طرقات خافته بكف واهنة على ابوب صدت واعترضت سبيله..
ومسامع وقرت عن سماعه..
وألسن تلكأت عن تلبيته..
جلس القرفصاء على احدى الاعتاب يحمل رأسه بين كفيه ؛؛
وفي ذلك الرأس المثقل بالهموم تدور ألف فكرة وفكرة .
مسحة حزن كست معالم وجهه ..
دموع منسابة .
شهقات مكبوتة..
تنهدات حارة تكاد تلهب شغاف صدره..
مسح دموعه بطرف عمامته التي تدلت على كتفه الأيمن..
حينها تناهى له صوت صرير باب من خلفه..
صوت عجوز اخترقت جوّه الكئيب المتلبدّ بسحاب الأحزان
..
استأذنها بشربة ماء..
أتت له بالماء ثم هتفت من انت؟؟
اجابها :مسلم بن عقيل بن ابي طالب.
قالت: ويحي أبن عم أمير الؤمنين..
أفسحت له العجوز لتضيّفه بعد أن صفق له الآخرين الباب
في وجهه..
صلّى وأخذ يبكي !!
كيف سيخبر ابن عمه الامام الحسين عليه السلام بالأمر.
هل سيقول له أنني أممت في الصلاة 18 ألف رجل وبعد أن
سلّمت "الله أكبر الله أكبر الله أكبر لااله الا الله"
ألتفتت فلم أجد أحدا خلفي!!
هل سأخبره بالخذلان والعصيان والمشي بخطى عمياء خلف
مغريات آل سفيان وآل زياد الفانية!!
بكى فتقطع نياط قلب طوعة ..
وفجأة!!
أصوات حوافر خيل تضرب الأرض بقوة ..
عصيّ ورماح تقرع الباب بشدّة..
وجلت العجوز وخافت واضطرب كيانها الطاهر ..
اقتحموا الدار فطمّنها قائلا : جزاكِ الله عن آل
الرسول خير الجزاء ياطوعة.
شكرها ..
كبّلوه .. وقادوه إلى الإمارة ؛؛ وهناك صعدوا به إلى
أعلى علييّن في القصر المنيف..
تشهد السفير ثم رموا به وأردوه شهيدا..
تفجرّت الدماء من كل مسام في جسده..
تهشم..
غابت الملامح ..
تغيبت الأنفاس..
لم يبقى منه شيء سوى ذكرى عظيمة وفكر متوقد ومآثر
زينّها طابع الإيثار ؛؛ ..
مآثر بقت وستظل باقية رغم الدهور..