|
قصة قصيرة قــهــوة أمــي (من يوميات الحنين) عبدالرزاق الربيعي / سلطنة عمان /مسقط "لا منزل لك في ارض لا أم لك فيها" - سماء عيسى "للسواد في ثوب أمي ذاكرة لا تشيخ لذا قدمتني له وقالت : ضمه الى صدرك فضمني الى القصيدة قدمتني للبكاء قالت له : -اغمره بمياهك فاغرورقت عيناي بالفجيعة قدمتني للألم قالت له : هذا شقيقك فبتسم لي الحزن واعشوشبت على ضفاف طفولتي شظايا من حروف" (مقطع من قصيدتي محنة صقيلة )
اول ما بدر بذهني عندما اخبرني الصديق سالم العمري انني سأكون ضيف البرنامج التليفزيوني قهوة الصباح ليوم الخميس الماضي ان امي التي لم ترني منذ اثنتي عشرة سنة ولم ارها منذ قرون سوف اقتحم جلال شيخوختها لترى الولد الضال الذي يحن الى خبز امه وقهوة امه مثلما حن لهما الشاعر محمود درويش قبل ان ينطفيء نور عينيها وهو في غربته يلوك مع صوت مارسيل خليفة انشودة الحنين : فتكبر في الطفولة .. يوما على حضن امي واعشق عمري لاني اذا مت اخجل من دمع امي قال العمري: المساحة المقررة لفقرتك عشر دقائق من عمر البرنامج قلت له : عشر دقائق؟ زمن طويل في حساب قلوب الامهات! زمن لا يحلمن به كثيرا في هذا الزمن الذي وئدت به احلام الاولاد الضالين!! * * * في المساء اتصل بي العمري ليأخذ بيانات تسهل عملية دخولي مبنى الاذاعة والتليفزيون وليؤكد لي الموعد قلت مع نفسي لابد ان اكون صادقا معه فاقولها بكل صراحة الذي يهمني من الاستضافة ان امي ستراني على غير موعد بعد هذا الغياب الطويل ولو رؤية ضوئية خاطفة بلا قبل ولا بكاء ولا رائحة ام سوى رائحة الغياب المدافة بقهوتها المرة!! اجاب العمري: انها فكرة قصة قصيرة. قلت بل لوعة من الزمن العراقي المتخم باللوعات. اتصلت باخي الكبير ابلغته المفاجأة التي اعددتها لامي فادهشته (فانتازيا) الفكرة هو الاخ نفسه الذي بكيت عندما رأيته قبل عامين عبر قناة الجزيرة بعد فراق دام عشر سنوات وهو يتحدث على الهواء في موضوع اخر موضوع لا يخص لقاءنا المفترض بين من بغداد يطل عبر الشاشة اشتعل رأسه شيبا واخر في مسقط يراقب هذا الوجه في زمن اخر خارج قوس الحرب! وللحرب اقواسها المفتوحة على اوجاع لا تنسى خلال الحرب الاخيرة التي اشعلتها الولايات المتحدة الامريكية على بلدي العراق في مارس 2003 نسفت الطائرات الامريكية مراكز الاتصالات فانقطع التواصل مع الاهل تماما ولم نعرف على رأس من سقطت قذائف الموت الامريكي!! اتصل بي من الرياض الصديق ميسر الشمري مدير المكتب الاقليمي لجريدة الحياة ومراسل قناة الـ(LBC) في الرياض سألني عن الاهل؟ قلت له لا ادري ما الذي حصل!. قال لي لا عليك سابلغ مدير مكتبنا في بغداد عباس راضي صديقنا المشترك ليقوم بزيارة الاهل والاطمئنان على سلامتهم وتصويرهم تليفزيونا وهم يبعثون التحيات لي ضمن برنامج اعدته القناة اسوة بقناة الجزيرة في ردم الفجوة التي حصلت بسبب انقطاع الاتصالات بين عراقيي الداخل والخارج! في اليوم التالي اتصل بي الشمري قال لي ان شبابا يحرسون المدينة مدينتنا لم يسمحوا لسيارة القناة بالدخول كانت الحكومة قد اختفت في حفرة الهزيمة فتطوع شباب المساجد لحماية المدينة وقد نجحوا في ذلك لان البلد باكمله بقي شهورا بلا حكومة!! في تلك الايام سرق المتحف العراقي وعمت الحرائق وحرقت المكتبات وانتشرت الفوضى. فاصر الشمري على طلبه فوعده عباس راضي بانه سيذهب بنفسه للاهل وبدون كاميرات لكي يسمح له اولئك الشباب بالدخول وبالفعل نجح في مسعاه واستطاع الوصول الى اهلي وشرب قهوة امي ودعا اخوتي الى زيارته في مقر القناة بفندق فلسطين مريدبان لتصوير تحياتهم لي فبقيت مصلوبا على شاشة التليفزيون دون ان اعلم ان اخوتي لم يذهبوا للمكان بسبب خطورة المنطقة! بعد ذلك التاريخ باسبوع ذهب ميسر الشمري الى بغداد موفدا من قبل جريدة الحياة وكان اول شيء فعله ان ذهب الى بيتنا واتصل بي من خلال هاتف الثريا وسمعت حينذاك صوت امي واعود الى الذي حصل معي صباح الخميس الماضي.. نهضت مبكرا لملاقاة امي عبر شاشة التليفزيون ارتديت افضل ما عندي لاكون بمظهر لائق عندما اقف بين يدي امي ولو عن بعد الاف الاميال!! قبل بدء البرنامج بدقائق بعثت عبر الموبايل الذي وضعته على الصامت رسالة قصيرة لاخي اذكره بالموعد وكان الذي يفصلني عن امي بضع دقائق فقط. ثم حدث الارتطام ذابت المسافات فاحسست انني شممت رائحة امي بعد انتهاء الفقرة التي استغرقت اكثر من الوقت المقرر شعرت كمن نزل من مركبة فضائية اخترقت ابعاد الزمان وحدود المكان ثم عادت بسلام. حدقت في الموبايل وجدت رسالة من اخي فتحتها على عجل قرأت عذرا اخي قبل بث البرنامج انقطع التيار الكهربائي خيرها بغيرها. اندلقت قهوة امي.
|
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |