قصة قصيرة

 

الـمُهَجَّرة

صبيحة شبر

sabiha_kadhum@hotmail.com

البرد يخنقني, يسيطر على بدني, يكتم أنفاسي, وأنا أرتجف, أرتعد, ومفاصلي تؤلمني, عظامي تئن وتتوجع, قواي تنكسر وتتبدد, الثلج يحطمني, ينخرني, يعصرني ويسطو على طاقتي, قدرتي على الاحتمال تهرب مني, جيراني شباب يضحكون للحياة ويتبادلون معها الأنخاب, امرأة في سني تبتسم لي بمودة وتفهم, تحيا حياتها حتى الثمالة, تتمتع بشبابها, ترتدي قميصا خفيفا مفتوح الصدر, تنظر إلي بإشفاق, وأنا أرتعش, أرتجف, أموت, أتضائل, تلحفت بما قدموه لي من أغطية ومعاطف, وارتديت ما أملكه من فساتين صوفية ووضعت فوقها ما أعارته جارتي من ملابس وأنا أرتجف, أتبدد, ينظرون إلي ويبتسمون, لعلهم يجدونني مخلوقة غريبة أسرفت في معاناتها وهم يعينونني على متاعبي ويخففون من شدة وطأتها على نفسي, ملأت الكيس بالماء المغلي ووضعته على بطني, وأنا أرتجف, حاولت أن أجلب شعورا بالدفء ولكن عبثا, القشعريرة مازالت تمسك بتلابيبي, إنهم يتكلمون وأنا صماء لا أفهم مما يقونه شيئا, وصلت إليهم قبل شهور أردد كلماتي على مسامعهم, يبدو أنهم يفهمون ما اعنيه لكنهم لا يستطيعون أن يردوا بلغتي

ـ البرد, هاتوا المدفأة إني أموت, أتجمد, الثلج يخنقني

يراكمون الأغطية على سريري, أياد عديدة تقترب ثم تبتعد, تمطرني أغطية ومعاطف, ولكن دون جدوى, البرد أقوى من كل المحولات الجارية لإخماده.

عائلتي كانت سعيدة ومتماسكة, لم يمد أحد الفراق, أرغموا على الذهاب إلى أماكن مختلفة, زوجي جاؤوا وأخذوه إلى منطقة نائية, قال إنه سيعود بعد ساعة وأنه مطالب أن يجيب على بعض الأسئلة, وعدني أنه عائد حتما, وطالت غيبته.

ـ البرد, رحماكم, البرد يقتلني, افعلوا شيئا, أنجدوني

ولدي الأكبر خرج وعدا إياي بالعودة بعد ساعة, والساعة تكبر وتتضخم وتتضاعف وتتناسل, والرعب يجتاحني ويمتلك قدرتي, وشل إرادتي.

 ـ البرد, النجدة, سأموت.

الأغطية تتراكم, الأيدي تتحرك, أذرع عديدة تسرع, تهرع لمساعدتي, أناس غرباء عني لا أعرفهم يغيثونني, ابنتي الوحيدة ذهبت لزيارة صديقتها, طلبت منها أن لا تخرج,ثم تراجعت عن طلبي, فهل أقيد ابنتي؟ طال انتظاري لأوبتها, كلهم رحلوا وما كانوا يريدون الرحيل.

ـ البرد, أولادي, زوجي,هاتوا الغطاء, انجدوني.

الأذرع تتحرك, الأيدي تهرول, تتسارع, تتراكم الأغطية, وأنا وحيدة, أسرتي لا أعرف عنها شيئا.

ـالبرد,أريد اخوتي, أولادي, جيراني, أصدقائي, هاتوا الدفء أنجدوني.

سارعت إلى المغادرة قبل أن يئدوني, يد كبيرة تسحب الأغطية, تمسك بيدي, تلمس جبيني, وجوه كثيرة تحيط بي ترقب حركاتي بمودة.

ـ لا شيء بك سيدتي, لا علة جسمية, أنت في صحة ممتازة

ـ البرد, أريد الدفء أرجوكم, أولادي, أصدقائي, وطني

أصدقائي كانوا كثيرين فقدوا خلال أيام, ذهبوا ولم يعودوا, وبقيت وحيدة, عيون ملؤها الشفقة تنظر إلي بتفهم.

ـ البرد, أغيثوني, لا أريد أن أموت, أحب الحياة.

جيراني يهرعون إلى نجدتي, أيديهم تسارع إلى انتشالي من بؤسي, يفقد البرد شيئا فشيئا جليديته, أرى أنني يمكن أن أقاومه, أرمي بالأغطية واحدا بعد الآخر وأقرر البداية من جديد ووأد الهزيمة في أعماقي

 

 

 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com