القصة

 على عجل

 

مهداة الى ارواح شهداء الحلة الابرياء، ضحايا الحقد الارهابي

 

 علياء الانصاري

 

كان ذلك الصباح صباحا مشرقا عندما تمطت "صباح" في فراشها ودعكت بيديها الناعمتين عيناها النرجسية الجميلة ومن بين اهدابها المبللة رأت عقارب الساعة تشير الى الثامنة صباحا، نهضت من فراشها على عجل وهبطت السلالم بخفة ومرح فاليوم يوم آخر يحمل الكثير للعائلة. وقعت عيناها على اخيها صلاح وهو يتناول فطوره على عجل وعلى مقربة منه كيس نايلون وضع فيه اوراقه ووثائقه التي يحتاج اليها هذا الصباح، انتقلت بنظراتها اللهفة الى ابيها الممتلئ نشاطا وحيوية قل نظيرها في الاوقات الاخرى. وفي صفاء عيني امها تجلى لها الامل الساهد منذ عام ونصف ليترنم اليوم على سمفونية اللقاء.

ها هو صلاح يسرع في ارتداء ثيابه، تسرع هي الى حذائه تلمعه لتمنحه بريقا لا يدوم في طرقات الحلة المتربة ولكنها تلمع الحذاء بسرور فاليوم سيذهب صلاح الى الفحص الطبي كي يستلم وظيفته، الامل الذي تنتظر العائلة ان يتحقق يوما ما. وضعت الحذاء امام قدميه وعندما رفعت رأسها التقت عيناها بعينيه الصافيتين المنتظرتين املا يتحقق... وتراءى لها عريسا يزف الى عروسه واتقدت في رأسها فكرة، لماذا لا تخرج مع صلاح لتشتري لخطيبها هدية...

انتظرها صلاح لحظات بينما ارتدت ثيابها على عجل وحملت عبائتها لتضعها على رأسها عند الباب واذناها تلتقطان كلمات امها : لا تتأخرا ففؤاد قد يصل قبل الظهيرة.

ملأ ت صباح رئتيها من الهواء النقي لذلك الصباح الحلاوي المشمس واستسلمت للذكريات تداعب مخيلتها فلم تعد ترى ما حولها، فؤاد ابن خالتها ورفيق صباها، أحبا بعضهما منذ الطفولة حبٌ بريءٌ صامت يعلن عن نفسه من بين اهداب فؤاد المضطربة دوما عندما ينظر اليها ليغفو تحت اهدابها تخفيه حتى لا يراه احد ...

ويكبرا ويكبر الطغيان في ارض الفرات، فيفر فؤاد بحياته الى حيث نسائم الحرية وتبقى هي تخفي حبه تحت الاجفان حتى لا يراه احد ... فقد يكون هو الاخر ممنوع.

ويعود فؤاد قبل عام ونصف ليجد حبه المخفي تحت الاجفان ينتظره، ويتم عقد القران بينهما على امل ان يعود فؤاد لاحقا لترتيب الحياة الجديدة، واليوم سيعود فؤاد ستشتري له قميصا... كلا عطرا... وحارت فيما ستشتري ليخرجها صلاح من دوامة الخيال الى واقعها وهو يطلب منها ان تذهب الى السوق ولا تنتظره فالصف طويل ...

همت بالانصراف وما ان مشت خطوات حتى عادت الى اخيها تنبهه الى ان حذائه قد علاه التراب: نظف حذائك قبل انت تدخل!

ابتعدت قليلا ثم عادت تسأل: ماذا اشتري لفؤاد؟

في تلك الثانية السعيدة في حياة صلاح وصباح المنتظرين املا يتحقق، لم يعد لسؤال صباح اي معنى ... دوى صوت رهيب وتتطايرت الاجساد البشرية مع كومة من الامال والاحلام والاماني...

في ذلك الصباح المشرق تناثر البشر على عجل اشلاء اشلاء، وعندما ارتفعت روح صباح الى بارئها تشكون ظلم الانسان لاخيه الانسان، كانت هناك خطوات تقرع الطريق المؤدي الى بيتها على عجل ... فصاحبها قد اتعبه الانتظار لامل يؤمل ان يتحقق.

 

 

 

*        *        *

 

 

 

Google


    في بنت الرافدينفي الويب

 


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
  info@bentalrafedain.com