل هناك أن يقول كم أثر هذا على الوضع الصحي. لكن الهجرة الواسعة لكل طبيب وجراح متقدم لا يمكنها إلا أن تترك آثارا سلبية. وقال الدكتور الكبيسي «ستكون الجراحة المعقدة في وضع صعب».

وفي المستشفى الذي يعمل فيه عمر، غادر أكثر من نصف الأطباء العراق، حسبما قال مديرها في مقابلة جرت معه. وأخذ الأطباء المبتدئون أماكنهم، لكن ما عاد بالإمكان القيام بعمليات جراحية معقدة. وقال طبيب في المستشفى «باعتبارنا أطباء مستجدين نحن بحاجة إلى التعلم أقصى ما يمكن. ونحن لا نستطيع أن نتعامل مع بعض الحالات».

لكن المشاكل الأخرى الناجمة عن عقد من العقوبات الاقتصادية، سببت نقصا كبيرا في المواد الطبية، وما موجود أصبح قديما أو في وضع بائس. وما عادت الدولة تنفق على الأدوية. وشكا عراقيون زاروا المراكز الصحية هذا الشهر من عدم قدرتهم على الحصول على الأدوية لأمراض القلب والسكر.

وقال الدكتور جورج الجراح في مستشفى السعدون إن النقص في الطاقة الكهربائية والأدوية أجبر المستشفى لتقليص عدد العمليات إلى النصف. وهي قامت بحل مشكلة الكهرباء لفترة قصيرة من خلال ربط أسلاكها بأسلاك وزارة الزراعة القريبة من المستشفى، لكن مع هذا الحل هناك نواقص مزمنة في الكهرباء.

 

 

 

Google


    في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
  info@bentalrafedain.com