قصة قصيرة

 

بالتفصيل

صالح الرزوق

salehrazzouk@hotmail.com

ترددت عند باب المطعم قبل أن أتبع السيد ( س ) و صديقته. أفضل أن لا أذكر اسمه حفاظا على أسرار المهنة.

كانت التعليمات أن أسجل عنه كل التفاصيل الممكنة. تلقيت ذلك برسالة صوتية على الموبايل ، و تبعها شيك مصرفي لا يسعني أن أرفضه ، و هكذا تورطت في القضية.

كان للمطعم بوابتان ، و لكل منهما عتبة من الرخام. تهيبت هذا في البداية . كل القضايا السابقة كانت ضمن الدائرة ، تتعلق بعرب أو مهاجرين ، بؤساء على الأرض. و في أغلب الأحيان كانت الشرطة هي التي تطلب مني الخدمات. أعترف أن هذا ليس لائقا ، أن أستغل أصولي لأصبح عينا عليهم. و لكن في نهاية الأمر هنالك دائما نفوس خبيثة لديها استعداد لهذا النوع من الأعمال.

تأملت أيضا من المكان الذي أقف فيه نوافذ المطعم المضاءة من الداخل ، و لكن الكتيمة من الخارج. لقد كان بوسعها أن تكتم أسرار الآخرين ، و أن تجذب انتباه المارة من عابري السبيل.

إطار من الجير الملون و المزخرف بأشكال هندسية تذكرك بطبيعة البشر المعقدة ، ومتاهاتها و امتداداتها ، و طريقتنا الانطوائية في التعبير عن لغز الوصول الإنساني.و من وراء ذلك زجاج مضاعف و معشّق مثل الذي تجده في الكنائس ، موزاييك بالألوان. و لكن عوضا عن التشكيلات الهندسية تجد صورا تمثل قديسين و شياطين و ملائكة في حالات ورع أو تبتل.

و حينما اقتربت من البوابة ، التي تنفتح أوتوماتيكيا ، سمعت أصوات ألحان موسيقية تعزف. و لا شك أنها كانت تأتي من مكبرات صوت. كانت الألحان في الحقيقة مبهمة على ثقافتي ، غير أنها قادرة على بعث بهجة غير استشراقية في النفس.

استقبلني في وسط الصالة نادل ببذة سوداء رسمية و قميص له أكمام بيض و ياقة منشاة و ربطة عنق رصاصية بلون بؤبؤي عينيه تماما. كان يبدو لي مثل ثعلب في الأدغال. لم يكن ينقصه الحذق في المجاملة ، مع ابتسامة فطرية و بريئة و ربيعية لها شذا ورود الموسم.

أخبرته أنني أفضل لو أختار منضدتي بنفسي. فترك لي ذلك بإشارة تسليم و طاعة من كلتا يديه.

حتما نقبت بنظراتي عن السيد (  س ) و صاحبته ، و حاولت أن أجلس وراءهما في مرمى البصر دون أن ألتفت انتباه أحد. و هكذا سنح لي أن أؤدي جزءا آخر من عملي.  

أخرجت الدفتر ، دفتر المذكرات الصغير الذي أحمله ، و سجلت عليه بدقة ماذا رأيت.

و سهل لي المهمة أن المطعم يتبع نظاما واحدا في كل ما يخصه . كانت طاولتي عبارة عن صورة بالمرآة ، أو لنقل نسخة بالكوبون ، من كل ما عداها.

تامة الاستدارة بثلاث قوائم ، غطاؤها أخضر مبهج بلون أعشاب المروج ، و عليها كوب يحمل زهرة ليلك و بمحاذاته قائمة بالأسعار.

و لكن كان إلى جوار مجلس السيد ( س ) و من معه قنديل مثبت بالجدار ، له ضوء غسقي أحمر شفاف حالم ، ألقى ظلا ، لا ينسى ،على وجهيهما ،  ذكرا و أنثى.

لهذا السبب فاتتني القدرة على تخمين النقوش المحفورة على أزرار سترة السيدة. هل هي من طبيعة شرقية فارسية ، أم أنها تخبرك ببرج مولدها أو ما شابه، الحمق الفلكي الذي استولى على مخادع بعض الرؤساء..

سجلت ذلك على أمل أن أتلافاه حينما نصبح في الهواء الطلق من جديد..

 


 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com