|
قصة قصيرة المظلــة تحسين عبد الرضا حسين
في صباح ممطر.. الشتاء نشر أمطاره على معظم الأشياء ألمحيطه بنا , نهض من فراشه واخذ يجول ببصره من نافذة غرفته المطلة على الشارع , كل شيء من حوله مبلل حتى أسلاك الكهرباء راحت ترتعش من قطرات المطر . اليوم هو يوم شتائي , قليل ما يجود الشتاء بمطره في مدينته .. أنه يوم مميز حقا .. (( اللهم اجعل أول يومي هذا صلاحا ووسطه فلاحا وأخره نجاحا )): هذا دعائه المعهود الذي يتمتم به مع إطلالة كل صباح .. توجه نحو الحمام ليغسل وجه واخذ يمشط شعره نظر بالمرآة كالمعتاد ولكنه اليوم فوجىء بشعرة بيضاء غريبة غزت وتربعت على صدره هذه المرة . تأملها قليلا وراح يتمتم يا للهول الشعر الأبيض غزا رأسي وراح يزحف نحو صدري .. لا حيلة لهذا الأمر اخذ يصبر عن نفسه ويطمئنها إن سنوات العمر نضجت ثمارها . ارتدى ملابسه على عجلة من أمره كالعادة وهم بالخروج من البيت وإذا بأمه تناديه قبل خروجه من البيت . ولدي العزيز خذ مظلة أبيك لتحميك من المطر . أجابها شكرا لك يا أمي تتذكريني في كل شيء ؟ وتسائل في نفسه: (( كيف للزوجة أن تكون أما وزوجه في آن واحد )) . هيهات . هيهات . وصل إلى السوق وفتح دكانه الواقع في قلب المدينة وسط السوق الذ يعج بالعربات والعبرات فالعربات تحمل كل صباح للسوق البضاعة المرسلة من العاصمة إلى كل الدكاكين أما العبرات فالشهر محرم وبضعة أيام تفصلنا عن عاشوراء الإمام الحسين (ع) مكبرات الصوت تدوي في كل مكان ...الشوارع اتشحت بالسواد ...اللافتات معلقة على كل الجدران تندد بهذه المأساة وتلعن (يزيد) وكل سفاحي العالم وكل قتلة الطفولة. . مطر... مطر....مطر منذ ساعات الصباح الباكر والمطر ينهمر يا نعمة الرب هذا العام خيرا أن شاء الله. بدأ ببيع بضاعته للناس وطرح مظلته في مكان يابس لكي ينشف الماء الذي علق بها وبأسلاكها المعدنية راح يقف بباب الدكان تارة ثم يعود ويجلس على كرسيه تارة أخرى مشهد المطر فرصة لا تعوض ثم عاد بإصرار مقصود وكان يشعر لحظة بعد أخرى أن شيء ما سيحدث ولا بد أن يحدث غير انه لا يمكن أن يستمر وكل ما تقع عينيه على المظلة يرى قطرات الماء وهي تنزلق من قماش المظلة . ا لوقت صار ظهرا والشارع بدأ يودع رواده وهم على عجلة من أمرهم هذا الذي يضع كيسا بلاستيكيا على رأسه وهذا الذي يغطي رأسه بجريده وهذا الشاب الذي لا يبالي بالمطر وكأنه يتحدى المطر عاد إلى كرسيه وأطلق لسيجارته العنان الجو رومانسي يشجع على التأمل هدأت الحركة ودب السكون في كل مكان وقف عند الباب.. يا أللللللللللللللللللله .... ما هذا ما بال هذه الفتاة تضم رأسها تحت سترتها وتلوذ مثل العصفور بين ثنايا المكان . رق قلبه وخفق مسرعا ولكنها تجاوزته بحركة خاطفة وتمنى في هذه اللحظة أن يكون قلبه لها مظلة وينشره على كل أنحاء جسدها الرشيق وسرعان ما عادت ثانية وبنفس العجالة الأولى إلى مكانها الأول واستنتج أن عودتها إلى مكانها الأول حتما لأمر طارىء او نسيان شيء تريد أخذه . فجأة قفزت بباله فكرة أن يعطيها مظلته أن عادت مرة ثانية ودخل مسرعا وجلب مظلة أبية كأنها إكليل ورد سوف يسلمه إلى الفائز الأول في ماراثون طويل وفتح المظلة ووقف تحتها عسى أن تعود ويقدمها لها لتحميها من المطر .. يا ألللللللللللله ... لقد ظهرت ثانية مسرعة كعادتها تتنقل بخطى كأنها تطرز الأرض بالورود والفراشات كأنها خطوات طفل تعلم المشي توا . أحس بقشعريرة تسري في بدنه وفكر انه لا بد أن تمر من أمام دكانه لا بد أن تمر من أمام الباب. قلبه اخذ يخفق بهذه الثواني القليلة وهو يتأمل وجهها ويحوم بنظراته حولها يريد اصطيادها , هذه الثواني أصبحت ساعات وأخيرا اقتربت أكثر ثم اقتربت أكثر وألان هي بقربه تماما وأطلق للسانه العنان وقال توقفي رجاءا وخذي المظلة لتحميك من المطر رفعت رأسها ورسمت ابتسامة مبلله على وجهها الأبيض وقالت شكرا وبحركة خاطفة رشيقة مدت يدها وتناولت المظلة وغادرت المكان. أخيرا لقد نطقت بأربعة حروف فقط قالت شكرا ما أجمل نبرة صوتها وتمنى أن تقول له جملة تحتوي كل حروف اللغة العربية ولكن أربعة حروف لا بأس بها فهي أفضل من السكوت غابت عن ناظريه ولكنها لم تغب عن باله وتسأئل هل يستطيع أن يطرق باب قلبها ؟؟ انه باب موصد هل يمتلك يا ترى مفاتيحه ويقول بنفسه أتراني اعصر حجرا لاخرج منه ماء؟؟؟ . كم تمنى لو كان الجو صحوا لتمكن من رؤيتها بصورة أجمل واقل سرعة ولكن كيف والمطر اليوم نعمة فهو سبب في أن تكون مظلة أبيه بين أناملها الناعمة البيضاء وعاد يبحث في ذاكرته مقلبا صورتها في فكرة ما أحلى وجنتاها البيضاويتين حتى أن ماء المطر روى هاتين الوجنتين حتى توردت فزادها المطر جمالا طبيعيا دون مكياج فكان عقله شارد تماما وحواسه مشغولة بأمر واحد فقط كيف يعرف ولمن يسأل عن وجهتها والشارع قد ابتلع خطاها بسرعة هل يسأل النسمات الباردة أم حبات المطر وهو في هذه ألدوامه من التفكر وإذا بصديق له رمي عليه التحية من بعيد تنبه ورد له وعيه ورد عليه السلام وأحس انه مبلل تماما من رأسه حتى أخمص قدميه وتبين له منذ لحظة إعطاءها المظلة إلى الآن هو واقفا تحت مرزاب الماء وبدأ بصراع مع نفسه أيدخل أم يظل واقفا حتى يأتيه الجواب عن تساؤلاته؟ هل لها عوده أخرى أم غابت هي والمظلة . ثم غادر باب الدكان وعاد إلى كرسيه ساخرا من نفسه وضاحكا من عقله الصغير .
|
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |