|
قصة قصيرة
قصة حب الدكتور عبدالكريم الحسني الحجازي الأمين العام للحزب الديمقراطي الأخضر ومنظماته the.democratic.green.party-irq@bostreammail.com حدثت أول قصة حب لي عندما كنتُ في سن المراهقة فقد كنت ألتقي بحبيبتي كل يومٍ وكلَ شهرٍ وكُلَُ صباحٍ ومساء ، صيفاً وشتاء ، ربيعٌ وخريف ، كُنا نلتقي في الحدائق المُزهرة وفي المزارع الجميلة وفي البساتين المُثمرة ، وفي بعض الأحيان كُنا نلتقي في ساعاتٍ متأخرة من الليل نتطلعُ الى السماء الصافية والى النجوم البراقةونَشُمُ ساعتها الهواء النقي ، كُنا دائماً نلتقي عند ضفاف نهرٍ جميل بمائه العذب وكنتُ أعطشُ حينها فأشربُ من ماء الجداول الصافية النقية ، كنتُ أنتظرُ حبيبتي دائماً تحتَ ظل شجرةٍ ضخمة وكبيرة يُقالُ أن عمرها يعودُ للآف السنين بل والى ملايين السنين ولا أحد يعرفُ بالضبط عمرها الحقيقي . كان كل شيءٍ بجانب حبيبتي رائعٌ وجميل ، وكانت من خصائصها أنها تعرفُ كل شيٍْ عن الجغرافيا وعن التأريخ والرياضيات وعن الحشرات والحيوانات والنباتات والأنسان وعن بايولوجية الأرض وعن الأحياء وعن الهواء . ومرة سألتها : من أين لكِ معرفة كل هذهِ المعلومات والأمور؟ فأجابة : ببساطة تعلمتُ ذلك عن طريق المطالعة المكثفة وقد ورثةُ هذا عن آبائي وأجدادي . كُنتُ عندما أجلسُ معها أنسى الزمن والوقت من حولي ، وكنتُ بحضورها أعيشُ أجمل لحظات حياتي . لقد كنتُ دائماً أحِبُ الأستماع الى قصصها وأساطيرها الجميلة وهي تحكي لي عن مغامرات أبويها وأجدادها وكيفَ أنهم ساعدوا في إنقاذ الكثير الكثير من البشر ، فقد كانت تحكي لي دون إنقطاع حكايةٌ تلوا الحكاية وأنا أستمعُ لها بكل شوق وأهتمام . مرة الأيام والسنين ونحنُ على أجمل وأحسن حال حينها أصبحتُ شاباً في ريعان العمر ، أما حبيبتي فلم تتغير ولكنها كانت تزدادُ جمالاً يوماً بعدَ يوم . وفي ذات يومٍ وفجأةً لم تأتي حبيبتي الى موعدنا المقرر وهذا لم يكن من عادتها أبداً وقد إنتظرتها يوماً بعد يوم وأسابيع ثُمَ أشهر وأنا آتي كل يوم وأجلسُ تحتَ ظلال هذهِ الشجرة العملاقة عند ضفت النهر أملٌ مني من أنها سوف تأتي في يومٍ ما ، وبدأتُ أحدثُ نفسي وأتسائل: أَنَ ثَمَتَ أمرٌ خطيرٌ قد حدث؟! . وفي يومٍ من هذهِ الأيام وأنا جالسٌ كالعادة بأنتظارها فقد جاءت حبيبتي وقد كانت علامات المرض على وجهها المشرق ، فقلتُ لها : ما الخطب ؟ ماذا حدث لكِ ولماذا لم تأتي الى موعدنا ومكاننا المقرر؟ فأجابتني بصوتٍ عذبٍ رنان وقالت: كنتُ مريضة. فقلتُ : وما سببُ المرض؟ فقالت: بسبب الماء الملوث أو الطعام الملوث. فقلتُ لها: وكيف ذلك؟ فقالت : أنتَ تعلم من أن الماء هو أكسيل الحياة ، وَرُبَ قطرةُ ماءٍ تُحييِّكَ أو تقتُلُك ! . وأسترسلة تقول: ولهذا فأنهُ عندما تتلوث البيئة تتلوث المياة أيضاً ، وتلوث المياة لهُ أسباب عديدة منها: بسبب فضلات إنتاج المعامل والمصانع التي يرمون فضلاتها بالماء بدون قيود ولا مسؤولية أي من دون إتباع الشروط الصحية والبيئية اللآزمة لذلك. فسألتها: ولكن أليسَ بالأمكان مفاتحة هذا الموضوع مع هذهِ الجهات المعنية في المعامل؟ فقالت: نعم ، ولكن أهل المصانع يقولون إن الذنب ليس بذنبهم وإنما ذنب المواد الأولية التي يستعملونها في الأنتاج ، وعندما تسأل مُصدر المواد الأولية ، فيقولون لكَ من أن الذنب ليس بذنبهم ، ولكن المسؤولية تقع على جهات الأستيراد والتصدير ، وعندما نتحدث مع هذهِ الجهات يقولون أن هذا الذنب يقع على الجهات المسؤولة عن الرقابة الكمركية والتي سمحت لهم بأدخال هذهِ المواد ... ألخ ... وهكذا من مسؤول الى مسؤول ومن جهة الى جهة أخرى تدور وتدور في حلقة مفرغة ولا تعرف من الجاني ، ولكن شيء واحد معروف وهو أنهُ المجني عليه هو الأنسان ومن حوله هو الضحية، وطبعاً بسبب هذا الأهمال تموت وتتضرر الكثير من الثروة المائية مما يؤدي أيضاً عندما نتناول مثلاً الأسماك المريضة ينتقل لنا سمومها ونمرضُ نحنُ بدورنا أيضاً حيث تكثر حالات التسمم وسوء الحالة الصحية ، وفي بعض المناطق يسببُ ذلك الى نقصٌ شديد الى مياه الشرب ، وطبعاً لو لا الماء لأنقضت على الحياة جميعاً. وأخذت حبيبتي تشرحُ لي وهو كيف أنهُ الماء الملوث يذهب أيضاً الى الأرض والزرع وكيف يتلوث الزرع بدورهِ هذا ، وعندما نأكل نحنُ والحيوانات الثمار من الأرض والمزروعات نمرض نحنُ أو تمرض الحيوانات وتموت وهكذا... . فقلتُ لها : وهل هذا كلهُ بهذهِ الخطورة الجسيمة؟ فقالت: وأكثر من ذلك ، حيثُ أن السموم عندما تدخلُ أجسامنا نحتاج الى وقتٍ طويل من العلاج لكي نتخلص من كل هذهِ السموم والتلوثات التي دخلت أجسامنا ، وهذا العلاج يؤدي الى خسائر مادية هائلة ، وبدلاً من أن تُستغل كل هذهِ الثروة في أمور الحياة الأخرى تذهب بدلاً من ذلك الى معالجة الأمراض وشراء الأدوية العلاجية وبالتالي يؤدي بالنهاية الى خفض المستوى المعيشي للفرد. وفي يومٍ من الأيام كنتُ أتذكر من أنهُ كان يومٌ شديد الحرارة ولم يكن صيفاً قط وأنا كالعادة أنتظرُ حبيبتي عند ضفت النهر وجالسٌ تحتَ ظلال الشجرة ، مرة ساعة وساعتان وأربع ساعات ولكن حبيبتي لم تأتي ، ولقد إنتظرتها في اليوم الثاني والثالث وهكذا ... حتى مرة الشهور وبدء اليأس يسيطرُ على أفكاري ، وبدءتُ أفكر من أن أمراً خطيراً حدث لحبيبتي ولكنهُ أخطر من المرة الأولى ، وفي ذات يوم جاءت حبيبتي ولكنها كانت بلون وجهها الغامق المُعتم بدلاً من وجهها الأبيض الجميل ، وعلامات وجهها الشاحب الأصفر وشفتاها الزرقاء بدلاً من وجهها المشرق الأحمر وشفتاها الورديتان، ولقد رأيتُ عليها علامات الهرم والكبر والحقيقة أقول للوهلة الأولى لم أعرفها ولكنني تمعنتُ في النظر فيها حتى تحققتُ من أنها هي حبيبتي . ولم يدعني صبري حتى من أن أرحب بها أو أُسلم عليها وفقط أسرعتُ وسألتها: ما الأمر ولماذا هذا الغياب الطويل؟ فأبتسمت وسألتني: هل إشتقتَ لي حقاً؟ فأجبتها : ما هذا السؤال؟ طبعاً أشتقتُ لكِ. فأبتسمت مرةً أخرى وقالت : إذاً أنتَ حقاً لا تعرف ماذا جرى لي؟ فقلتُ لها : لا أعلم ، ولكن بحق السماء أخبريني ما الحدث؟ فقالت لقد أصابتني ضربتُ شمس. فقلتُ لها: وكيف ذلك ونحنُ دائماً نعيشُ تحت هذهِ الشمس ؟وكما أعلم من أن الشمس لم تتغير ، فهي نفس الشمس؟. فقالت : هذا صحيح ولكنني لا أتحمل الشمس كالسابق. فقلتُ لها: بالله عليك أوضحي أكثر؟. فقالت: حسناً وهل تملك الوقت للأستماع؟ . فقلتُ: نعم ، أنا كُلي آذانٌ صاغية لكِ وأن سمعي وعقلي ووقتي تحت أمركِ. فقالت: إسمع إذا: هناكَ دولٌ التي تتنافس في الصناعات وخاصةً الدول الكبرى منها مثل أمريكا الشمالية وروسيا وألمانيا والهند والصين وكندا واليابان وفرنسا وبريطانيا ... ألخ... هؤلاء كلهم وبسبب إستغلال هذهِ الدول الصناعية الأرض وبسبب الحروب والتجارب النووية وأطلاق الطيران النفاث وصناعة الأيروسولات والتي توجد فيها مادة غاز ( سي إف سي ) والذي كان يُسمى بالغاز العجيب وإطلاق الصواريخ في الفضاء على حساب الأنسان ومن حوله وبسبب تفكير هذهِ الدول الدائم بالأرباح وجمع المال وعليه فقد تبعث هذهِ الدول بسبب كثر المعامل والمصانع الى الفضاء الجوي كمية كبيرة من ثاني أوكسيد الكاربون والغازات المضرة الأخرى هذا مما يؤدي الى تغييرات مناخية كبيرة بسبب إنبعاث الغازات من تلك الدول ، هذا من جانب ومن جانب آخر توجد طبقةٌ خارجية تحيطُ بالأرض إسمها طبقة الأوزونوسفير وهي تعتبر من أهم أغلفة الجو ويبلغ سمكها حوالي 50 كم ، وإن معنى كلمة الأوزون باللغة اللآتينية هي( رائحة) ويكون لون هذا الغلاف أو الغاز أزرق وهو يتكون من الطبيعة أي من التفاعلات الكيموضوئية ، وتركيبهُ الكيمياوي هو أتحاد 3 ذرات من الأوكسجين ، ونسبة ذراتهُ في الهواء هي 10:3 ملايين من ذرات الهواء. إن غاز الأوزون يقوم بأمتصاص الجزء الضار من الأشعة فوق البنفسجية ويُقلل من آثارها والتي إذا أصابتنا فأن هذهِ الأشعة الفوق البنفسجية تدمر المحصولات الزراعية وتخفض من أنتاجها وكذلك تضرُ ضرراً شديداً بالعين وتسبب أيضاً سرطان الجلد وبالتالي الى إنخفاض في مناعة الجسم، أضافةً الى ذلك تدمير الثروة السمكية والحيوانية، وتحلل المواد البلاستيكية. ومن العناصر التي تُدمر مباشرةً طبقة الأوزون هي عناصر ومركبات الكلورين وأوكسيد النتروجين والبرومين. وأسترسلة حبيبتي تُكمل لي وتقول: إن الذي أدى الى مرضها هو أنهُ طبقة الأوزون معدلهُ إنخفض في طبقة الستراتوسفير ولهذا حدثت ثقوب في طبقة الأوزون مما أدى الى تسرب الأشعة الفوق البنفسجية في عدة مناطق من العالم مما ادى الى ظهور أعراض سرطان الجلد حتى عند الأطفال وصغار السن بسبب تعرضهم الى أشعة الشمس مباشرةً وهذا الثقب في الغلاف الجوي يُسمى بثقب الأوزون وهو موجود في منطقة( أنتاركتكا) وهذا الثقب حجمهُ بحجم مساحة الصين تقريباً وتصل نقصان هذهِ الفجوة من غاز الأوزون بها الى أكثر من 35 أو 40 % على أقل تقدير . وقالت أيضاً: هذهِ تقريباً كل الحكاية وكيف أصبتُ بأشعة الشمس المحرقة، وبسبب ذلك ظهر على جلدي الطفح والحروق ومع ذلك ولحد الآن فهناك دول لم تُحاول جاهدةً من التقليل أو الحد من هذهِ الغازات المضرة بسبب المعامل وكثرة أستعمال السيارات والحروب والمفاعل النووي وتجاربها وهكذا إذا أستمرت هذهِ الحالة فأنها سوف تؤدي حتماً الى كوارث سكانية وبيئية كبيرة لا يتصورها العقل.ولهذا يجب علينا التوقف اليوم لأن غداً سوف يكون من المحتمل متأخراً جداً. لقد أستمعتُ الى حبيبتي دون أن أقاطعها وكنتُ أتعلمُ منها أكثر فأكثر كل يوم ، لقد كنا أنا وحبيبتي كأحسن الأصدقاء بل ومع مرور الزمن أصبحنا كالأخوة ، ومرة السنين ولم نرى بعضنا البعض بسبب الظروف القاهرة التي كُنا نواجهها في حياتنا وبسبب إنشغالنا بأمور الحياة الأخرى وفي تلك الفترة كان نصيبي هو أنني تزوجتُ من حبيبتي التي تعرفتُ عليها في أيام دراستي الجامعية ولقد تزوجتُ ورزقتُ منها بأولاد ، وكنتُ في هذهِ الفترة أحدثُ أولادي عن حبيبتي الأولى وكنتُ أُعلمهم وأدربهم ما تعلمتهُ منها ، وكنتُ أسمعُ من بعض الأصدقاء بين الحين والآخر من أن حبيبتي الأولى قد رحلت او سافرت الى بلدٍ آخر أو أنها وجدت لها حبيبٌ آخر ، ولكن كلُ هذا لم يُثير غيرتي وحسدي بل العكس كنتُ أفرحُ لفرحها وأحزنُ لحزنها وأمرضُ إذا مرضت لأنَّ حبيبتي الأولى علمنتي أن أغار بعقلي وليس بقلبي ، ولقد إشتقتُ لها ذات مرة وفي نفس الوقت تذكرتُ من أنها كانت تقولُ لي مِراراً : إذا أردتَ أن تراني مرةً أخرى فأعتني بالماء والهواء والأرض والنبات والأنسان والحيوان وحتى الحشرات وعندها سوف تراني ذات يومٍ أقفُ بجابنك لَكَ ولأجيالكَ القادمة. وفعلاً فقد أخذتُ العمل بنصائحها وبدأتُ أعمل وأعتني بما أوصتني بهِ حبيبتي الأولى وذات يوم وأنا أعمل فقد إلتقيتُ بها مرةً أخرى جميلةٌ وأجمل من قبل وزاهيةٌ رائعةٌ عذبة نقيةٌ صافية وكما تعَّودتُ أن أراها ... وحينها صرختُ من فرحي وبأعلى صوتي ... عادت لي حبيبتي ... حبيبتي ... حبيبتي البيئة...
هذهِ قصتي القصيرة مع حبيبتي البيئة
|
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |