|
قصة قصيرة
بالتفصيل صالح الرزوق ترددت عند باب المطعم قبل أن أتبع السيد ( س ) و صديقته. أفضل أن لا أذكر اسمه حفاظا على أسرار المهنة. كانت التعليمات أن أسجل عنه كل التفاصيل الممكنة. تلقيت ذلك برسالة صوتية على الموبايل ، و تبعها شيك مصرفي لا يسعني أن أرفضه ، و هكذا تورطت في القضية. كان للمطعم بوابتان ، و لكل منهما عتبة من الرخام. تهيبت هذا في البداية . كل القضايا السابقة كانت ضمن الدائرة ، تتعلق بعرب أو مهاجرين ، بؤساء على الأرض. و في أغلب الأحيان كانت الشرطة هي التي تطلب مني الخدمات. أعترف أن هذا ليس لائقا ، أن أستغل أصولي لأصبح عينا عليهم. و لكن في نهاية الأمر هنالك دائما نفوس خبيثة لديها استعداد لهذا النوع من الأعمال. تأملت أيضا من المكان الذي أقف فيه نوافذ المطعم المضاءة من الداخل ، و لكن الكتيمة من الخارج. لقد كان بوسعها أن تكتم أسرار الآخرين ، و أن تجذب انتباه المارة من عابري السبيل. إطار من الجير الملون و المزخرف بأشكال هندسية تذكرك بطبيعة البشر المعقدة ، ومتاهاتها و امتداداتها ، و طريقتنا الانطوائية في التعبير عن لغز الوصول الإنساني.و من وراء ذلك زجاج مضاعف و معشّق مثل الذي تجده في الكنائس ، موزاييك بالألوان. و لكن عوضا عن التشكيلات الهندسية تجد صورا تمثل قديسين و شياطين و ملائكة في حالات ورع أو تبتل. و حينما اقتربت من البوابة ، التي تنفتح أوتوماتيكيا ، سمعت أصوات ألحان موسيقية تعزف. و لا شك أنها كانت تأتي من مكبرات صوت. كانت الألحان في الحقيقة مبهمة على ثقافتي ، غير أنها قادرة على بعث بهجة غير استشراقية في النفس. استقبلني في وسط الصالة نادل ببذة سوداء رسمية و قميص له أكمام بيض و ياقة منشاة و ربطة عنق رصاصية بلون بؤبؤي عينيه تماما. كان يبدو لي مثل ثعلب في الأدغال. لم يكن ينقصه الحذق في المجاملة ، مع ابتسامة فطرية و بريئة و ربيعية لها شذا ورود الموسم. أخبرته أنني أفضل لو أختار منضدتي بنفسي. فترك لي ذلك بإشارة تسليم و طاعة من كلتا يديه. حتما نقبت بنظراتي عن السيد ( س ) و صاحبته ، و حاولت أن أجلس وراءهما في مرمى البصر دون أن ألتفت انتباه أحد. و هكذا سنح لي أن أؤدي جزءا آخر من عملي. أخرجت الدفتر ، دفتر المذكرات الصغير الذي أحمله ، و سجلت عليه بدقة ماذا رأيت. و سهل لي المهمة أن المطعم يتبع نظاما واحدا في كل ما يخصه . كانت طاولتي عبارة عن صورة بالمرآة ، أو لنقل نسخة بالكوبون ، من كل ما عداها. تامة الاستدارة بثلاث قوائم ، غطاؤها أخضر مبهج بلون أعشاب المروج ، و عليها كوب يحمل زهرة ليلك و بمحاذاته قائمة بالأسعار. و لكن كان إلى جوار مجلس السيد ( س ) و من معه قنديل مثبت بالجدار ، له ضوء غسقي أحمر شفاف حالم ، ألقى ظلا ، لا ينسى ،على وجهيهما ، ذكرا و أنثى. لهذا السبب فاتتني القدرة على تخمين النقوش المحفورة على أزرار سترة السيدة. هل هي من طبيعة شرقية فارسية ، أم أنها تخبرك ببرج مولدها أو ما شابه، الحمق الفلكي الذي استولى على مخادع بعض الرؤساء.. سجلت ذلك على أمل أن أتلافاه حينما نصبح في الهواء الطلق من جديد..
|
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |