|
قصة قصيرة المُشَوَّه (2) مزهر بن مدلول ذلك خيالٌ تصحَّر .. فكان العزفُ ، حين تحرر من مراقبة الضمير، خيانة للكلمات .. ومااسهلَ ان يبني المرء ، صرحا شامخا له ، من امجادٍ وبطولاتٍ واحلام مرصوفة بعناية ، من خيال لا حدودَ لأفقهِ ، ومن لوعة عشق ٍ مراهقٍ لقلم وبرائة بياضٍ ناصع ٍلورق.. لكنه ، في لحظة بوح سرية ، هادئة وصادقة ، يكتشف ان تلك الصناعة كانت ، مجرد حبر وورق .. وانّ كلّ الذي قال ، من يأس خيال .. لانه وحين احترق الوادي ، لم يعد له قول يُقال ..!! وانه لم يكن يوما كما حكى ، سلاحا لانكيدو القوي ..! ولا رحيقاً لأزهار الحديقة ، التي حلمَ بها المقاتلون ..! هو ليس ، ثوبا ممزقا لمشردٍ ، أو نصف رغيف في بطن طفلٍ جائعٍ .. ولم ينادم ابداً، سكرة ( إبنَ هامش ) ، في نادي الموظفين .. هو ليس زمنا عبثيا جميل ، في شعر حسين مردان ..! ولم يكن كتاب علمٍ ، بعد خيبة دراسية لسنوات متتالية ..! - ترى ، عن ماذا اتحدثُ مع اساتذتي ..عن فشلهم ام عن فشلي ..؟! هنا في هذا الوادي، في غربة الروح .. كان يأبى ان يكون تبغا ، ولاموقد نار، ولا شايا ، ولا بندقية او حجر ..! وانّ فضاءَ تأملهِ كان مغلق .. وحده دائما ، دون ذكرى ولا ذاكرة ، ولانه لايجد في حاضره او ماضيه القريب ، إلاّ مقدارا من الوحل ، على وشك ان يغطس فيه .. يذهبُ الى هناك .. بعيدا جدا .. حيث لا اثر للحياة .. ينبش القبور، ليصنع من نسيج عظام الموتى ، عباءة يغطي فيها خباياه .. ويصبح بطلا في مدينته القديمة ، التي اتهمها حين نستهُ ، بانها فقدت ذاكرتها .. يقف في وسط دائرة حميمية ، من جمهرة واسعة جميلة ، انتقاها كما يشتهي ، ودون اذن من اي احد .. تهتفُ لهُ وبحياتهِ ، التي امتلأت بأساطيرٍ خرافيةٍ ، غريبة ومدهشة..!! لكنه ، ما ان يستلقي على سريره خلسةً ، وقد هدَّ جسدهُ التعب ، حتى يصيبهُ الفزعُ ، من شبح الحقيقة ، ويهاجمهُ الارقُ والقلقُ ، ويشتدُّ مصابهُ ومصيبتهُ حين يكتشف ، بانَّ الاحياء من الناس ، لايصدقون زوبعةَ معاركهِ الصاخبةِ جعل الشهود فيها ، قد قضت الحرب عليهم جميعا .. - لكن هناك غزة .. انا اتغزل بثورية غزة .. ولم يبقى غيرها ، هي المعقل الاخير ..!غزة ياعيوني يغزة .. هاي الولاية يغزة..لابد يجي يوم تصير.. مثلج تصنع العزة ..!! وغزة ، لم تكن صاغية لكلمات الغزل الساخنة .. فتوشحتْ بالسواد، وأقامتْ مآتما في كل بيتٍ وشارعٍ ، حزنا على الذي قتل أهلَ مدينتنا كلهم ..!! قبل سنوات خلتْ وخلدتْ .. كان صوتُ الرصاصِ مدويا ، وكان الدمُ يسيلُ والشهداءُ يتساقطون .. لكنَّ عزيمةُ المقاتلين ، كعاصفة في جبل ، فسجلوا بطولةً رائعة ، وصموداً نادراً وعجيب ، ودوَّنَ التاريخُ ذلك ، من نخبة واعية ، شاهدتْ وشاركتْ ومازالتْ وستظلّ ، تروي تلك الحكايات والقصص الى الابد .. ازعجه ذلك كثيرا ، وشعر بالضياع والاضطراب ، لانه لم يجد له مكانا وسط شموخ الابطال الحقيقيين ، الذين انحنتْ الهامات اجلالا لتضحياتهم .. فعاد الى طائرته الورقية .. جلس خلف حجر يفكرُ في حياكة حيلة جديدة.. - هذه الذاكرة اللعينة قد هرمتْ ، ولااثر في جسدي من تعذيب الزنزانات الانفرادية .. - ترى هل يسالوني عنها .. لا لا .. ذلك زمن مضى .. !!. وراحت اصابعه ، تتحسس بعض مناطق جسده ، علَّها تعثرُ ، ولو على ندبة صغيرة ، من أثرِ عضة نحلة ، او ثقب ضيق ، من لدغة بعوضة مسمومةٍ .. ولكن دون جدوى .. فمن اين سياتي بمساحة اخرى للهروب .. وهذا الطلاء الخارجي ، مهما كان براقا ، لم يتحول الى رواسب روحية تؤثر بهؤلاء .. - هذه حرب خاطئة .. انها حرب القيادات .. انا لم اشترك فيها .. حرب لم يكتب عنها ماركس ولينين من قبل ارفضها .. لذلك قررت ان لا احمل السلاح ، واطلب منكم اعفائي من الحراسات بعد منتصف الليل .. ههههههههه .. ضحك منه الاخرون ، والرصاص كالنياشين على صدور الاعزاء .. فتمنى لو انّ قدمهُ طاوعتهُ ، وان ارتعاشة جسده ، قد وصلتْ الى نهايتها وراح يتوسل الحجر، ان يعينهُ لكي ينهض على ركبتيه .. عند ذاك ، أبتْ بندقيته ، ان تطلق رصاصة واحدة ، وصمتت كصمته .. فكتبَ لهُ احدهم من هناك ، من خلف اسوار المدينة المرهقة .. معتبرا إياه .. انه مجرد أفّاق ومدعي .. ( من هذا الذي يكتبُ عنا وعن مدينتنا دون ان نعرفه .. سألتُ عنك ، وقالوا ان بندقيتك اصابها الصدأ ، في .. ..!!! ) . - كيف لا تعرفني .. انا الذي تعرف زنازين المدينة وطأتي .. وإن لم أُضرب ( بالراشدي ) .. فان فأران الزنزانة المعتمة ، اكلت انفي .. الا ترى ؟.. - حقا ذلك مدهش .. كان الاحرى بك ، ان تضع رصاصة في راس من وشى بك وخانك .. هاهو أمامك .. وهذه بندقيتك .. ماذا إنتظرتَ .. ولماذا طأطأتَ راسك عندما إلتقيته هناك .. اتخشى ان يبوح بالحكاية كلها .. وانّ اسئلة الامتحان مازالت عصية على ذهنك ..؟!! فاوحى لمجنون ، بانّ الاسطورة التي تقع ابعد من الزمن ، تقتضي رصاصة في صدر مقاتل .. ولما عرف الاعداء ، الذين قتلوا الاسماء الجميلة كلها.. هلهلوا ، وقدموا له هدية .. رزمة من ورق .. يرسم فيها خيبة الشهداء وخيانة الاحياء ..!! ولكن .. بعد حين .. قالوا .. ذلك َبالونٌ مثقوب .. وإنَّ أمهرَ السبّاحين وأكثرهم غطساً ، هو الغريق.. وطردوه .. ! الجبل من 82........ يتبع
|
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |