|
قصة قصيرة ظل آخر مامند محمد قادر / كاتب وشاعر عراقي كوردي كان الوقت قبل الغروب. ذلك اليوم وعلى العكس من الأيام الأخرى لم أخرج من البيت، كنت منهمكاً في تفقد مذكراتي القديمة عندما هرع اليَ ابني البالغ تسعة أعوام من العمر عقب دويّ صوت هزّ المنزل. وكان قد شحب وجهه تماماً وفي عينيه رعب ودهشة. قمت مسرعاً من مكانـي. كاد رأسي أن ينفجر من شدة وقعة الخبر عندما أبلغني بنبرة مشتتة: ماما قد أحرقت نفسها. صرختُ متسائلاً وأنا أركض أين ؟ أشار بأصبعه المرتجف الى الحوش الخارجي للمنزل وكان قد وقف بقامته الهزيلة بالقرب من مدخل الحوش. فعند اقترابي من المدخل لاحظت أنّ الباب مقفل ولا يحمل مفتاحه. جرت في عروقي جمرة خوف حقيقي جعلت جسدي خاوياً لا روح فيه. وقد ازال الذعر في هذه اللحظة مني الأحاسيس بالأبوة والمسؤولية عن العائلة. فبدلاً من قيامي بالتأكد من حقيقة الأمر، فقد شرعتُ مسرعاً بأرتداد ملابسي الخارجية على عجل، ودون أن اعرف الى أين أتجه خرجت على الفور من البيت وتبعني ابني منادياً: بابا.. بابا، وقد تركت الباب الرئيسي للمنزل مفتوحاً. لم يحس اي من الجيران بشيء ساعة حدوث ذلك. وعلى الرغم من هول الحدث فقد بدت ليَ أنّ الأمور سرعان ما قد استعادت هدوئها تدريجياً. لم أعرف كم من الوقت قد مرّ على الحادث حين رجعتُ الى البيت. فوجئتُ بزوجتي في المطبخ وهي تقشّر البصل وكانت عيناها قد اغرورقت بالدموع. أسرعتُ اليها، قبّلتُ يدها مراراً وهي تنظر اليّ ببرود وتمسح أنفها بقطعة من القماش الوسخ. بدا لي اِنّه من غير المناسب مفاتحتها بالموضوع. اِتجهتُ الى غرفة النوم، كانت المذكرات كما هي متناثرة على الأرض. لم يلبث كثيراً حين نادتني زوجتي للغذاء، تناولتُ غدائي، استلقيت على الأرض. كانت هناك اعداد كبيرة من الناس، كانوا فتيان ورجال من مختلف الأعمـار. كان الضجيج والفوضى يسودان الهدوء. رفعتُ رأسي ورأيتُ من خلال فراغات القامات ضابطاً وشرطياً، والأخير كان يقرأ الأسماء، أوشك على الذهاب عندما نهضتُ وناديته: سيدي.. سيدي، نظر اليّ بجدية، قلتُ يبدو أنّ هناك سوءاً في التقدير، اِن كان الموضوع زوجتي، فهي الان تتمتع بصحتها الجيدة. أجابني بلهجة محترمة: نعم.. نعم، سوف ننقلك الى مكان أفضل وبخدمات أفضل. اِنك شخصياً.. تم الأقرار على اِحالتك الى المستشفى. خيّل لي اِنّه لم يفهمني تماماً. تقدمتُ نحوه قليلاً، أردتُ ان أوضح له الأمر، قلتُ: أتعرف...، قاطعني وواصل حديثه: وسوف تخرج هناك قريباً، حالتك ليست معقدة، اِنّ الشيزوفرينيا قابلة للشفاء.
|
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |