|
قصة قصيرة
طائر المـــرايا محمد رشيد
أوراق الكتب التي هضمتها مخيلتي بدأت تتفتح أزهارا لربيع ثقافي لم يذبل أبدا ، خطوات فكري سارعت بالصعود في قطار الارتقاء حتى وصلت أمنياتي ، وجدتها مبتسمة لي منذ زمن مضى إلا أنني كنت منشغلا عنها ، لكنها بقيت تنتظر لأيمم وجهي صوبها كزهرة الشمس ، الاجواء الضبابية التي نشرها الاصدقاء هي من حجبت بريق الشمس لذلك تركتهم يتجهون صوب الغروب متجها لشروق العلاقات التي تمطر علينا كتبا ومرايا وأصاحب هذه المرة مخلوقات أليفة ، كان الحمام من نصيب المنزل وفي بيت السرد اقتنيت ذكرا وأنثى من طيور الجنة، بمرور الأيام اكتشفت هذه المخلوقات الصغيرة تمدني بالوقود وتجعلني في كامل حيويتي ، غرست في دواخلي أنسانا يحيا كما يريد بعيدا عنهم ، أصبحت هذه المخلوقات الأليفة وحدها في الكون من تمنحني السعادة والطمأنينة التي افتقدتها من زمن طويل ، الشيء الجميل فيها انها تمنحني السعادة صباح كل يوم في المنزل مع الحمام وانا اهيئ طعامه بأصابعي من حاشية الرغيف ومساء في (بيت السرد ) حينما اضع قفص طائرا الجنة قبالتي وامتع ناظري حيث يكرزن " الدخن " ويتشاكسن ويمارسن الحب امامي بلا حرج ، لكن سعادتي في بيت السرد لم تدم طويلا بدا بريقها يأفل فهناك من نال من الانثى والتهم رأسها ، حزنت على صديقي الوحيد ولا اعرف هل اني اواسيه..؟ أم أواسي نفسي؟ ، بعد فترة من الحزن على انثاه جلبت له انثى اخرى لكن لم تمض اياماً على سعادته معها حتى فارقت الحياة ايضا، عاد لمحطات احزانه مجددا ولشدة خوفي عليه من ان يتلبسه الحزن من جديد جلبت له انثى ثالثة لكن يبدو هذا الطائر مثلي تماما لم يبتسم الحظ له مع من أحب فانثاه فارقت الحياة ايضا بألم ولوعة وعلى مقربة منه دون ان يمد لها جناح العون لقد ماتت بـ (عسر بيضي) حزنت مجددا على هذا الطائر الذي بدأت احبه لانه يشبهني و .. و .. ، حينما رايته على مقربة منها وهي ملقاة على ارضية القفص قررت وقتها ان لا اشتري له انثى أبداً خوفا عليه من الحزن الذي بدأ ينخر في دواخله فترة طويلة لذا قررت ان افتح باب القفص واترك له حرية الاختيار في ان يبقى يشاركني وحدتي في (بيت السرد) او يذهب لمكان يقرره جناحاه ، تركته فترة طويلة بسبب سفري ولما عدت تألمت جدا عندما شاهدت ثياب الحزن والوحدة ترتديه حتى ألوان ريشه فقدت بريقها هنا تراجعت عن قراري وفكرت ان اجلب له انثى عله يستقر هذه المرة وينسج عشه الزوجي كبقية الطيور لينعم بدفء فراخه، وانا متكئ على وسادتي منشغلا بأفكار و … ولا ادري كيف داهمني النعاس وحينما صحوت شاهدت الكتاب هو الآخر فاتحا ذراعيه غافيا على صدري .في تلك الفترة الزمنية التي استسلمت للنوم فيها زارني حلم جميل لم أحظى بمثله يوما وللمرة الاولى شاهدت ابي الذي ودعنا منذ زمن طويل إلى(مدن المرايا) يهدي لي طائرا جميلا لم ار مثله ابدا لقد اجتمعت ألوان الربيع كلها وغفت على ريشه حتى تغريده كان يفوق العندليب . نهضت من الفراش وما زالت بعض المشاهد التي زارتني قبل قليل تفرض حلاوتها على اجواء الغرفة ، آه كم تمنيت ان اقتني ذلك الطائر … ( سحقا حتى لوحات امنياتنا التي ما زالت معلقة على جدران ذاكرتنا خربشتها وقاحة الشظايا … ). غادرت سريري قاصدا المكتبة لأدس بين اضلاعها الكتاب واذهب إلى الحمام ، وانا منشغل بغسل جسدي وغنائي الجهوري خيل لي سماع صوت طائر المرايا ، واصلت غنائي لكن تغريده راح يفوق صوتي المنعكس بين الجدران ولكي اتاكد قفلت الحنفية وصمتت لانصت بكل حواسي … سمعت صوت تغريد متقطع … انه نفس الصوت الذي زارني قبل قليل ودون ان اكمل استحمامي فتحت باب الحمام لاتقصى مصدر الصوت دخلت غرفتي ... ذهلت عندما رأيت طائري وقد غادر محطات احزانه … يطير ويرقص ويحط على عمود الستائر ويرفرف بجناحيه برفقة طائر المرايا … اندهشت حينما رأيت هذا المشهد ، يا الهي كيف وصل إلى عالمنا ومن أي ثقب اسود دخل علينا حينما اقترب طائري منه راحا يتبادلان الزقزقة والقبل فرحت حينما تبين لي ان طائر المرايا انثى لكنني تسائلت من اين دخل هذا الطائر …….. المكان محكم حتى زجاجة النافذة التي كسرت قبل فترة ابدلتها ، المكان كله محكم هل حقا اتى من مدن المرايا؟؟ وهل ارسله ابي ليسعدني بعد ان …و ….. ؟ ؟ وهل الذي كان قبل قليل حلما ام شيئا آخر؟؟ الاسئلة راحت تمطرني ولم اجد أي جواب سوى حقيقة مفادها طائر المرايا انثى لطائري الحزين . لا ادري لم قررت فجأة ان ادخلهما القفص ، خشيت ان اتحدث في هذا الامر خوفا من ان اتهم بالجنون او … ، مرت الايام بشكل اعتيادي وفي يوم ما تأخرت على غير عادتي في بيت السرد بسبب قصة اردت انجازها كان عنوانها(طائر المرايا) فقررت المبيت فيه ، اودعت رأسي بأحضان الوسادة وغفوت متمنيا احلاما سعيدة كما طرزت على شرشف الوسادة . لا ادري كم من الوقت مضى صحوت على ظلام دامس …. الهدوء توسد المكان ، بقيت دقائق عديدة عيني واذني تعطلتا عن عملهما تماما ، وقت طويل مر وانا اتأمل ذلك الطائر العجيب لكن وانا غارق في التأمل سمعت صوتا ………… صوت كعب حذاء ……… بدأ يرتقي السلم مما قطع ما كنت افكر فيه بدأت اذني تصيخ السمع ……… نبضات قلبي بدأت تهرول ……… شيئا من الخوف سكنني ، الصوت بدا يعلو ، نبضات قلبي راحت تزداد ، الطمأنينة بدأت تتبدد وتذوب سمعت صوت باب السلم المفضي إلى الصالة وهو يفتح بهدوء مميت هنا تجمد الدم في عروقي … لم استطع الحراك بدأت اشعر بالخوف من المجهول ولا مفر … السرير هو المكان الوحيد الذي تحسست الامان فيه ، صوت الكعب راح يعلو رافقه اغلاق باب الصالة بهدوء …. كعب الحذاء راح يقتحم الصمت بحركته ، توقف فجأة ، عاد قلبي لهرولته البطيئة ………. سمعت صوت امرأة …….. اندهشت …….. لمن هذا الصوت ؟ كيف دخلت ؟ الباب الخارجي مقفل من الخارج ومتربس من الداخل ؟ بدأت تتكلم … مع من تتكلم ؟ اثناء حديثها تبين لي ان الصوت لـ (غازي العبادي) اندهشت لانها تتحدث مع الصورة المعلقة على جدار الصالة ، الغريب هو كيف خرج الصوت من جماد الصورة المعلقة ؟ اقنعت نفسي باني لم اسمع شيئا والا جننت ، لربما الخوف الذي نما بداخلي بسبب الظلام جعلني اتصور واسمع هذه الاصوات .. يا الهي هذا صوتا آخر غير الاول راح يحدثها حاولت مرارا التعرف عليه ، اخيرا تبين لي الصوت فإذا هو (موسى كريدي) عجبت من هذا الذي يحصل ، بدات امسك وجهي لاتبين هل هذا الذي امر به الان هو حلم ؟ مرة اخرى بدا الحوار ولكن هذه المرة جاء الصوت من حنجرة (علي جواد الطاهر) ولكي اتبين بان هذه حقيقة رحت اعض كفي بقوة إلى ان صدر مني صوتا من شدة الالم كان الصوت عاليا اخترق سكون المكان ، انقطع الحوار للحظات وعاد الهدوء من جديد ، بدا صوت الكعب من جديد لكن تحسسته هذه المرة ينطق خطوة بعد اخرى ….. اعلى …….. اعلى …….. نبضاتي راحت تركض سريعا كلما علا صوت الكعب ، لم اشعر الا وانا في احد اركان الغرفة ملتصقا به سمعت أكرة باب غرفتي تفتح …….. انفتح الباب ، شممت عطرا لا مثيل له ، راح الصوت يتجه نحوي وانا احاول دفع الحائط إلى الخلف ، اتجه الصوت نحوي اكثر …. اكثر …….. حتى تحسست شيئا ما يمسكني هنا غبت عن الوعي ، لم اتذكر ما حصل لي بالضبط وكم من الزمن مضى ، صحوت على رائحة العطر نفسها ولم ار شيئا بالمرة ، هالني رائحته الكونية ، تحسست جسدا دافئا بالقرب مني يضوع بهذا العطر الاثيري بانت بعض ملامحه وكانه استحم بنور القمر ، جسدا لم المس نعومة مثله من قبل او من بعد، بدأت أشاهد هذا الجسد بأصابعي التي راحت تتجول بارتعاش وخوف ولذة على كافة تضاريسه وفمي راح يزرع قبلاته على كل التلال وفي سهوله ووديانه ورحت اتذوقه وتمنيت ان لا أصحو ابدا حلما كان هذا ام صحوا…. رحت اكرع رضاب فمها متذكرا نيكوس كازنتزاكي وهو يصف مذاق( شراب الراكي ) حتى غفوت فوق تلّييها الحنونين وكفي تحتضنان عصفوري ابطيها .صحوت ولا ادري كيف لكن ضوء الشمس نشر اشرعته الفضية في ارجاء الغرفة ، افقت وجدت فستانا كونيا على سريري يضوع بنفس ذلك العطر ... الذي هالني ليلة أمس …. لكني تسائلت اين رايت مثله ... اين... اين ؟ فستان اجتمعت الوان الربيع كلها وغفت عليه … اين … اين ؟ انتبهت من بعيد إلى باب القفص واندهشت عندما رايته مفتوحا ، اقتربت منه اكثر فلم اشاهد الذكر فقط كانت الانثى مطأطأ راسها وقد اختفى ريشها بالكامل ... عرفتها من منقارها الصغير، رحت أطيل النظر اليها وهي تنظر بحياء امرأة إلى ريشها المنسوج بهيئة فستان معلق على كتفـي ، اندهشت اكثر وانا ابحث عن الذكر فلم اجده بالمرة اذ لم يكن في هذه الغرفة سوى الانثى …… وانـا.
|
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |