قصة قصيرة

اليوم الأول لوفاة علي السباعي

علي السباعي / الناصرية

ليلاً اشرقت الشمس، سرعان ما انكسرت، تهشمت ساقطة من الفضاء كالموت على الأرض الخضراء. عدت من العاصمة قبل شروق الشمس بنصف يوم بعد تخرجي من الجامعة. هذا اليوم امتطى المي صهوة اخذ يحارب بسيفه الفضي داخل جسدي، بدأ يحارب كل طموح يسكنني، شعرت وانا في طريقي الى قريتي بأن ذلك الفارس صاحب السيف الفضي قد انتصر ودحر كل شجاعتي، جعل عيوني تبكي وجعاً مسكوناً بالقلق، عند القنطرة المؤدية الى القرية كان علي السباعي ممتطياً فرسه، مرتدياً عدة الحرب ترجل السباعي من فرسه وبيده بندقيته، احتضنه بحرارة، قلت مداعباً اياه:-

- اعازم يا عم سباعي على سحق العالم كله؟

تغيرت سحنتته، اشاح بوجهه بعيداً، قال بصوت ضعيف :لا والله!

سحبته من يده سرنا سويه صوب بستانه؛ هناك حلسنا نتحدث تحت نخله عملاقة، سألته عن سبب خروجه بعدة الحرب وعما هو عازم عليه؟ نكسه رأسه وكأنه يخبأ حزناً لا يريد الكشف عنه كي لا يفقد بريقه، قال:-

- بعدة الحرب انا ذاهب الى الموت.

اصيب الرعد بالخرس ولم تطلق السماء هديرها، لقد عميت الغيوم، بعد لحظات واستجابت لرغبة الشيخ امطرت فصوص شذر متكسر امتلأت بعجز رهيب، تذكرت السباعي الذي الهم بجسد هزيل يسعى الى الموت تأكد لي واضحاً بأن السماء لن تمطر ثانية، قلت:-

- سيشكل الموت لك راحة من نوع جديد لا حتجاج فيها ولا مقاومة ولكن! لماذا ترغب بالموت؟ وكأنه يعبر سبع بحيرات وسبع شطوط وجدولاً واحداً احتقاره لنفسه، قال:-

- رغبت في الموت لانني احسست باني مرفوض. لقد ذهت الى ابن عمي اطلب يد ابنته الصغيرة فرفضني، قال لي: انك خرف يا سباعي، مجنون متزوج من ثلاث نساء وتريد رابعة... انك خبل... احسست بالأهانه وانا بمثل هذا العمر، بعد اربع وتسعون عاماً اطرد.

وهو يتكلم شاهدت الدموع تنساب من مقلتيه، قلت:-

- لا عليك يا سباعي فقط انسى الامر وتحلى بالشجاعة.

لكن السباعي طأطأ رأسه مرغماً وبدأ يزرع الكلام في الصخور التي تحطم عليها كل المطر وسألني:

- لماذا لا ابكي على الماضي؟ لماذا؟

سألت نفسي في اسى: لماذا لا نبكي على الماضي؟ كان سؤالي دون جواب كتلك الشذرات التي تحطمت فوق احضان الصخر وكان وجع سؤالي مؤلماً كأنه لدغات بعوض، سرعان ما سمعته يقول وكأنه قتل كل اسراب البعوض دفعة واحدة وتخلص من طنينها المزعج:-

- ان البكاء يغسل كل ندم فهو يطهر النفوس وكل دمعة كفيلة بان تطهر جيشاً من الكفرة.

افاق السباعي من سكونه وهو سنفق الدموع عن وعي كبير وكأنه يحسب كل دمعة بأمكانها ان تجتر جيشاً من الاسى فتهضمه هضماً، فيجد علي السباعي نفسه منساقة الى سلوك جديد.

قلت: الحياة حرب.

نثر السباعي كل البعوض الذي قتله فوق رأسه، امتطى فرسه ولكزها بقوة فانطلقت به تروم عبور القنطرة لكنها ارتبكت وعثرت ساقطة الى النهر معه، هرعت لمساعدته لكنه نهض وبيده بندقيته وشرع يبحث في الماء عن شيء ما؟ ياعم سباعي دعني اعاونك في البحث؟ رفض يدي الممدودة وراح يبحث في الماء العكر عن شيء فقده. لكن! دون جدى.

قال بأسى: لقد اضعتها؟!

- ماذا اضعت؟

- اضعت الشمس. لقد سقطت مني.. ضاعت الى الابد.

امتطى فرسه، وراحت تنهب الارض، وفي الليل، اشرقت الشمس وسرعان ما انكسرت بعد شرقها تهشمت ساقطة على الارض الخضراء وكأنها كرة من زجاج ملتهب بأوجاع قديمة، فجأة، اخذت الأرض تزدهر لتنبت ورداً من نار لنيزك قديم، وانا اتابع هذه الرؤى المدهشة، سمعت نساءاً تولول، كان البكاء اتياً من بستان السباعي. اطلقت بنادق القرية رصاصها. فكان شذرات ضوئها تتقاطع مع حمى رغبات الرجل قبل ان يموت، رفعت رأسي باتجاه السماء وجدتها تبكي ماضي حياة حافلة بالاوجاع، تجمع كل رصاص القرية على شكل كرة حمراء مستديرة.... هي شمس جديدة... اذن؟ شمس الواحدة ليلاً... فكان اليوم الأول لوفاة علي السباعي.

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com