تقرير .. كيف امضى العراقيون بالقاهرة عيد الفطر؟ ....  اصوات العراق

 

احمد الطائي / بنت الرافدين

كانت رائحة الخبز تجذبك من بعيد إلى نكهة عراقية مميزة في ذلك الحي المصري الجديد الواقع في إحدى ضواحي غرب القاهرة.. إنه خبز عراقي يخرج حارا من تنور ( أبو علياء) .

( أبو علياء) عراقي يسكن مدينة ( 6 إكتوبر ) التي أصبحت أكبر تجمع للعراقيين في مصر.. بعد أن أجبرت الظروف الأمنية الصعبة الكثير من العراقيين على ترك البلد والتوجه إلى بلدان عربية ،وهو يعمل في محل لصنع المعجنات العراقية .  في ليلة العيد عاد ( أبو علياء) إلى منزله وبناته الثلاث متأخرا ، بعد يوم عمل شاق وطويل .

في الصباح الباكر كان واحدا من آلاف المصريين وبعض العرب ارتادوا (مسجد الحصري) في قلب الحي لأداء صلاة (عيد الفطر ) ،والتقى هنا بجيرانه العراقيين الذين تجمعهم جلسات سمر في المقاهي المنتشرة بالمدينة .

وبينما صلى الجميع ضامين أيديهم كما تقتضي تعاليم أهل السنة ،كان ( رافد) الوحيد تقريباً بينهم الذي بسط يديه بجواره كشيعي ،لكن لاشيء منعهم من تبادل التهنئة بالعيد في مصر التي لا يعرف تاريخها أو أهلها أي تقسيم طائفي أو عرقي ،والتي يقيم بها الآن نحو ( 100) ألف عراقي حسب تقارير صحفية نشرت مؤخراً نقلا عن مصادر رسمية ،غادر أغلبهم العراق بعد تزايد موجة العنف به .

يقول السيد عامر لوكالة أنباء ( أصوات العراق) المستقلة " نحن أيضا لم نعرف هذه التصنيفات من قبل ،والآن في ظل التفجيرات اليومية في بلادنا.. لا تسألك القنبلة عن مذهبك قبل أن تنفجر في وجهك."

في منزل ( أبو سعد) تنهمك زوجته وإبنتاه وزوجة إبنه الأكبر في إعداد ( الكليجة) للتقديم للضيوف وأهل البيت ،فضلا عن طهو الأطعمة العراقية المميزة... عليهم الإتقان الشديد فوالدهم أيضا طاه ماهر ينتظر إنتهاء إجازة العيد ليفتتح رسمياً مطعمه الذي سماه باسم حفيده ،مضيفا له كلمة ( العراقي) كما فعل ثلاثة غيره لتمييز مطاعمهم التي إفتتحوها في نفس المنطقة السكنية .

وبدأ ( أبو سعد) يستقبل تساؤلات المارة حول أسماء الأكلات التي دونها على لافتة مضاءة بعناية على محله.. وعلى أوراق الدعاية التي وزعها في المنطقة ،وعليها صورة حفيده مغطى بعلم العراق بعبارة ( الله أكبر ). ولمزيد من جذب الانتباه اختار أن يكتب الأسماء حتى للأكلات المتشابهة مع مثيلاتها المصرية كما تنطق عراقياً (فلافل ،مخلمة ،جلفراي ، باقلاء بالدهن الحر ( الحيواني) ،كبة حلب ،طرشي ،عنبة) .
يتصور ( أبو سعد) أن وجود كثير من الطلبة من الخليج وسوريا ولبنان وفلسطين في نفس الحي ،حيث توجد جامعتان خاصتان.. يدرس بهما غالبيتهم ،سيزيد الإقبال على مطعمه . يقول لـ ( أصوات العراق) "هناك ملايين المصريين كانوا بالعراق بالثمانينات.. واعتادوا طعامنا  ،والعراقيون تزايدوا في هذه المدينة ووصلوا ربما لمئات الأسر.. وهم يحبون تناول الطعام في الأمسيات خارج منازلهم ، بالأخص القادمين دون عوائلهم."

لكن صديقه حسين ،القادم لتوه من العراق ، يبدو متفائلا بزيارته للقاهرة.. ويقول "سوف أعمل في تجارة السيارات المستخدمة والتي سأجلبها من الأردن إلى مصر ،ففارق السعر  كبير.. وسيحقق ربحا خرافيا في وقت قصير." ويتابع حديثه بحماس "لقد اتفقت على توريد أنواع معينة من السيارات من موديلات حتى عام 2004."

ويستمر حسين في الحديث المتفائل عن خططه لمشاريع أخرى يتصور لها النجاح الفوري .  لكن ( أبا سعد) قال له إن هناك ضرائب ورسوم وقوانين في مصر تجعل الإقبال على شراء تلك السيارات محدوداً .

( أم نعيم ) سيدة عراقية قضت وقتا طويلا في أحد مكاتب الإتصالات الدولية في ضاحية ( 6 إكتوبر ) وهي منهمكة في الإتصال بأهلها وأقاربها في العراق ،وتنهي مكالماتها دائما بالقول "الله يحفظكم" .

رنين وصول رسائل قصيرة على الهواتف المحمولة مع العراقيين لا يكاد يتوقف. معظم الرسائل باللهجة العراقية الدارجة ،إحداها تقول "صباح الخير.. يمر العيد وأنت بعيد ،وكل عام وأنت سعيد" . آخرون يتبادلون كلمات أغنية للمطرب ماجد المهندس "واحشني موت."

أما الشباب من الذكور فيذهبون إلى مقاهي الإنترنت المنتشرة بكثافة في الحي ،لإرسال تهانيهم بتكنولوجيا أخرى.

يقول أبو نعيم "في العيد نفتقد الزيارات المتتالية للأقارب والأصدقاء.. لكن نعلم جيدا أنه حتى في بغداد تغيرت أمور كثيرة ،كل ما نريده حياة مستقرة لنا ولأولادنا."

بينما تفتقد زوجته ( أم نعيم ) الكثير من المواد اللازمة لمطبخها الذي لم يتغير كثيرا عما كان عليه بالعراق: نومي حامض وبهارات معينة.. برغل خاص لصنع كبة الموصل ومكسرات.

يضيف أبو غسان " أطلب من أي قادم من العراق صابون رقي (وهو صابون مصنوع من الغار والزيوت النباتية).. لا أستطيع الاستحمام

بغيره ،وأحيانا أطلب سجائر."

تكرر معظم السيدات إنهن سعيدات بالأمان في مصر ،ويستطعن الخروج بمفردهن لشراء أغراض المنزل في أي وقت.. ويتحدثن كثيرا عن

الأطفال الذين سيقضون عيدا مميزا هذا العام ،ليس فقط بسبب الخروج للتنزه أو شراء الألعاب.. ولكن للطمأنينة التي يشعر بها الأهل على الأطفال دون خوف من تفجير أو اختطاف.

تقول ( أم غسان) أن إبنها ذي السنوات الستة تعرض لمحاولة اختطاف في بغداد ،عندما كان في طريقه إلى المدرسة.. حيث حاول مسلحان إرغامه على الدخول لسيارتهما بالقوة، وتدخل جار كان مارا بالصدفة لإنقاذ الطفل . يمتلك الأب ( أبو غسان) متجرا لبيع الأجهزة الالكترونية مقابل الجامعة التكنولوجية في بغداد ،ويعيش بالأعظمية .  بعد تلك الحادثة.. توقع الرجل أن تتكرر طمعا في فدية ،فرحل عن منطقته.. ولما ازداد

الوضع الأمني إضطرابا في بغداد قرر السفر إلى مصر . في هذه الاثناء كان الحديث يدور باهتمام عن صالون التجميل الذي سيفتتح بالقرب منهم في أحد المراكز التجارية في مدينة ( 6 إكتوبر ) وحمل اسم " العراقية" .

يقول السيد عامر " نريد ألا نستخدم ألفاظا تشي بهوية مذهبية أو قومية ،لكن نصر على كلمة (عراقي).. فكلنا عراقيون ،وأيضا لنستطيع تمييز المحلات حتى يقبل عليها العراقيون بسهولة." تبدو ( أم علياء) في منزلها سعيدة للغاية.. لديهم خطة للخروج إلى مدينة الملاهي القريبة  ،ربما تتذكر مدينة ألعاب ( الزوراء) مثلا.. لكنها حزينة لأن بناتها الثلاث لم يتمكنّ من التسجيل في المدارس المصرية هذا العام بسبب تأخر إجراءات الإقامة . تتابع أغلب العوائل العراقية في مصر مظاهر العيد على شاشات الفضائيات العراقية ، بالأخص قناة ( الشرقية).. تليها ( البغدادية) بالإضافة إلى قنوات عربية إخبارية شهيرة كالجزيرة والعربية .  يحاول الجميع تجاهل الأخبار دون جدوى ،ويكاد كل منهم يكون ملما بتفاصيل الأحداث في بغداد يوما بيوم . بعد جلسات الشاي تتفرغ كل أسرة لبرنامج مستقل.. يشغل التلفزيون جانبا كبيرا منه ، أما الملاهي فهي أمر حتمي للأسر التي لديها أطفال.. كذلك التسوق في محلات (وسط القاهرة) حيث تنوع المنتجات وإنخفاض الأسعار .  السينما هي خيار الشباب الأصغر سنا.. بالأخص مع من تعرفوا عليه من أقرانهم المصريين . يمضي العيد على العراقيين هنا بطيئاً.. بعيدا عن الاهل والوطن ،لكنه قطعاً الأكثر هدوءً في السنوات الثلاث الماضية .

 

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@brob.org