قصة قصيرة

ولو كنا بعيدين

منال صبري

nourelshams2004@hotmail.com

هو يرقد على الفراش وعيناه مركزتان على نقطة محددة في سقف الحجرة أخذ يعلو صدره ويهبط بشكل ملحوظ ...

ولم يكن أمامه ما يفعله ...

وفجأة تقلص وجهه وارتعشت شفتاه

واشتركت ملامح الوجه في التعبير عن شدة الحنين ثم تراخت ملامحه تحت قطرات العرق التي أخذت تتجمع فوق جبهته كقطرات الندى تتجمع على زهرة تذبل ....

انفرجت شفتاه عن شيء غامض

ومالت رأسه على صدره

وفجأة مدد يديه وتلمس صورتها

نظر لوجهها الذي يملؤه الجمال

وارتسمت على وجهه في تلك اللحظة ملامح الحزن واليأس

انتابه شعور حزين ... شعور بأن جدارا أسود يفصل بينه وبينها هو هنا وحده وهي هناك تفصل بينهما وديان يغلفها جبال ضخمة وصلبة ...

يشعر وكأن صدره وقف عن التنهد وأن ملامحه قد أظلمت شعر وكأنه مقيد ... لا يستطيع التحرك ..

أراد لو يصرخ بأعلى صوته معلناً

غادرتني حبيبتي دون كلمة ...وداع

تركتني أرقد في مكان مظلم شاحب ..

مكان تلفه البرودة والصمت من كل اتجاه ...

حياتي أصبحت حزينة ....

أسمع أصوات خافتة ونفوس تفيض بالألم ...

وجوهاً كثيرة بكل مكان ... وجوه شاحبة خالية من التعبير ...

أحلامي بدونها أصبحت سراب ...

أين وجهها الذي كان يشرق حياتي ... أين ..؟ صدى صوتها يتردد بكل مكان ....

أشعر وكأني كتمثال من رماد محترق

أرنو في صمت إليها لأسبح في سكون الصمت ...

السكون يملأ المكان حولي

المكان يزداد ضيقاً ..

أريد أن أصرخ بأعلى صوتي ....

عودي حبيبتي ... عودي من أجلي ....

نفسي أضناها الصراع والخوف ...

الصراع مع الحياة والخوف من المجهول

الذي يختزنه القدر لي ولكِ ...

أجيبيني حبيبتي ...

بداخلي أسئلة تريد الإجابة منكِ

بداخلي شيء يسألني عن سبب مغادرتكِ

لما تركتِنني وحدي ألوك المرارة وأسأل نفسي أسئلة لا أجد لها جواباً ...

القمر أصبح شاحبا ومستديرا

أصبحت انسان غريب عن نفسي ...

انسان لا أعرفه ..

أصبحت إنسان متعب ...

يلفني الصمت والسكون

يدي متراخية على ركبتي في انتظار شيء مجهول ...

الآن يهتز جسدي وترتعش شفتاي

أشعر بأن في استطاعتي البكاء ...

لقد رحلتي حبيبتي وتركتِنني وحدي ...

أقاسي الحزن والمرارة ...

هاهي اغرورقت عيناي بالدموع

التي شقت طريقها خلال وجهي ثم اختفت بيدي ...

لا أكاد أصدق أني لن أراكِ بعد اليوم حبيبتي ...

لما حكم علينا القدر بالبعاد ...

هل لأحد أن يجيبني ...؟

هل لكِ بأن تجيبيني ...؟

ولكن أين أنتِ ...؟

وفجأة

تسرب جزء من ضوء القمر من خلال النافذة

واقترب منه ....

ومسح دموعه ....قائلاً له :

أني أحترق شوقا حبيبي ...

صوتك

أسمعه

ما زال قويا ... أصيلا ... متسعا ...

يشع في أرجائه الحنية ... والأمنة ... والعشق الكبير ...

دائماً تأتي لي في هذا المكان الساكن من كل شيء إلا صوتك ... الذي ما زال صداه يتردد بمسمعي ...

صوتك الهادئ الذي يتخلل بين الحين والحين ...

فتحمل أصداءه همساتك وضحكاتك ...

أسمعه بكل مكان أطوف فيه بالمدينة وشوارعها وحدائقها ..

وأشجارها الباسقات ....

هناك على البعد .... ألمح طيفك ...

هناك يظهر في هدوء ... ومع جلال الغروب

تبدو متألقا بشعاعات الشمس الغاربة ...

ترسل وميضها على كل مكان حولي

وكأن الطبيعة الساحرة كلها في هذا المكان ...

تعلن سرورها .. يمنحها أسباب الجمال والوجود والخلود أريد أن أملأ بصري بهذا المنظر الجميل الساحر أرى أسراب الحمام بكل مكان ....حمام أبيض جميل السماء تبدو لامعة ورائعة ....

فيرد هو قائلاً :

نعم حبيبتي أرى ...

قوس قزح تختلط ألوانه في امتزاج يبدو ساحر يعكس في كل لحظة لونا هادئا جديدا جميلا ...

أشعة الشمس تضفي على المكان جمالا

أراها تسقط ضوءها على كل شيء حولي

الأشجار والأنهار,الجبال كل شيء فيبدو

في شكل بهي جديد ... يملأ النفس بالبهجة والسرور

هــــــــي :

هاهو يتكاثر الحمام بكل مكان حولي

ولكن ينقصني شيء واحد ...

يعكر صفو الجمال حولي ... ويجعل فرحتي لا تكتمل شعور يبعث الحزن في نفسي بُعدك عني حبيبي ....

أريدك أن تكون معي تستمع بهذا الجمال الباهر أريدك أن ترى أسراب الحمام الأبيض وهي تلتف حولي من كل مكان ....

لقد أدمنت النظر إليها ... فهي تكشف للوجدان لمحات جميلة لم تخطر ببالي يوما ....

ألوان قوس قزح ترسم لي طيفك من جديد طيف

ألوانه تعبر عن أسمى العواطف يمزج بينها جميعا الصفاء ...

هــــــــو : متى ستعودي حبيبتي ؟؟ متى ؟؟

هـــــــــــي :

ولو كنا بعيديـن ...

هنالك داخل الأرواح شيئاً ما سيجمعنــا

ولو أصبحت في وطن سوى وطنـي

ولو أصبحت في زمـن غير زمنـي

هنالك داخل الأرواح شيئاً ما سيجمعنـا

هــــــــو الذكرى

وفجـــــــأة بدأ الضوء يتلاشى ...

لحظتها سقط هو على الأرض في اعياء

يرنو في يأس إلى ذلك الضوء الذي يظهر له فيه وجه حبيبته ...

والذي بدأ يتلاشى ....

وفجأة ران على المكان جو رهيب من السكون

ذلك السكون الذي يحمل في طياته بقايا الضوء الذي دخل هنا منذ قليل ....

وفجأة يجد يد تمتد له لتتشابك أيديهم

لحظتها بكت أعينهم ولكن دون دموع ...

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com