|
قصة قصيرة ليلة بلون الدم حسن برطال / المغرب
صفقت بيدها أحضر الناذل قنينتين من النبيذ..يختلف ثمنهما لكن المحتوى واحد..هذا ما ينص عليه عملي و قانون ( الحانة )..هكذا أجابت حينما انفلت عبر شفتيه سؤال روتيني و اندثرت كلمات بلا معنى كالميز..الإستغلال..الإنتهازية... صففت شعرها ، و لأول مرة شعرت بتمرد الأنامل..و احتراق لنشوة الكحول كلما نظرت في عين هذا الزبون الملتحي..تركت العنان ليدها كي تزحف كالسلحفاة في اتجاه يده المنتحرة فوق ( الكونطوار ) محاولة بذلك قمع هذا النفور الغير المعتاد..و إرضاء زبونها منفذة بالحرف ما يمليه عليها قانون شغلها لكن ، بدون جدوى.. شعرت بأنها تشفق عليه..لا تدري لمادا..و لمادا إذن تطلب من الناذل أن يترك الكل على حسابها.. همست صاحبتها في أذنها قائلة : --- لاأدري ما أصابك هذه الليلة..؟؟.....اخدمي على أولادك....احلبي هذا ( الفيكتيم )... فصرخت في وجها و كأنها تقول لها..إن هذا اللقب لا يليق بهذا الوجه ، عاهرة.. دقيقتان كافيتان لقراءة تقاسيم وجهها و التعرف عليها..إنها هي بالذات..بلحمها و دمها..و ليخفي اضطرابه انشغل بوضع نظارته الشمسية على عينيه..فضحكت بسخرية و نعتته ( بالبدوي ) لأن النظارات الواقية لا تستعمل ليلا..دون أن تدرك بأن خلف تلك النظارات دموع ساخنة بدرجة قنينات ذلك السائل الأحمر المصفف باثقان فوق الرفوف ، خلف ظهرها و فوق رأسها بقليل.. انحنى..حمل جراب ظهره..خطى نحو الباب..ثم توقف..ألم يكن يحترق شوقا للقائها..؟؟..أليست هذه أمنيته فليس هنا فرق ..كل الأمكنة أصبحت واحدة..و بعد تردد واضح , وضع جراب الظهر على الأرض و التفت إليها على نبرات ظحكها المرتفع بسبب نظاراته السوداء كسواد سيجارته الرخيصة التي تبخر المكان بروائح لا تليق بمقام الغواني اللواتي يضعن كفوفهن على أنوفهن كلما مررن بالقرب منه.. صفقت.. نزلت قنينتان..اختفت الموع وسط عرق حمى عابرة..و رداد الجعة..فكانت فرصة سانحة للتخلص من نظاراته التي أصبحت زائدة فوق وجهه.. تكلمت ..حكت عن ماضيها..استظهرت الشريط الرائج بيتذن كل غواني الحانات..و المحفوظ عن طهر قلب... تزوجتُ...إنني طالق الآن...و الجنين لازال في بطني...أكثري بيتا مع الجيران...لا يمكنني أن أصطحبك معي هذه الليلة فصلحب البيت لا يسمح بذلك..كان لا يرغب في الإستماع لكنه يستدرجها للكلام كي تنشغل عنه.. -- كلميني قليلا عن نفسك... -- اسمي السعدية..كان لي أخ يكبرني بخمس سنوات..لا ندري أين اختفى مند عشرين عام.. كانت تتكلم ، و كلما وضعت يدها فوق يده يصفق طالبا المزيد من المشروب الكحولي هاربا من حرارة تحرق قلبه حتى الموت نحو برودة كأس مرشوشة برداد ثلجي..أدركت تهربه فكفت عن مراودته.. -- أما أنا فاسمي ( رامبو ).. قهقهت عاليا..لكن سرعان ما أن اختزلت القهقهات إلى ابتسامة هادئة حينما لاحظت جدية كلامه في ملامحه.. أضاف : تركتُ الأهل في سن مبكر..التحقتُ بصفوف الجيش..شاركت في حرب الفيتنام..و ها أنا أعود بعد عشرين سنة..ليكون هذا المكان أول محطة في بلدي.. استأدن...توجه صوب المرحاض...اختفى....بحثت عنه بين جموع الراقصين..لم تجده..قالت صاحبتها: -- إنهم هكذا دائما..ينسحبون من غير كلمة وداع.. اكتفت السعدية بتحريك رأسها..ثم عادت إلى مكانها حيث كانت تقف..فوجدت ظــــرفــا.. -- ألم أقل لك بأنه لازال في الدنيا أولاد الناس مادام لم يتس عرق جبيني.. أخدت الظرف...تساءلت ماذا سوف يكون بداخله..؟؟..طبعا كالمعتاد..شيكا...أوراقا نقدية.. تصورت كل الأشياء ماعدا أمرا واحدا ظل غائبا عنها إلى حين تمزيقها للظرف ، ورقة صغيرة كُتبَ عليها : --- أخوك جلال../
|
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |