بعيدا عن تركيز الإعلام: التقدم الديمقراطي مستمر في العراق

 

بغداد – ركزت التقارير العالمية الأخيرة التي كتبت عن العراق على موجة العنف والشرارة المنبعثة من عمليات التمرد. ومع ذلك كتبت تقارير الصحافة منذ أسابيع قليلة مضت عن الهدوء الوقتي الحاصل على إنه نهاية التمرد.

 العملية السياسية في العراق – وكما كتب في عدد قليل من التقارير التي لا تركز فقط على عدد القنابل والإنفجارات – ويبدو أنه كان تفاؤلا شاذا بالانتخابات سرعان ما تراجع إلى ويأس بسبب المشاحنات البرلمانية. وقد رسمت الصحافة صورة للفوضى السياسية حيث يقوم السياسيون الذين يفتقرون إلى المرونة بإضاعة الجهود التي قام بها المصوتون العراقيون الشجعان.

هذا الميل الكبير للمحيط السياسي والأمني الذي صور على الصفحات الأولى في جميع أنحاء العالم ليس ما هو موجود على أرض الواقع هنا في بغداد.

في الحقيقة، لقد أمضيت السنتين الماضيتين في العراق، في البداية كنت ضابطا في الجيش والآن رئيسا لمكتب العراق التابع لمعهد السلام في واشنطن، ولقد صدمت بعزم وثبات العراقيين حيث يناضلون لبناء بلد ديمقراطي مستقر، وبتعهد العراقيين المستمر والراسخ للمشاركة في العملية وإدارتها.

وبالرغم من التهديد المتواصل من مختلف أنواع التمرد في السنة الماضية، فإن المكاتب الحكومية العراقية، الأحزاب السياسية، ومنظمات المجتمع المدني قاموا بتوسيع إمكانياتهم ونشاطاتهم بصورة تدريجية. حيث يمكنهم أن يخبروك كيف استطاعوا إنجاز المزيد ولم تقيدهم التهديدات الأمنية أو الشيء الأهم وهو عدم وجود بنية تحتية معتمدة، ولكن الذي قاموا بإنجازه هو شيء يثير الإعجاب، وكذلك هو عزمهم الذي لا يفتر في مواجهة تلك الضغوطات والتهديدات.

هنالك جملة أسمعها في أغلب الأحاديث مع العراقيين تعطي فكرة عن هذه العملية وهي جملة (خطوة بخطوة).

أسمعها من أعضاء الجمعية الوطنية عندما يتحدثون عن كتابة الدستور الجديد، من مراقبي الفساد الذين يحاولون رصد كل ما تقوم به الحكومة، ومن مجاميع النساء اللواتي يقمن بالتخطيط للقيام بحملة لتقليل العنف في المدارس.

وكذلك التمهيد: الحديث يصبح بحجم المهمة، ويشمل ذلك التحديات الغير قابلة للاستلام. هنالك هز الأكتاف، ضحكة مستسلمة، وكلمات خطوة بخطوة وهو الطريق الذي يقوم العراقيون من خلاله بالتسوية بين التطلعات الكبيرة للمستقبل وإدراكهم لبطيء العملية، وسيتطلب ذلك مسيرة مؤلمة للوصول .

فلنأخذ على سبيل المثال الوضع الأمني. فالتهديدات لم تقل، ولم يفقد المتمردون رغبتهم أو قدرتهم لإلحاق الضرر. ولكن خلف عناوين الهجمات الأخيرة، فإن نظرية الخطوة بخطوة تجدي نفعا. ويقوم العراق بتهيئة قوات جديدة من الجيش والشرطة والتي تحصل تدريجيا على ثقة الشعب الذي تقوم بخدمته – وبشكل كبير حيث يقوم عامة الناس بتقديم المزيد من المعلومات القيمة عن نشاطات التمرد. والتي تمكن من اكتشاف مخابئ الأسلحة وعمليات إلقاء القبض والذي يؤدي إلى احترام الشعب لهذه القوات، الشيء الذي يساعد على التطوع وتقليل الدعم للمتمردين.

وبينما يواصل الإعلام ميله الشديد للتركيز على الأحداث المدمرة والمأساوية – القبض على إرهابي، هجوم دموي – فإن القصة الحقيقية تتغير تدريجيا لتقوم بوضع عناوين مثل: الإقبال الشديد للمتطوعين على مراكز التجنيد والذي يؤدي شيئا فشيئا إلى زيادة أعداد القوات لتصل إلى مستويات عالية، تزايد المعلومات الواردة إلى الشرطة، الإحساس المتزايد بالملكية العامة للقوات المتدربة حديثا.

الشيء نفسه ينطبق على العملية السياسية. وحيث يسمع الكثير من الأمريكان عن أبرز الأحداث: الانتخابات، فشل تشكيل الحكومة، اختيار رئاسة وزراء متحيزة. ولكن تلك العناوين لا تعكس مستوى الجهود التي يقوم بها العراقيون في عملية إعادة بناء المؤسسات الحكومية والسياسية.

ومن المؤكد أن التأخير الكبير في إعلان الحكومة كان محبطا للعراقيين الذين يرغبون في رؤية دلائل ملموسة تدل على أن مشاركتهم في الانتخابات كانت مثمرة، وبأنهم يمتلكون بالفعل صوتا مسموعا في حكومتهم. وفي الوقت الذي تكون فيه العملية بطيئة، فإنها تمر بالمراحل الضرورية للوصول إلى الخطوة التالية.

وخلال اجتماعاتي هذا الشهر مع العديد من قادة الجمعية الوطنية، لم يبدو أحد منهم متفاجئا أو ممتعضا من التأخير الذي دام أمدا طويلا. فإن جميعهم يدركون بأن القرارات الصارمة التي تصارع عليها قادة الأحزاب، المبادلات دخلت في تشكيل حكومة لا تنهار على نفسها على الفور.

وكانت هذه هي المرة الأولى التي تجري فيها محادثات بين جماعات عرقية وسياسية والتي لديها تاريخ طويل من الشكوك المتبادلة والصراعات أكثر من المفاوضات، التسوية أو البناء بشكل جماعي.

وبتشكيل الحكومة خلفهم، فإن المسئولون العراقيون والشعب يقومون بتحويل التركيز على الخطوة القادمة: الدستور. وبدون شك فإنهم سوف يقومون بالتعامل مع هذه المهمة الهامة بنفس التفاني والحماسة التي لا تفتر والتي قاموا بإظهارها في كل خطوة قاموا بها لحد الآن.

أولئك الذين ينتظرون عنوان (العراق يكمل كتابة الدستور) أو (العراق يضيع الوقت النهائي لوضع الدستور) سيكونون قد أضاعوا جميع الخطوات المتداخلة المهمة، حيث تقوم الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني بحث الشعب العراقي على المشاركة في الحوار الوطني حول الدستور.

الخطر الحقيقي هو أن تركز قيادة العراق الجديدة وكذلك الشعب على تلك العناوين، ويقومون بتخطي الخطوة الأهم في العملية بأكملها.

 

بقلم: أ. هيثر كوين

Christian science monitor

 

 

 

 

 

 

Google


    في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
  info@bentalrafedain.com