قصة

 

محاكمة الإنسان وتؤجل الى اشعار اخر

 

التفات حسن / بابل

 

ساد الهدوء قاعة المحكمة إلا من الهمهمات الطبيعية التي تسبق عقد الجلسات وبالرغم من أن اليوم لا يحوي سوى قضية واحدة إلا أن القاعة قد امتلأت عن آخرها وذلك يبدو لأن القضية تهم الجميع أو قد تؤثر عليهم وبدا كل شخص منهمك في ما يفعله أو يقوله فالحراس يدفعون المتهمين أمامهم إلى القفص كي يتراصوا فيه انتظاراً للمحاكمة التي لطالما أجلت وقد طال انتظارها وعندما حان موعد نظر القضية أغلقت الأبواب وساد الصمت ودخل القاضي الذي أمر الحاجب أن ينادي على المتهمين ويتأكد من حضورهم فنادى الحاجب :
- المتهمين.. ( القلب )، اليد، القلم، الوحدة، وزوجها الملل.
سأل القاضي :
- والدفاع ؟؟
أجاب الدفاع :
- الرومانسية ) حاضرة عن ( القلب ) واليد والقلم أومأ القاضي برأسه ثم أشار إلى الادعاء ليعرض القضية فقام ( العقل ) ليبدأ عرض القضية قائلاً :
- سيدي القاضي.. إنني ولأول مرة في التاريخ أقف كي أحاكم رئيسي المباشر ( القلب ) لكنني قد مللت من نصحه ومحاولة إثنائه عما كان يعمل دون جدوى سيادة القاضي إن ( القلب ) تزعم مخطط شريراً وارتكب جرائم كثيرة كادت أن تودي بحياتنا بعد أن أحدثت خللاً كبيراً بها انه متهم بالحب الفاشل مع سبق الإصرار والترصد وقد أعانه على ذلك اليد والقلم بكتاباتهما المحرضة على الحب والوحدة وزوجها الملل اللذان قتلا كل ما هو جميل ومهدا له الطريق حتى يقع في غياهب الغباء أو الحب، لذا سيدي القاضي فأنا أطالب بتوقيع أقسى العقوبات عليهم جميعاً حتى يكونوا عبرة لمن يفكر بأنانية وينسى أن على عاتقه مسئولية هو حاملها وشكراً سيادة القاضي.
التفت القاضي إلى الدفاع وقال :
- الدفاع يتفضل.
وقفت ( الرومانسية ) وقالت :
- أنا أشكر الزميل ( العقل ) على كلمته الموجزة وإن كنت أريد أن أوضح أن موكلي ( القلب ) لم يكن على علم بأن الحب الذي انتهجه سوف يفشل أي انه لم يتوافر عنصر ( سبق الإصرار والترصد ) كما أوضح الزميل، واسمح لي سيادة القاضي أن أوضح لعدالتكم كيف سقط ( القلب ) فريسة سهلة في أيدي الوحدة القاتلة. سنوات طوال و( القلب ) ساكن لا يتحرك يؤدي عمله بإتقانٍ شديد وبهدوء دون شكوى أو ضجر ولكن سيدي إننا لا نحيا في هده الحياة وحدنا فهناك من يساعد وهنالك من يثبط هكذا كان الحال اجتمع على موكلي عدوان محنكان هما الوحدة وزوجها الملل واللذان شرعا في إغواء موكلي بارتكاب الجريمة - كما يسميها الزميل ( العقل ) – ومهدوا له كل شيء وأعدوا العدة وأوهموه أن ما يفعله هو الصحيح وأنه سينجح، ولأن موكلي لم يختلط بالبشر من قبل ولم يجرب هذا الشعور فقد استسلم لهم بسهولة خاصة وأنه كان يسمع عن لذة الشعور بالحب فأراد أن يجرب لذا سيدي فأنا أود من سيادتكم الاستماع إلى الشاهدة الأولى.
أشار القاضي إلى الحاجب كي ينادي على الشاهدة فنادى الحاجب :
- الشاهدة الأولى الأذن.
تقدمت ( الأذن ) من منصة الشهادة وبعد أن أدت القسم سألها القاضي عن معلوماتها، تنهدت ( الأذن قبل أن تجيب قائلةً :
- سنوات يا سيادة القاضي وأنا أسمع عن قصص العشق والحب التي ألهبت العقول قبل القلوب وأسمع أيضاً مشاعر وشكوى الآخرين ولا أمل من إرسالها إلى ( العقل ) كي يحلها ولكن كان ضرورياً أن يتأثر ( القلب ) بما أسمعه ولو حتى بالتعاطف مع هؤلاء ( الآخرين ).
اختتمت ( الأذن ) أقوالها ثم انصرفت فقانت ( الرومانسية ) كي تستكمل الحديث :
- إن موكلي لم يكن يكتفي بالتعاطف مع ما يسمعه وحسب - كما أشارت ( الأذن ) – لكنه كان يفعل ما هو أكثر فقد كان يصدر أوامره للعقل كي يفكر معهم ويحاول الوصول إلى حل ٍ لمشاكلهم كما يترآى له، كل هذا دون أن ينتظر كلمة شكر أو تقدير أو اهتمام لشكواه التي لم يعرها أحد أي انتباه وكأنه من المفروض أن يكون قلباً بلا مشاعر لذا سيدي أنا أطالب بتأكيد ذلك بسماع أقوال الشاهد الثاني.
نادى الحاجب الشاهد الثاني ( اللسان ) الذي تقدم وأدى القسم وبدأ حديثه :
- سيدي القاضي إن كل محاولاتي لإيصال مشاعر ( القلب ) لمن حولي من الأصدقاء قد فشلت إما لعدم اهتمام أو من يسمعني ثم يتخذ من كلامي مثلاً ليدلل به على حالته أو من يستمع إلى ثم يتجه إلى الفلسفة كي يشعرني أنه فهم أو من يسخر من كل ما أقصه حتى أحس ( القلب ) أنه أخطأ عندما رشحني للكلام في هذا فأسكتني واستعمل القلم علـَّهم يفهمون.
أنهى الشاهد كلامه وانصرف وعادت ( الرومانسية ) لتستكمل دفاعها عن ( القلب ) :
- سيدي القاضي بعد سماعنا شهادة الشهود اسمح لي أن أسأل ما ذنب ( القلب ) وهو محاصر بين إيحاءات الملل والوحدة وبين تجاهل الجميع وتحميلهم له بمشاكلهم الخاصة ؟ كان لابد يا سيدي أن يعبر عن نفسه كان لابد أن يخرج ما بداخله في شكل الكتابات التي كانت تقوم بها اليد بمساعدة القلم وكان لابد أيضاً أن يبحث عمن يسمعه هو شخصياً، ويهتم به وبمشاكله ويتوقف عندها ل وتكون هي شغله الشاغل. ربما كان ( القلب ) مخطئاً في اختياراته لكنه ليس المخطئ الوحيد أمامنا اليوم فهو لم يسعَ إلى الخطأ بمفرده بل قد زينت له الوحدة والملل هذه الاختيارات الخطأ، أوهموه أنه يسعى في سبيل حل مشاكله، أن حلها كلها يكمن في الحب. الذي فشل لأن ( القلب ) لم يكن يمتلك الخبرة كما أشرت سيدي إن كان لزاماً أن نحاسب ( القلب ) فلابد أن نحاسب الجميع كل من اشترك وخطط ودبر لهذه الجرائم. سيدي في النهاية أنا أطالب بتوقيع أسي العقوبات على الوحدة التي ارتكبت كل هذه الجرائم بمساعدة زوجها الملل. سيدي أيضاً أطالب بالنظر بعين الرأفة إلى ( القلب ) الذي لم يمتلك سوى أن يحاول، ولليد أيضاً التي كانت تحاول أن تساعد في خلاص ( القلب ) من آلامه، وشكراً سيدي القاضي.
التفت القاضي إلى ( العقل ) وسأل :
- هل يحب الادعاء أن يضيف شيئاً ؟؟
وقف ( العقل ) وقال :
- سيدي ربما كان ( القلب ) بريئاً لكن سيدي أنا لازلت أصر على أن اليد قد شاركت في الجريمة بشكل واضح لذا فأنا لازلت أعتبرها مخطئة في نظر القانون وأشارك الدفاع رأيه في أنه لابد من ردع كل من شارك في هذه الجرائم ليعتبر بها كل من تسول له نفسه أن يحب... وشكراً.
أخذ القاضي يقلب في أوراقه ثم نظر إلى الجميع وقال :
- حكمت المحكمة حضورياً على كل من الوحدة وزوجها الملل بالإعدام حرقاً.
- وإيقاف اليد عن الكتابة والتحفظ على القلم وتشميعه بالشمع الأسود.
- وحكمت ببراءة ( القلب ) مع غلاقه تماماً حتى إشعار آخر.
 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com