قصة قصيرة

 

حدثَ في الجامعةِ .. وطن من رائحة الطابون

مي خالد / السعودية

may_khaled@hotmail.com

في مدينة بعيدة، حيث لا يُسمع صوتُ مؤذن الحرم المكيّ إلا عبر الأقمار الصناعية!

في مدينة جُدّة* الميناء الرسمي لحجّاج البحر الأحمر ، ولكل من يمم قلبه شطر الكعبة ،وفي الجامعة بالذات ،في المبنى الخامس المخصص لكلية الآداب غرفة 508 وفي تمام التاسعة صباحًا،وقفتْ "ميّ " خلف طاولة رفيعة كما لو كانت معدَّة لمايسترو مجهول، وقد فرشت أوراقًاً كثيرةً أمامها،

طبعًا هذه الأوراق ليست نوتةً موسيقية ، لكنها لم تخلُ من الموسيقى بشكلٍ أو بآخر!

وعلى السبورة البيضاء التي تشكل خلفية المشهد أُلصقت صور بأحجام مختلفة : لحنظلة / لناجي العلي ، لغسان كنفاني،لمحمود درويش ،وللمدهش مهند صلاحات!

جيش كامل من الإبداع الفلسطيني الخالد رغم أنف صهيون!

كانت "ميّ " تخصّ نفسها بالكلام : (هؤلاء أعضاء فرقتي،سأدخل للحدود الفلسطينية هذا الصباح،ولن يطلب أحد مني إبراز جواز سفري)!

..

..

..

سنعزف أوركسترا الخلود،ونُشّرع نوافذنا على وطن من زهور البرتقال ، ورائحة الخبز الطازج حيث طابون** أمْ مهند صلاحات الذي يعيش (وابتسمتْ) في قُنِ الدَّجاجات المتمردات (هكذا قالت مي ّ لزميلاتها الطالبات بقسم اللُّغة العربية،في محاضرة فلسطينية صرفة... بينما كانت تحكم عقد الكوفية حول عنقها دفعًا للبرد ، وجلبًا لفلسطين)!

..

..

..

كان مهند صلاحات كرنفالاً مدهشًا في تنوعه الأخاذ من القصة إلى القصيدة إلى مقالات عن حقوق المرأة،ورسائل عجيبة إلى ملكة النحل!

تنهدت ميّ : (أخيرًا مهند صلاحات هنا)!!

بعد أن طاردته ليالٍ طويلة في أكواب الشاي وفناجين القهوة وعلى شبكة الانترنت!

..

..

..

قالت له مرةً: كُن أستاذي؟

فقال: لنكن تلميذين!

كانت تعرف أنّ برتقال فلسطين يجري في عروقه، هؤلاء المناضلون الرائعون ليسوا أساتذةً لأحد..

إنهم أنبياء!

قالت: كُن نبيًّا إذن!

قال: موافق على أن تكون فلسطين رسالتي !

قالت: أنا أوَّل المؤمنين ، كما فعلتْ خديجة ***!

هكذا صارت ميّ اثنا عشر حوارية،وكل الأسباط دفعةً واحدة!

ميّ شعبٌ نسائيٌ قانت!

معلمة لا تعلم في فصولها إلا قراءة القرآن، والشعر الفلسطيني فقط!

.

.

.

هل أخبرتكم أنّ التلميذة الخائبة ميّ حصلت على العلامة النهائية بعد أن ألقت دكتورة الأدب

تحية للصمود الفلسطيني وللإبداع اليعربي ولأم مهند صلاحات ، بينما مازجت دموعها دموع الطالبات!

..

..

..

هل تسمعون صوت موسيقى؟

أنا أسمع!

 

الهوامش

ـــــــــــــــــــــــــ

 *جُدّة هكذا تلفظ بضم الجيم وليس بالكسرة كما نفعل!

شرحها حمد الجاسر ،وعبد القدوس الأنصاري رحمهما الله.

** الطابون: في اللهجة الفلسطينية هو فرن صغير يدوي الصنع، يُصنع من الطين، يكون في داخل الأرض ويتم إدخال العجين له من فوق، وله أيضاً غطاء مصنوع من الطين ، ويوضع فوقه وحوله النار ليصنع الخبز على الطريقة الفلسطينية أيضاً.

*** خديجة: إنْ شئت جعلتها أم المؤمنين

أو فجعلها قصيدة الشاعر السعودي الكبير: محمد جبر الحربي الخالدة حيث جاء فيها:

..

..

..

جاءت فتاة الليل من صبح الهواء فأسفرتْ

دخلت على الأطفال موالا ً، ومالت للحديث فأزهرتْ

قرأت كتاب الله وانتثرت على الكلمات دفئا ً أسمرا

قمراً على وجع القمرْ.

دمعتْ . . . مشتْ

مشت الدروب على خطاها واكتفتْ

بالصمت حين تحدثتْ :

اللوح أسود

فاستروا عري البلاد وسوأة المدن اللقيطة

واحتموا بوجوهكم

وتبينوا أن جاءكم نبأُ

..

..

.. ا هـ

 

  

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com