قصة قصيرة

 

نزهة


عبد الحكيم نديم الداوودي
hakimnadim56@hotmail.com

لوحة للفنان عبد الحكيم نديم الداوودي

 

حسبوا الحرث بمزارع الروح في ذلك النهار نزهة على الشاطئ فبعدما شربوا نخب كأس الهزيمة بعد التوهم القاتل فرغوا طلقات الرحمة بثنايا جروحهم الغائرة ، فصاح أحدهم فرداً من العابرين وهو مثخن بجراح الضمير.
- من منكم عبر الحدود واحتفظ بالحنين ؟ - سكت فجأة بعدما خرقت طلقة من برج الحراسة ناصيته الشامخة لطالما فزّعت الجبناء رغم أنف صواريخهم الباليستية ، رفع أحدهم بكل دهاء ومكر راية السلام للهدنة المزيّفة ، و بين النصر ووهم الانتصار ثمة خطوات تشبه الانتحار أو الكارثة ، إرباك وفوضى لا أحٌد ُيصّدق مضمون البرقية، وبعد استرداد الوعي إثر سقوط آخر قذيفة الحرب ببوابة إحدى المواضع الدفاعية الصامتة :
رن الجرس دقاته للوداع الأخير ، وفي الساحة العريضة تحديداً قُبالة مشرحة مستشفى المدينة ثمة أفواه تنادي صمم الآذان بعدما فقدوا السمع بصمت الإصغاء من دون أن يكون لأحدهم حق الاعتراض ، سوى ترديد هم للشعارات الجاهزة ، بعدما تيقنوا من مشّرح المستشفى بأن الإصابات وقعت للكل من الأمام رغم التقارير التي وصلت لمختار الحيّ تثبت عكس ذلك .
ثلة من سكارى الحي ظلوا في مكانهم يعربدون بنصف وعي ، وأخفهّم كان يذرع الشارع الخالي من المارة بحثاً عن دليل يرشده لاتجاه بيته المنسي ،فرغم هذيانه المستمر بكلمات كانت أشبه بوصية محتضر وخزته جناية حرق العصافير في أيام عبث طفولته القلقة-
في كل لحظة حرجة من أعمارنا القصيرة نشعر دائماً بأن جزءاً ثميناً من أركان بيتنا القديم سيرحل فلا يبقى لنا سوى هذا السيف المُغمّد حتى يتخبط في النهايةً بدم الغرور، ونحن أكثر من نصف قرن لا ندري ماذا نفعل بهذه العقول المقفرة والتي مازالت تصنع فينا السكون وتثبط العزيمة -
مّر كل هذا الوقت وكأن شيئاً لم يكن ولم تزلزل الأرض قبل أعوام ولم تهدّ الجبال ، عندما أسرعت المسكينة خطاها لمعانقة رفات ابنها المفقود منذ اكتشاف حرب لعبة الكراسي ، كانت الشهامة في وجدانها وقتئذ لاتُقدر بالمباهج الزائلة ، وكانت كقامة الشمس ، رايات شهداء درب الكرامة ،
- عندما جلجل صوت أذان الفجر من المنائر القريبة ، شعرت بهبوب نسمة الأمل تداعب حجب يأسها و إذا هي بعد لم تنته من خيوط حلمها الشائكة- والحياة عندها ما هي إلاّ شريط طويل من ذكريات الأحبة الذين غادروا هذا الحيّ الخالي من الحركة ، سوى من بعض حراس الليليين الذين لا يمّلون من السّير بين الأزقة الموغلة في الإهمال والفاقة - نهضتْ لتؤديَ فرض الُصّبح وإذا بأشعة شمس نهار جديد تباغتها وهي لم تقطع بعد درجات ُسلم السّطح .



 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com