تحذيرات طبية تؤكد عدم صلاحية مياه شط العرب للشرب

 

لو توفرت موسوعة لاطرف المفارقات، على غرار موسوعة غينيتس للأرقام القياسية، لاحتلت البصرة مركز الصدارة فيها، لكونها مدينة غنية بالمياه، إذ يلتقي في شمالها نهرا دجلة والفرات ليكونا شط العرب يرفده، قبالة منطقة السيبة، مصب لنهر الكارون الإيراني، إضافة الى قناة لنقل المياه العذبة من نهر الغراف بطول 240 كيلومترا، وسكانها يشكون العطش وينفقون أموالا كثيرة لشراء مياه الشرب. الأغرب من هذا انه كان يطلق على مدينة البصرة تسمية «بندقية الشرق» نسبة الى مدينة البندقية الايطالية لكثرة انهارها.

لكن المشهد اليومي في البصرة اليوم يبدو غير مألوف في المدن الأخرى.. طوابير من الناس أمام محطات تحلية المياه وخلف السيارات الحوضية الناقلة لشراء الماء، وخزانات أرضية لبيعه في المناطق السكنية واناس وعربات تنقل الصفائح البلاستيكية) الجلكانات)، التي لا يخلو منها أي بيت في المدينة، والمخصصة لمياه الشرب الذي يطلق عليه ماء R.O اختصارا لمصطلح Revers - Ozmoses ) ) ومكابدات مسموعة لاصحاب الدخل المحدود على إنفاق جزء مهم من مدخولاتهم على شراء الماء.. ولا نعني هنا المياه المعدنية المعبأة في قنان بلاستيكية أنيقة، وانما المياه الصالحة للشرب والحاوية على كميات معقولة من الأملاح والتي باتت مشكلة أزلية في البصرة.

حكاية عدم صلاحية المياه الوفيرة للشرب، حسب خبراء الموارد المائية بدأت في عقد الثمانينات، عندما أنجزت الدول المتشاطئة حوضي دجلة والفرات (تركيا -سورية - العراق) سدودا وخزانات عملاقة عملت عليها خلال العقدين الماضيين، خفضت مناسيب المياه في النهرين، مما أدى الى صعود مياه المد في الخليج العربي العالية الملوحة الى مسافات قريبة من ملتقى النهرين في القرنة واختلطت بمياه الرافدين، إضافة الى ارتفاع نسبة التلوث، مما جعل المياه في البصرة غير صالحة للشرب. وابتهجت البصرة بوصول الماء العذب إليها عند إنجاز القناة الناقلة لمياه نهر الغراف في محافظة الناصرية عام 1996 بطول اكثر من 240 كيلو مترا وقد سمي المشروع في وقتها بـ(مشروع وفاء القائد)، ولكن بعض السكان لم يستسيغوا تلك المياه فعادوا الى شراء الماء العذب من جديد، وسرعان ما انتشرت السيارات الحوضية وخزانات بيع المياه، مما أوقع المسؤولين بالمحافظة في إحراج، لا سيما ان المشروع اقترن باسم رئيس النظام السابق، فتشكلت لجنة لمعالجة الموقف قبل أن يتحول الى قضية، حيث منعت هذه اللجنة كل وسائل بيع المياه وأجراء حظر على الشركات الحكومية التي تقوم بعمليات التحلية على ترويجها في الأسواق.. وهذا الإجراء الحكومي، يذكرنا بما نقله لنا الموروث الشعبي، إذ تعرض العراق عام 1939 الى أزمة اقتصادية خانقة كادت ان تؤدي إلى مجاعة، حيث اختفت معظم المواد الغذائية الأساسية من الأسواق فقامت الحكومة آنذاك بتشكيل لجنة لمعالجة الأمور، وقد قامت اللجنة بأول عمل لها بإصدار تسعيرة للفاكهة والخضر، الذي صار موضوعا للتندر، مما حدا بأحد الظرفاء الى إرسال برقية الى اللجنة جاء فيها: «تسعيركم الشلغم (اللفت) اثلج صدورنا». وقد اختصر فيها كل التفاصيل حتى أصبحت مثلا للأجراء غير المناسب.

 وأهم دائرتين حكومتين في البصرة معنيتين بالمياه الصالحة للشرب، وهما إدارة مشروع ماء البصرة التابعة لوزارة الموارد المائية ومديرية ماء المحافظة إحدى تشكيلات وزارة الأشغال. وقد امتنع وكيل مدير الدائرة الأولى بالإدلاء بأي تصريح صحافي، امتثالا لكتاب صادر من الوزارة، عرضه علينا، تحرم فيه الوزارة على مديري دوائرها التعامل مع وسائل الأعلام، حتى ولو من باب الدفاع عما ينسب إليها من تقصير وخلل في الأداء. فيما أكد عبد الستار عاكف، مدير مديرية ماء المحافظة، لنا ان مشروع قناة الماء الواصلة الى البصرة من نهر الغراف كان يوفر 8/5 متر مكعب في الثانية وهذه الكمية تكفي لتشغيل محطات التصفية لضخها عبر شبكات الأنابيب الى الأحياء السكنية، وإنها تحمل نسبة مقبولة من الأملاح تصل الى 600 جزء من المليون، إذا ما قورنت بالنسبة القياسية للماء الصافي، التي لا تتجاوز الـ 200 جزء من المليون، وكان هذا عند افتتاح القناة عام 1996 والسنوات القليلة التالية، إلا ان تلك القناة كان مصممة لمدة خمس سنوات بعدها يجري نقل تلك المياه بواسطة أنابيب، الا ان الحال بقي على ما هو عليه، إضافة الى العوامل الطبيعية وضعف أعمال الصيانة والتجاوزات الواقعة على القناة التي تجري في مناطق رملية وقد تعرضت الى التلوث نتيجة نفوق الحيوانات السائبة، داخل المياه وضعف جريانها، حتى أصبحت كميات المياه الواصلة منها الى البصرة لا تتجاوز أربعة أمتار مكعبة في الثانية، أي اقل من نصف طاقتها وبنوعية رديئة، مما اضطرنا الى اللجوء الى مياه شط العرب لسد النقص الحاصل من عجز القناة. واضاف مدير مديرية ماء البصرة قائلا «إن مياه شط العرب لا تصلح حاليا للاستهلاك البشري وتحولت الى (مثانة) في جسد دجلة والفرات، على حد وصفه، وقد بلغت نسبة الملوحة فيها 3000 جزء من المليون، أي اكثر من المقرر بخمس عشرة مرة. اما قضية تلوث هذه المياه فهي كارثية، اذ تعتبر المياه غير صالحة للتناول اذا كانت نسبة التلوث فيها من 3-1 جزء في المليون، اما مياه الشط فقد وصلت نسبة التلوث فيها الى 50 جزءا في المليون»، مشيرا الى ان العمل يجري حاليا لتحويل مياه الشبكة الى مياه خدمة وتوفير مياه الشرب عن طريق أجهزة التحلية وإيصالها الى المستهلكين بأسعار رمزية مشددا على ان «مياه الشبكة وان كانت رديئة فإنها لا تصل الى عدة مناطق، بالرغم من تنفيذ شركة بكتل الأميركية لعدد من الإصلاحات بلغت تكاليفها اكثر من 600 مليون دولار»، متهما الشركة بالفساد المالي.

وقال عاكف: «إن الحل الجذري لمشكلة مياه الشرب في البصرة يكون في إنجاز المشروع الذي أحيل الى إحدى الشركات اليابانية بمبلغ 400 مليون دولار، ويشتمل على إنشاء محطة على نهر دجلة شمال مدينة القرنة، بطاقة 300 مليون غالون في اليوم من الماء الصافي، تكون نصفه مياه عذبة، بالمواصفات العالمية سيتم انجازه قبل نهاية عام 2010 أي بعد مرور خمس سنوات».

ونسب مصدر صحي في المحافظة الى ان معظم الأمراض التي تصيب أعدادا كبيرة من سكان البصرة، وفي مقدمتهم الأطفال، هو تلوث مياه الشرب، مشيرا الى انتشار أمراض التيفوئيد والكوليرا والزحار والتهاب الكبد وامراض جلدية وباطنية كثيرة خلال الأعوام القليلة الماضية.

 

 

 

 

 

 

Google


    في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
  info@bentalrafedain.com