|
قصة قصيرة إنسان ضائع في زمن الحرب منال صبري
بعد أن فقد الأمل في عودتها .. فتش عن شيء أخر يستحق الاهتمام يريد التعويض عن الأضرار التي ترتب عنها ضياع حياته بأكملها حقوق لابد أن ينالها وألا فما جدوى الحياة والسعي إذا كان مقدرا عليه الفشل في النهاية ؟... ربما كان خياليا عندما ظن أن الفوز بشيء ليس إلا وهما لأن الحياة ما زالت لا تعطي كل شيء فقد تحتم عليه أن يدفع بسخاء قبل أن يصدر حكم لصالحه ومن ثم ندت عنه آهة مثقلة بالجراح ..آه يا أمي ..آه يا أبي ..آه يا أخي ..أنجدوني ..! فما جدوى حياته المثقلة بالهموم أخذ يبكي ..أحس بالضياع فثقلت عيناه وشعر كأنه يريد النوم ليرى نفسه في عالم غير العالم ظهر والده عندما كان يأخذه وهو صغير يصحبه معه كل صباح إلى العمل .. مؤملا أن يسقيه الإصرار والعزيمة وحب العمل منذ الصغر الكلمة التي رددها على سمعه طوال سني الطفولة حتى حفظها عن ظهر قلب ... لابد عندما تكبر أن تكون مثلي ومثل جدودك الذين كانوا يزرعون فلابد أولادهم وأحفادهم يستمروا في العطاء ... كان ( علي ) يملك قوة التمرد والرد على أبيه دائما فقد كان يثير غضبه وألمه .. بخلاف أخيه الأكبر الذي يلبي كل ما يأمره به والده فقد كان شجاعاً يقبض يده على الفأس بمهارة يحسد عليها ... ويظل يعمل ويبني مع والده في زرع الأرض ليكسوها الجمال والاخضرار ليجعل قلبه يصفق فرحا وفجأة ينهض (علي) مفزوع لمجرد التفكير في الماضي فانتفض من فوره وهو على مقعده الخشبي لا يملك شيء سوى بضع وريقات ممزقة كان يكتب عليها كلماته لمن عشقها وتمناها قلبه ... وبعد أن ضاع أخر أمل في حياته ... فما حيلته الآن .. فحاجته أكثر إلى قوة من نوع جديد .. قوة انسيابية تقبض على حزمة من شجاعة بينما صوتها يهدر مدويا يا (علي ) انهض ولا تهدر سنوات عمرك في الأوهام انهض وانظر لواقعك ولا تضيع عمرك في الأحلام فلو مر العمر فلن تستطيع إرجاعه من جديد ... ها هو (علي ) يضع يده على أذنيه لا يريد سماع الصدى وهو يدوي يريد أن ينهضه من حلمه أصبح كالهزيل .. شاحب ..أنفاسه تتردد في ضعف ووهن هكذا بدا ... لم ينصت لكلمات الصدى وهو يردد له انهض يا (علي ).. انهض يا (علي ) وفوق من وهمك وكأن الكلمة مسمار محمي أنغرس في أذنيه لعل آن الأوان لأن يفوق (علي ) من وهمه وينظر للحياة بواقعية أكثر لعله يبحث عن شيئا طالما عذبه وأضناه وفجأة يقف ليقول بصوته المتحشرج نعم .. نعم ... ولكن ما هو واقعي وأين هو واقعي فلم يترك لي الماضي سوى العذاب ولم تخلف لي سنين عمري غير الضياع وفجأة تنفس علي الصعداء وصاح قائلا: فلو تستطيع خلصني من الذي أنا فيه أتستطيع أن تخلصني من طعنات في قلبي دامية أتستطيع أن تخلصني من حب عاش في وجداني يتنفس ويكبر معي كلما أكبر أتستطيع أن تخلصني من طيفها الذي أراه أمامي في كل ركن وكل مكان كأنه ظلي أتستطيع أن ترجع لي سنوات عمري التي ضاعت في الأوهام أتستطيع أن تخلصني من آلامي أتستطيع أن ترسم لي حاضر ومستقبل جديد بدون جرح .. بدون ألم .. بدون دموع أتستطيع أن تضمن لي مستقبل مأمون فلو تسطيع فقد أسمعك ... وان لم تستطيع فاتركني واذهب أيها الصدى .. اتركني أبكي أيام عمري التي ضاعت هباء بدون أي جدوى أتركني .. أتركني .. أتركني أبكي حياتي وأحلامي التي دُمرت في هذه الحياة ومع أصوات هذه الصواريخ والانفجارات والرصاص الذي قتل أبي وأمي وأخي وجعلني أعيش هنا وحيداً بأنفاس تردد في ألم أحاسيسي المدمرة ها هي حياتي ... كل يوم تزداد سواداً وكأنها سلسلة من المآسي المروية بالدمع آه مكتوب في اللوح منذ الأزل أنه سيولد إنسان اسمه ( علي ) لن يرى يوما سعيداً مهما عاش ومهما طال به العمر أراد(علي) أن يضحك على حاله وفجأة حبس الضحكة .. حتى الضحكة أبت ألا تخرج منه وها هو يضيع صوت (علي ) في جلبة الحياة التي يحاول كل فرد فيها أن يخرجه منها ليتسنى له أن يكون في المقدمة ..! لم يعره أحد في الحياة ما بداخله من ألم وحزن وفي الحق لم يفهم (علي) شيئا وبيد مرتعشة و بعد أن اعتلت شفتيه ابتسامة بلا معنى يحضر ورقة ويضع القلم في المحبرة ليخطو كلماتٍ وضعها بعنوان مذكرات إنسان ضائع في زمن الحرب
|
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |