قصة قصيرة

المُشَوَّه

الجزء الاول*

مزهر بن مدلول

mazher-madlol@hotmail.com

في صباح ذلك اليوم ، وفي معسكر التاجي في بغداد ، أُستدعيَ حميد الى مقر الاستخبارات العسكرية ..

وسأله الضابط ، عن اسمه ، وعنوان سكنه في مدينته الناصرية ، وعن حالة اهله الاجتماعية والاقتصادية ، ثم اخذ يلح بالسؤال عن انتمائه السياسي ، ورغم نفي حميد وتمسكه ، بانه مستقلا ولاينتمي الى حزب ولاشان له بالسياسة ،لكن الضابط كان مصرا على .. ( انتم اهل الناصرية كلكم شيوعيون ) . ورافق الاسئلة ، بعض من سخرية واستهزاء من قبل مجموعة من العسكريين المتواجدين في الغرفة ، والذين ينتمون الى ذلك الجهاز .

ثم قادوه الى غرفة اخرى ، وطلبوا منه ان يجلس على كرسي في منتصفها وبدأوا بالتقاط الصور له ومن كل الجهات ، مثله في ذلك مثل من ارتكب جريمة جنائية خطيرة .

شعر حميد بالخطر الذي يداهمه ، فقرر الهروب من الخدمة العسكرية ولم يكن يتوقع بان الناصرية ستضيق مساحتها ، فلم يجد مكان يضيع فيه افضل واحسن من شوارع بغداد  .

حاول ان يبحث عن عمل في العاصمة ، يستطيع من خلاله ان يتدبر امور عيشه ، وبعد معانات كثيرة ، وجد عملا في فندق ، اسمه فندق الرحمن في شارع الرشيد بالقرب من الشورجة .

في ذلك الفندق المهمل ، عمل حميد ليلا ونهارا في تنظيفه وتوارى عن الانظار .

كان مدير الفندق لبناني الجنسية واسمه جمال ، وهو شاب وسيم وطويل وقوي البنية وسليط اللسان ، مكث في بغداد مدة طويلة كما يقول.

في تلك الفترة ، انتشر في العاصمة الكثير من الشيوعيين الهاربين من انظار الاجهزة الامنية ومن مختلف المحافظات ، وكان من بينهم عدد كبير من مدينة الناصرية .

وبالصدفة كان من بين الهاربين شاب لا حيلة له ، ولايتمتع بعلاقات متينة ولم يكن يوما معروفا لاهالي الناصرية وشبابها ، ذلك الشاب اسمه سعيد الذي سبق ان عمل في السياسة مع حميد وتحت قيادته . لكن علاقتهما انقطعت فور التحاقهما بالخدمة العسكرية .

التقى الاثنان في بغداد وقد رمى سعيد بثقله في احضان حميد ، متوسما المساعدة في السفر الى خارج العراق ، او اية مساعدة اخرى تنفع في هذه الظروف الصعبة .

كان حميد يعمل وينام في الفندق ، لكنه يختلس بضع ساعات احيانا لكي يخرج ويلتقي سعيد ، واستمرت الامور هكذا ، حتى ان سعيد شعر بعدم جدوى هذه اللقاءات القليلة ، وراح يزور حميد الى الفندق .

تكررت زيارات سعيد الى الفندق ، ومن خلال ذلك تكونت علاقة حميمة بين سعيد وجمال مدير الفندق ، الذي اظهر وبطريقة ذكية ميلا الى الماركسية والشيوعية ، وكان النقاش يمتد بينهما لساعات احيانا ، وكانا يتصافحان بحرارة وبطريقة توحي وكانهما قائدين ثوريين وان الجماهير تنتظر اشارة منهما لتهب وتقضي على الجلاد .

وكم مرة طلب حميد من سعيد ، ان يتجنب النقاش السياسي مع هذا الرجل اللبناني ، ولكنه لم يسمع ذلك ولم يقدر خطورة ماهما فيه ، واستمرت هذه العلاقة بين سعيد وجمال مدة شهر تقريبا ، حتى انتجت اتفاقا بينهما ، وهذا الاتفاق يقضي ، بان يقوم جمال بتزوير جوازات سفر لمصريين يقطنون الفندق ومودعيين جوازاتهم في درج مكتبه لكي يسافر بها حميد وسعيد . كل هذه التضحية يقدمها اللبناني تعبيرا عن قناعته بالماركسية وحبه للشيوعيين العراقيين .

ولكن في هذا الوقت ، التحق بحميد وسعيد ، اثنان من الاصدقاء من الناصرية ايضا . وهما الشقيقان سلام وظفار ، فاصبح الجميع  يبحثون مضطرين عن اربعة جوازات سفر بدل الاثنين ، وعندما طرحا الموضوع على جمال ، طلب الاخير ، مائة دينارعراقي  ثمنا لذلك ، فوافق الجميع دون تردد .

سلام وظفار ،  لم يدخلا الفندق ، ولم يتعرفا على جمال مطلقا ، وهو الاخر لم يعرفهما .

في احد الايام طلب جمال صورة لكل واحد من الاربعة ، لكي يباشر عملية التزوير ، وكان في عجلة اكثر من اصحاب الشأن .

وعندما جلب كل من حميد وسعيد الصور الاربعة ، كان جمال يلح في السؤال عن سلام وظفار ، وعن السبب الذي منعهما من المجئ  في هذا الموعد .

علما بان جمال اللبناني كان يحمل الجوازات الاربعة معه ، وحسب الاتفاق كان عليه ان يظهرها  لكي يراها الاربعة ، ويقتنعون بها ولكي يطمانوا بان هناك فعلا جوازات سفر حقيقية .  

اخذ حميد وسعيد يقلبان صفحات كل جواز ، وينظران الى مافيها من معلومات وتاشيرات ، في تلك اللحظات جلب  نظر الاثنين ، صورة مثبتة في احد الجوازات ، حيث شاهدا بان تلك الصورة ، فيها الكثير من ملامح سعيد . تشاور الاثنان في الامر وكذلك اللبناني ، حتى اقتنع سعيد بتلك الصورة وبارتياح كبير .

اذن لاضرورة ، ان يعطي سعيد  صورته الى جمال ، ويكتفي بالصورة الاصلية ، وفي ذلك منافع عديدة. ثم اخذ جمال الصور ، وهي لثلاثة اشخاص فقط ، هم حميد وسلام وظفار . وهكذا تمت الصفقة وحددوا موعدا لاستلام الجوازات .

يتبع ..

 

هامش ..

-القصة حقيقية وجرت في العام 1979 في بغداد .

-جمال هو الاسم الحقيقي للرجل اللبناني .

-حميد وسعيد اسماء مستعارة لكنها هي نفسها كانت متداولة في ذلك الوقت وليس من الكاتب .

- سلام وظفار من عندي لعدم اخذ الاذن منهما بذكر اسميهما الحقيقين .

- الامكنة التي ذكرتها حقيقية .

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com