|
قصة قصيرة العطب نجيب كعواشي / المغرب أفطر بكسرة باردة من خبز الشعير وحفنة تمر. جلس تحت نخلة سامقة يمين بوابة المدرسة وراح يستظهر دروسه. استيقظ في الفجر ليعوض الوقت الذي سرقه منه عطب مفاجئ في الكهرباء. هزمه النوم بعد طول انتظار ومقاومة.. جاء بعض زملائه. ظن أنهم سيشرعون في المراجعة تحت ظل سور المدرسة أو تحت النخلة الأخرى, يسار البوابة, ولكنهم شرعوا يحدثون الفوضى والضجيج. أقلقوه وأخرجوه عن تركيزه, وبدأت تضيع منه هذه الفرصة الضيقة. لم يستطع أن يوقفهم عند حدهم أو ينهرهم أو يطالبهم بالتزام الهدوء أو الابتعاد.. بحث لهم عن مبررات: كانوا ضحية العطب.. بلغ بهم الاستهتار حدا قرروا معه أن يضحوا بالفرصة الضئيلة التي مازالت قائمة أمامهم. هو يستغلها وهم يقبرونها. أصبح الاستهتار نية في التخريب وانتقاما من عدو وهمي, صور لهم عقلهم الصغير المشاغب أنه المسئول عن ظلام ليلة أمس. ربما تركوا المراجعة إلى آخر ليلة حتى تكون ذاكرتهم طرية وقابلة لأن تخزن الدروس, وتسعفهم ساعة الحسم.. التقطوا أحجارا صماء وطوحوا بها فعوى صفيرها كرصاصات طائشة, ارتطمت بنوافذ الإدارة فمزق دوي هائل صمت الصباح. هشم زجاج النوافذ عن آخره. أصم الانكسار أذنيه وتجمد في مكانه. لم يقو على الفرار مثلهم. انعطفوا يسارا في زاوية الشارع, وتفرقوا وأصبحوا في مأمن من الانكشاف. خرج حارس المدرسة مذعورا ولم يجد أمامه سواه, فقبض عليه. تراءى له سيف الاتهام على رقبته وشط به الخوف إلى زوايا معتمة. من يصدق أنه بريء؟ من يثبت أنه ضحية الآخرين؟ التهمة على مقاسه, وهذا الحارس غليظ القلب, ضخم الجثة, وذميم الخلقة, تقطر نظراته ظلما وتشع افتراءا, نطق بالحكم قبل أن يعرف التفاصيل أو يسمع دفاعه. غزته قافلة من التساؤلات: هل يباغته ويفر كما فعل الفارون؟ وإلى أين المفر؟ وكيف يفلت من قبضة هذا (الفرانكنشتاين) الذي سد عليه كل المنافذ؟ الفرار معناه ارتداء التهمة والتعرض لعقاب جسدي وعقاب الرسوب.. وربما الطرد من المدرسة.. هل يستكين ويستسلم؟
|
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |