|
قصة قصيرة
الاتفاق قصة: كريستال أربوجاست ترجمة : صالح الرزوق ( 1 ) تدافعت الخوذ المعدنية باتجاه الخلف حينما حطت الحوامة في الماء. أضاء البحر الأسطح التي رش عليها رذاذ الماء، وهو يعكس لهب نيران المدافع. رمق العريف إيدي هاغين وجوه الأشخاص الذين التفوا من حوله. بعضهم كان يصلي، آخرون كانوا يتمسكون بصور وقبسات من الأحبة ومن العائلة قبل أن يضعوها بحذق وعناية بين طيات صدورهم. البقية كانوا يتمعنون في المجهول، بوجوه يعوزها التعبير والمعنى، حتى لا يخونوا ما خفي من مشاعرهم. ـ لقد قضي الأمر يا صاح. ابتسم إيدي بصعوبة لتلك اللمسة القلبية التي شعر بها على كتفه، والتفت إلى إحدى النواحي ليرد على صديقه. ـ أخيرا سوف نرفس مؤخرة النازي!. نعق فينسي دالينزو لإيدي. ـ تذكر يا ولد. القوانين لم تتغير عما هي عليه حينما كنت في أحضان الجيران. لا تفترق عني. سوف نكون معا على ما يرام. أضف إلى ذلك إن شقيقتك لن تتزوجني إن حدث لك مكروه وأنا موجود. ـ هل أقول لك شيئا مضحكا بحق يا فيني. لقد طلبت مني أن أعتني بك. على حين غرة تشتت انتباه الرجلين لوقوع انفجار أرسل رشات أخرى من الماء إلى داخل الحوامة. كان هدير الطائرات يملأ الفضاء وحينما عبرت فوقهم في الأعالي، أصبح بالإمكان رؤية إشارات الهجوم البيضاء والسوداء المطبوعة على هياكلها. هذه العلامات كانت تدل على أنها من قوات الحلفاء، وهي تعويذة لهم من نيران المدافع المضادة للطائرات. راقبهم الجنود وهم يبحثون عن طريقهم بين التحصينات إلى أعلى القمة. - ابن العاهرة! هل ترى خط الشاطئ ذاك. يا فينس؟. بحق أي جحيم سوف نصل إلى تلك الهضاب؟. سوف نكمن هنا كالبط، بانتظار أن ينسفونا إلى جهنم!. - إنهم على وشك أن يشعلوا بنا نار الجحيم يا صاحبي!. شخصيا أفضل أن أحصل على فرصتي عند تلك الشواطئ على أن أمكث هنا في في فخ الموت هذا. انظر إلى هناك! على الأقل إن إثنين من أولئك الحمقى قد غرقا وعلى مبعدة حوالي ميل من هنا فحسب!. عمد إيدي إلى تعديل قبضته على آلته الحربية ليمسك بزمام بارودته. وفي وسط هذه المعمعة من الفوضى ونيران المدافع، بدأ يتذكر رحلته الأخيرة إلى شاطئ آخر في جزر كوني. حين كان في سني دراسته الثانوية. عندما ترتفع حرارة الجو، كان من عادته أن يقطع دراسته، ويفر بصحبة فينس إلى الشاطئ. وكان فينس دوما هو الأعند والأقوى. لقد كبر في أحضان خالته لأنه يتيم منذ أول العمر، ومن غير ربان ( أب وأم )، وقد شب في الشوارع مثل الصعاليك والمشردين السابلة. ( 2 ) بالمقابل كانت بيد إيدي ورقة رابحة، حياة عائلية ترعاها عين المحبة. كان والده رقيقا ومتسامحا. ولكن مزاج أمه الإيرلندي هو الذي حضه على التمسك بالصراط المستقيم. وكان لأخته " تيس " دم وقسمات الوالدة ذاتها. وقد وقع فينس تحت تأثير تيس لعدة سنوات. في الحقيقة كان إيدي على يقين أن صديقه تورط في الحب. تطوع فينس وإيدي في صفوف المارينز في يوم واحد. وبعد التدريبات الأساسية استعرض كلاهما مظهره أمام العائلة والأصدقاء كأنهما من زمرة الطواويس. وباعتبار أنهما الآن رجلان على أهبة الاستعداد التام للقتال، من المفترض أن يشتركا في المعارك ضد هؤلاء البرابرة. وحينما حان وقت الوداع تجنب إيدي مغبة عواقب النظر في عيون الأبوين. ولكنه لم يفعل ذلك مع تيس. بعيون دامعة انتزعت منه قسما ليعتني بنفسه، وليرعى فينس. ثم التفتت إلى صديقه، وألقت يديها على كتفيه، وطبعت على وجهه القبلة الأولى. ثم نظر إليها فينس وهي تعدو على الدرج إلى أعلى نحو حجرتها، وكانت آنذاك ركبتاه تخوران من الوهن. وما أن استعاد زمامه، ألقى تحية الوداع، وغادر من الباب الأمامي.
فجأة قاطع تسلسل خيط ذكريات إيدي صوت نباح مبحوح لقائد ميداني
كان يلقي عليهم أوامره. الذيل الخلفي للحوامة ارتطم بالماء،
واندفعت أفواج الرجال إلى أمام. لقد شهق المظليون بسبب الرطوبة
التي تسربت إلى داخل ثيابهم حينما ألقوا بأنفسهم في أمواج
مائية مثلجة. وإن الأعماق الخضراء القاتمة قد باغتتهم في
المكان وعلى وجه الخصوص وهم تحت وطأة أثقال من العتاد الإضافي.
وقد ترافق ذلك مع نيران المدافع المصوبة عليهم من أعالي
التلال. وهذا وحده دفع كثيرين ليعتقدوا أنهم على أعتاب يومهم
الأخير من الحياة. (3 ) - أين أصبت يا إيد؟. اهتمام غير مبطن ظهر على وجه فينس وهو يبحث ببصره عن مصدر لطخة الدم التي كانت تنهمر ببطء إلى أسفل. - تحت الكتف مباشرة. لسعتني في البداية مثل نار جهنم يا رجل. لقد فقدت الشعور بها الآن. لفظ إيدي أنفاسه ودفن وجهه في الرمال الرطبة. - هات حمولتك.
رفع إيدي رأسه حينما شعر بيد صديقه تفك عنه حمولته وتريحه من
ضغط الحمالات على كتفيه. - أريد منك أن تبدأ الزحف إلى الهضبة. انظر إلى ذلك الوكر هناك. اذهب إليه. ليس بوسعك أن تفلح بمسعاك وأنت مع هذا العتاد. سوف أكون وراءك. والآن، انطلق!. زادت كثافة النيران، وتبتل إيدي بصلاة صامتة ثم وجد طريقه ليزحف إلى ظل صخرة. أجساد موتى ومحتضرين كانت من حوله تحيط به. من سخرية الأقدار أن يخدمك الموتى كدرع بأجسادهم. وما أن أصبح قاب قوسين من الهدف، امتدت إليه يد وأمسكت بياقة سترته، وقادته إلى مأمن. في مخبأ بين الصخور كان بوسع إيدي أن يرى الاخرين في داخل المخبأ. - هل ترى شريكي؟. - لا أرى شيئا يتحرك الآن يا صاحبي.
أمعن إيدي النظر في الزوايا المعتمة، وتعرف على رجال بالبذة
البريطانية. صوت صرير وصل إلى مسمعيه، ثم تفهم أن ذلك هو فرقعة
أسنانه. مع إدراكه بصعوبة السيطرة على مخاوفه، رغب على الأقل
أن يتحكم بردة فعله الراعشة. وهو يرمق الرجل الذي يليه، لاحظ،
أنه بدوره، كان يرتجف. (4) - عذرا لما أصاب شريكك أيها الأبيض. قد تعثر عليه هناك عند خط الشاطئ حيث من المفترض أن نتلاقى.
أصاب الصوت إيدي في الصميم، وأعاده إلى ما هي عليه حقيقة
الأمور. ومع ذلك كان قد فقد النطق. تلك النظرة في عيني فينس
قبل أن يختفي لم تذهب من شريط أفكار إيدي. لقد كانت نظرة
طمأنينة لأن صديقه في مأمن، ولأنه وفى بوعده لمن يحب. وكانت
أيضا وداعا نهائيا وأخيرا. فيما بعد، حينما كان الطبيب يضع
اللمسات الأخيرة على ضمادة جراحه، لا حظ إيدي أنه يستلقي في صف
بين مائة صف آخر من الجنود الجرحى والقتلى. مجد الحرب كان من
كل الأطراف من حوله. دماء تلوث الرمال، وانفجارات معركة
متواصلة كانت تصدح من بعيد. ومع ذلك، الآن، إن أنين ونواح
الرجال يملأ أرجاء المكان. نظر إيدي إلى وجه الطبيب وقال بصوت متباك ( شكرا )، وهو يمد يده إلى هذه المنّة. مع رجفة وضع السيجارة بين شفتيه، وتعامل معها ببطء. في وضعية النائم على ظهره فكر بهذه الحقيقة، لقد وصل إلى الشاطئ. لقد كان الجو يميل إلى البرودة كما هي الحال في جزر كوني في فصل الربيع. جزيرة كوني. راقب ما حوله حالما أتت حفنة أخرى من الجنود البريطانيين ومروا من بين صفوف الأجداث النائمة. أحدهم تمهل لينقل اتجاه ضغط حمل على كتفيه، ثم تابع ارتحاله. ولقد تمكن إيدي خلال ذلك من التعرف على الجدث المحمول. فقد كان لعريف شاب، تدلت من طرفيه ذراعان فقدتا أنفاس الحياة. استوقف الطبيب الرجل، ورفع رأس الجثمان. - أنت تضيع وقتك يا أخ. هذا الرجل ميت.
و هو يتابع مساره رد الجندي من فوق كتفيه ( لقد وعدت أمه أن
أحسن رعايته (.
ملاحظات : بإذن خاص من المؤلفة هذه هي الترجمة الكاملة لـ : Covenant , by : Crystal Arbogast, East Of The Web, Short Stories, Non Fiction , 2004. translated by : ٍSaleh Razzouk. With permission from the author.
|
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |