قصة قصيرة

 

 

حكاية من بلدي

 

علياء الانصاري

 

ذات صباح اذاع المذياع على عجل واضطراب:

ان الوطن لملم همومه واحزانه وفر هاربا الى جهة مجهولة فعلى الجميع البحث عنه واعادته... فكيف لنا العيش دونما وطن

تبادلت النظرات مع امي الممسكة صينية الشاي وقد تسمرت عيناها على المذياع وامست تمثالا خشبيا الا انه نابض... قرصت خدي لاتاكد من يقظتي... هتفت امي وهي

تضع الصينية على الطاولة بيد مرتعشة:عدنان،ايمكن للوطن ان يفر هاربا؟

هتفت اختي فيحاء: اذن لا حروب بعد اليوم ولا ارهاب

قال اخي سمعان: نعم ما فعل الوطن، لقد وضع حلا لازمة النظام الدولي الجديد

وعبر الاسلاك الهاتفية صرخ عمي: هرب الوطن؟ اذن بار سوق الارهاب

اما ابي فقد خلع عن عينيه نظارته العتيقة وتمتم: لا حول ولا قوة الا بالله، اين سيسجد النخيل بعد الان؟

جارتنا ام احمد اخذت تصرخ وتولول وهي تقول: لقد اخذ معه الجداول والترع والانهار، كيف سيسقي احمد ارضه؟

وعند المساء زمجر المذياع مفجرا قنبلة خبرية كانت كالاتي: عقدت الامم المتحدة مؤتمرا طارئا تبحث فيه عن قضية هروب الوطن ودراسة السبل الممكنة لاعادته باسرع وقت، فيبدو ان الوطن قد اخذ بتروله معه وهو يهرب

صرخت امي: اذن لا وقود بعد اليوم

ابتسمت اختي فيحاء وهي تقول: يا له من ذكي

رفع سمعان حاجبيه وهو يقول: ستحترق آمال العالم بنار الخيبة الكبرى

وعندما سمع عمي بالخبر بلع ريقه وهو يقول: ألا يخشى الوطن على نفسه من سيارة مفخخة او قذيفة طائشة وهو يحمل معه كل هذا القدر من البترول معه

اما ابي فقد حدق في الافق البعيد... غارت عيناه وهو يقول: ياترى اين انت الان؟

حقا، اين انت الان يا وطني؟

احسست بان الدنيا تضيق وتضيق فلم يعد فيها متسع لالتقط انفاسي، وتماوج الغضب في قلبي فانفجرت شرايينه ومع الخطوط الاولى للفجر تسللت من البيت احمل صرة ثيابي واتجه ال المجهول... الى حيث اجد الوطن الهارب ... ارتمي في احضانه ثم اخفيه تحت اجفاني واغلق عيني مدعيا العمى

بعد ايام، عًَُثر على مئات بل الالاف من الشباب القتلى على قارعة الطريق الطويل المؤدي الى المجهول ... وفي يد كل واحد منهم صرة ثياب وفي عينيه امل مصلوب

 

 

 

       

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com