|
قصة قصيرة الكابوس الفنان حكيم نديم الداوودي لا أدري لماذا بدت في تلك الليلة متوترة الاعصاب. حين وجدتها بعيون دامعة في غرفتها الصامتة، وهي تتفوه بكلمات وكانها عبارات وداع. هذه كل ما قالتها صديقتها الشابة ليلى بصوتها المبحوح لجموع من النسوة الحاضرات في العزاء. بالرغم من انفعالاتها العاطفية، الاّ انهااستطاعت ان تكبت شيئاً من همومها متتظاهرَة بقوة التحمل ورباطة الجأش في المواقف الصعبة. وكانت تردد اسمها بينها وبينَ نفسها في لحظة واخرى متمتمةً آخر كلماتها قبل الرحيل .ـ حقا إنها كانت صدمة كبيرة لها، وهي تفارق ليلى رفيقة عمرها على حين غرة ـ ـ وأية حيرة كبيرة هذه، فمازالت كتبها الانيقة مبعثرة بجانب حقيبتها المدرسية القديمةـ ومن حقها ان لا تطيقَ فراقها المفاجئ ،منذ الطفولة وهما رفيقتين وعلى وئام دائم.اجابت المتسائلة المسّنة وهي تتعظ الجالسات بصمت وخشوع ـ ياأم ميديا هو هكذا قلب الأم لا تستطيعين منعها!!.ـ انها مصيبة مسددة في الكبد ولا يمكن استيعابها لوحدها من كثرة الأقاويل والأسئلة الحرجة. ومن تكرار الإجابة ومن صمت المكان او هرباً من الخوف لقادم مجهول. انه اليوم الثاني ، بل المشهد الثاني من لحظات أمها الحزينة والملتحفة منذ سنين بالشال الأسود الذي رسم عليه الزمن بصماته المستديمة من القهر والصمت والوجع. سراب آخر عنقود البيت المكافح بعد غياب الاب في اعتقال قيل إنَ رفيقه الحميم وشى به في زمن الأوغاد بعد أنْ خانَ وخرق كل مفاهيم الصداقة من أجل الجاه والمنصب. وبعد غياب عشر سنوات تستلم أم سراب ورقة وفاته اللغز بلا جثة أو مدفن. تتالت المصائب على مدينته المنكوبة،برحيل سراب فقدت تسعة من ورود حديقتها اليانعة، وقلبها بعد كل مداهمة مقصودة لا ينتهي من الخفقان وكانه طيرٌ سَلِمَ من بين مخلب هرِ متوحش. أتحسبونها عليّ هذه حياة، أم انها مجرد عيشة أقضّيها. فحياتي من بعدهم مجرد حركات روتينية، ولا أرى في هذه الدنيا الغريبة وعلى مداخل الحدود سوى غبار الصحراء،وصراخ العذارى في جوف الليل، وعويل الكلاب المفترسة الجائعة. تذكرت سراديب نقرة السلمان وهراوات الحرس القميء، وقهقهة الخفير السكير الذي كان يعاكس في ساعات الفجر نزيلات الغرف الانفرادية. مستهزءا بهن اين زوجكِ المخرّب، اين هربَ ابنكِ العاق. صافرةمتقطعة، اطلاقات مدّوية،ابن الكلب استغفل الحارس كي يقفز على الاسلاك الشائكة، خائن وهذا مصير من يخون الحزب والثورة.استفاقت من حلمها المرعب على دخان وضوء الفانوس الشاحب الخافت بركن الغرفة، وهو على وشك النضوب. ومنذ اكثر من اسبوع لم يتفرغ احد بمسحه. تحوّل الحديث المتقطع شيئاَ فشيئاَ الى لغط غيرمفهوم. فتاهت هي ايضاَ بينَ الحشود الثائرة. والشبيهة الى حد ما بمسيرة انتفاضة الجياع وإضراب طلاب الجامعة لتحسين مستوى خدماتهم، والرأفة بحال الناس البسطاء بعد تفاقم ظاهرة الفساد والمحسوبية في المدينة والمرافق العامة. نادت على بعض الاسماء المعروفة بكل قوة رغم أنوثتها المذبوحة الاّ انها استطاعت من شرفة دارها العالية إيصال صوتها كي تسمعها الجميع، مشحذةً همم هاتفي شعارات مقدمة المسيرة، ومحيية بكل صدق أمهات الشهداء. مع تلقي نبأ مصرع كبدها العاشر اثر اطلاقات حراس تجار الحروب لتفريق المسيرة. بعد سقوط الشهيد هتف الجميع على طول الشارع المنتفض من خلفها وبصوت هادر وهم يحدقون بغضب للافق البعيد. الستم انتم الذينَ قطعتم لنا الوعود الكثيرة قبل سنين؟. ومنذ اكثر من عقد ونحن ننام في الظلام وناكل في الظّلام ونسبح ونحلم و... في الظلام. ولم يتغير شيء من معاناتنا ولم تنته المسيرة الطويلة الاّ بعد انْ لوّحَ كبير المدينة بيده للافق الملبد بسحب الحرائق، الى متى نقول في صمتنا سلاماً لدموع الصّبر، وهنيئاً لقلب الام، ولفيض الوجدان وهي ترفض الخنوعَ لشعارات المنتفعين من دماء ضحايا طريق المجد والحرية.
|
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |