|
قصة قصيرة وخَسِرتُ حياتي فاطِمة فتح الله الحجاج حبيسة بين جدران غرفتي الأربعة ، وحيدة أبكي حظي العاثر .. فقد خسرت كل شيء ، بيتي.. زوجي..ابنتي..وضيفتي ..،! لم يبق لي غير هذا الجسد النحيل ؛والوجه الشاحب .. الذي ما إن أنظر إليه في المرآة حتى تصيبني حالة من الخوف وربما الهلع والفزع ، وأتساءل في نفسي : أيعقل أن هذه أنا؟ كل شيء فييّ تغير، إذن أنا مُهمِلة !! نعم أنا مُهمِلة !! فهذه كانت كلمة زوجي لي قبيل طلاقنا .. كانت كلماته الرنانة لا تزال تتردد في مسامعي بصدى مدوي يكاد يصم مسامعي ، فقد قال لي بكلمات جارحة : أنتِ غير قادرة على تحمل المسؤولية ، لأنك مُهمِلة مٌهمِلة مُهمِلة يا سلمى . المسؤولية !! هذه الكلمة التي أخافها ، قد تتساءلون لماذا؟!! ولكني سأوفر عليكم عناء التفكير وهم البحث عن الإجابة لذا سأروي لكم قصتي بل مأساتي ، ولكم الحكم في النهاية عليّ فربما يكون لكم رأيا مغايرا عن رأي طليقي .. تزوجت قبل ثلاث سنوات وعشت حياة سعيدة جدا لا يكدر صفوها إلا حالة زوجي المادية الصعبة ، طرحت عليه فكرة لمزاولة وظيفة ما ، لكنه رفض في البداية ولكني أقنعته بالعمل في التدريس لأنني أحمل شهادة جامعية فوافق على مضض .. وتم قبولي بعد ذلك في مكان بعيد يبعد عن مدينتي ألاف الكيلومترات ، ومع ذلك تحملت ظروف الغربة القاسية جدا بعيدة عن الأهل والزوج والوطن والأصحاب ، فقط من أجل تأمين مستوى أفضل وحياة مستقبلية سعيدة إن شاء الله ... ولكن... صادف أثناء وجودي هناك ولادتي بابنتي ( ليلى) فرحت بها كثيرا وعوضتني قليلا عن الحرمان العاطفي ، والمساحة الخالية التي افتقد فيها أهلي ، وواستني بسمتها العذبة وضحكتها الجميلة عن قسوة الغربة مع إني وضعتها في شهري السابع وبعيدا عن أهلي وأمي .. ولكن رغم فرحتي بابنتي إلا إنني حزنت أيضا عندما علمت إن مدة حضانة المعلمة لوليدها فقط شهرين فهي مدة غير كافية للحضانة ، تألمت كثيرا فأين أذهب بابنتي الرضيعة ؟؟ وبعد تفكير عميق فكرت في استقدام خادمة ... مرت الأيام تبعتها الشهور على وجود الخادمة وأنا أرى فيها الطيبة والأخلاق العالية فقد كانت في منتهى اللطف والوداعة وكانت تحب ليلى كثيرا بل وتخاف عليها وكأنها ابنتها . أطمئن قلبي تجاهها وارتاحت نفسيتي من ناحيتها كثيرا.. كبرت ليلى وأصبح عمرها خمسة أشهر وبدأ جمالها الطفولي يكبر معها ـ يالله كم كانت رائعة !! ومرّت الأيام على هذا المنوال وشعوري بالارتياح تجاه الخادمة بدأ يزداد كل يوم عن اليوم الذي قبله ... فجأة حدث مالم يكن في الحسبان.. فابنتي ليلى قد ذبلت بعد حيويتها وشحبت بعد نضارتها وبدأ عليها الضعف والهزال ، وأصبحت تنام لساعات طوال ولا تستيقظ إلا بعد محاولات عدة ودائما ما تكون صامتة هادئة ولا تناغي كعادتها ، ارتابت نفسي عليها وقلقت كثيرا بل وهلعت لمنظرها فحملتها بلا شعور وصرت أجوب بها الشوارع وأهيم في زقاقها بحثا عن مستشفى أو مستوصف قريب ولكن عبثا فلم أجد .. فهذه المنطقة التي أعمل بالتدريس فيها منطقة نائية ومُهمَله ولم أسمع باسمها إلا حينما أتيت للعمل فيها . رجعت للشقة خائبة وابنتي تذوي من بين يدي ، فتلقفت الخادمة ابنتي مني بكل حنان .. جلست على الأرض بحيرة أنقر سبابتي في قمة رأسي ، حينها نهضت واتصلت بزوجي وأخبرته بكل شيء فطلب منّا الحضور فورا .. فسافرت أنا وابنتي والخادمة إلى منطقتنا ... أهال زوجي حالة ابنتي وذهبنا بها للمستشفى ، وفور وصولنا قال الطبيب : سيدتي ليست هناك أية أعراض مرضية على ابنتك . تعجبت قائلة : ولكن أنظر لحالتها يا دكتور إنها ذاوية !! قال ببساطة وربما ليطمئنني على حالها : قد يكون سوء تغذية وفقط ، ربما أهملتِ في تغذيتها يا سيدة. طأطأت رأسي بأسى ثم نظرت إلى ابنتي بإشفاق وحولت بصري إلى الطبيب صامتة فلن أكون أدرى منه ... ولكن ابنتي مع مرور الأيام بدأت تزداد حالتها سوءا بعد سوء ... وفي ليلة من ليالي الشتاء الباردة استيقظنا على صوت صراخ ابنتي ، كان صراخها غير طبيعيا البتة كان مصدر صوتها دورة المياه فهرعنا إليها أنا وزوجي بسرعة فإذا بي أجد الخادمة تحمم ابنتي بماء حار جدا . ارتعدت الخادمة حينما رأتنا وبكت ، فأخذت ابنتي من يديها بقوة وضممتها إلى صدري فأحسست بتلاحق دقات قلبها ثم شهقت ومالت برقبتها على كتفي فسكنت بلا حراك ... فاتصل زوجي بأقرب مركز شرطة وهناك اعترفت الخادمة بجريمتها التي لا يصدقها العقل فقد قالت : بأنها كانت تحمم ابنتي بماء حار جدا حتى ينشط الدم في جسدها ليتحرك بسرعة وليتدفق بقوة ثم تغرس دبوسا طويلا من(يافوخها) حتى يصل إلى نصف دماغها ثم تنزعه بقوة فيفور الدم في متدفقا كالسيل من دماغها فتأخذ إبرة لتسحب بها الدم فتشربه . وعندما سئلت عن السبب أجابت : لأن هناك منطقة في موطنها يتغذى أفرادها على دم الأطفال ، ولذا كانت سعيدة برعايتها لابنتي لأنها ضمنت لها غذائها فأسرفت وغالت في عنايتها بها ... لم أصدق كدت أجن إن لم أكن جننت بالفعل ، و تمت محاكمة الخادمة ثم تم ترحيلها من حيث جاءت . وقبل خروجنا من المحكمة قدم لي زوجي ورقة ، فتحتها فإذا بها ورقة طلاقي .. فترقرقت الدموع من عيني وأنا أسأله السبب ؟!! فقال بكل جرأة : لأنك مُهمِلة مُهمِلة يا سلمى وغير قادرة على تحمل المسئولية ، فأين كنتِ عندما كانت تمارس الخادمة لها تلك الجريمة البشعة وتلك الفعلة الشنيعة ؟؟ أنت طالق ثلاثا يا سلمى . ورحل !! لقد رحل وتركني غير مصدقة ما يجري وما يدور حولي .. لقد طلقني .. ربما أهملت ابنتي ولكن لا يمنع هذا من أن يتحمل المسؤولية معي هو أيضا. فهو لم يقدّر ظروفي ولم يقدّر تجرعي للمرّ والمرار فقط لأجله وذقت طعم الغربة فقط لأجله ولأجل حياة مستقبلية سعيدة .. الآن خسرت كل شي .. كل شيء، لقد خسرت زوجي بعد طلاقنا .. وخسرت ابنتي بعد وفاتها .. وخسرت وضيفتي بعد أن فُصِلت منها مع إنّي والله لم أستفد منها شيئا .. بل وخَسِرتُ حياتي ..
وقفة قصيرة : فليت تحلو والحياة مريرة ** وليتك ترضى والأنامُ غضاب وليت الذي بيني وبينك عامر ** وبيني وبين العالمين خراب
|
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |