|
قصة قصيرة
نساء وشبابيك د. حيدر الساعدي
نظرات شاردة، لا قلق و لا إنتظار, لا حزن ولا دموع، فالدموع جفت والحزن صار اسطورة و بطر عند الحديث عنه، نعم هي لاتنتظر قدوم" حسن"، حسن ذهب مع النسيان ولم يبق منه سوى صورة تستقر على جدارغرفة ألضيوف في بيت أخيه الذي يقع في الركن المقابل لبيت أهلها، وأيضا بعض من آثار جروح ملتئمة في رسغها ألأيسر بقيت شاهدة على الوفاء والحب الحقيقي وايضا قصة تتداولها ألمراهقات في معاني الحب والتضحية. هكذا كانت "سعاد" بنت الاربعين عاما " نعم فهي لازالت بنت او هكذا المفروض قوله لأنها لم تتزوج بعد"، واقفة وقفتها المعتادة منذ أكثر من عشرين سنة خلف النافذة المطلة مباشرة على شارع ستين " كما تعود الناس تسميته لان عرضه ستين مترا ويفصل بين مايسمى بالقطاع عن الاخر " في ذلك الحي الشعبي الفقير والمكتظ بالسكان . كانت تنظر بلا إهتمام لمجاميع الشباب المندفعين نحو الموت، حفاة ألأقدام وهم يحملون أسلحة ثقيلة لايقوى بعضهم حتى على حملها، هذا أخيها "رائد" إبن السبعة عشر عاما يحمل قاذفة على كتفه ألأيمن و ذاك " حسن الزغير" إبن أخ حسن الكبير والذي ولد بعد رحيل عمه بقاذفته أيضا . كان رائد يتبختر في حركاته ويناور وهو يطلق قذائفة بإتجاه تلك المركبات المرعبة المصفحة والتي لاتتأثر بالتأكيد بقذائف رائد ولا حسن الزغير ولا جموع الشباب المخدوعين من قبل ذلك ألفتى ألغريب ألأطوار, ألمشكوك بأمره،الذي ظهر فجأة ليسرق منا فرحة ألخلاص من ألطاغية، والمختبيء في مكان آمن بعيد جدا عنهم ويكتفي بإرسال خطبه النارية والتي تلهب مشاعرهم وتغذي فيهم روح الفوضى وأل(لاوعي)، عبر وكلائه المشكوك في أمرهم وتاريخهم و المعروفين جيدا للكبار لكن كالعادة لايستمع لهم الصغار. من شباك آخر كانت " أحلام " بنت أخ الشهيد حسن تراقب الوضع ولكنها كانت على العكس من سعاد، كانت خائفة ومرعوبة وهي تشاهد" حبيبها رائد" يواجه الموت وأخيها حسن الزغير ومعهم باقي شباب المنطقة في حرب مجنونة وغير متكافئة وبدون سبب مقنع . أحلام كانت ترى نظرات سعاد التائهة وهدوئها وعدم إكتراثها على الرغم من أصوات ألمزنجرات ألأمريكية والتي بدأت تقترب واصوات ألقذائف ألمخيفة، نعم إنها ساحة حرب حقيقة .. رددت احلام في سرها " مسكينة سعاد لاتعي مايدور حولها، فهي فقدت القدرة على الكلام وفقدت عقلها منذ أن استشهد عمي حسن الذي كانت تحبه في الحرب العراقية الايرانية قبل ولادتي" . رائد كان يعلم جيدا أن أحلام تراقبه لذلك كان حماسه يزيد و بدأت حركاته المجنونة بكل الأتجاهات تأخذ طابعا تمثيليا, كان يريد أن يثبت لحبيبته أنه فارسها الشجاع الذي يستحقها ويستحق حبها. أم سعاد إقتربت من النافذة وهيَ تصرخ " إبتعدي عن ألشباك يا مجنونة، عسى الله أن تستقر رصاصة في رأسك ونتخلص منك ومن همك "، كانت الأم خائفة وترتجف وهي ترى وحيدها وسط المعركة والذي لم يكترث لها ولتوسلاتها . - في يومها كانت سعاد تعد ألأيام بل الساعات والدقائق لعودة حسن في ألإجازة ألشهرية،، لم يبق سوى اربعة أيام ويعود . كانت خائفة بعض الشيء فأمه كانت عندهم قبل قليل وكانت تبكي لان هناك هجوم كبير في الجبهة وحسن كان في " القوات الخاصة" وعادة كانوا يرمونهم في أماكن التوتر، فبالتأكيد حسن في ألمعركة ألآن . سعاد طمأنت نفسها فهي كانت قد إشترت له قلادة منقوش عليها آية الكرسي، " نعم إنها ستحميه، سمعت إن من يحملها يبعده الله عن ألخطر"، ناولته اياها من الشباك عندما كان يهم بالإلتحاق فوضعها بيده مسرعا دون ان يراه احد . - إقترب رائد من شباك بيت أبو حسن ومدت له أحلام شيء ما أخذه مسرعا دون أن يلحظه أحد وعاد ليتخذ من أحد الزوايا ترسا يحتمي به. كانت ألمدرعات تقترب وتطلق قذائفها بقساوة وبالمقابل يرد عليها الفتيان بمايمتلكونه من أسلحة ليس من العدل مقارنتها مع المقابل . - جاءت " نوسة" أخت سعاد تركض إلى بيت أهلها وهي تصرخ " حسن جابو.. حسن جابو.. ِشهيد " . صرخت سعاد بكل قوتها " حسسسسسسسن لاتتركني وحيدة أرجوك ..." . - وسمع صوت صراخ من شباك بيت أبو حسن الزغير ... انها أحلام تصرخ .. " رائئئئئئئئئد لا تتركني وحيدة أرجوك ..." . أليوم تقف أحلام في الشباك و سعاد في الشباك المقابل ... بلا خوف ولا إكتراث ... فالذي ذهب لن يعود.
|
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |