قصة قصيرة

جارتي والحرب

صبيحة شبر

sabiha_kadhum@hotmail.com

تأخذ المراة الجارة، بالتنقل بين غرف المنزل، مرتبة، منظفة الأثاث من الأوساخ العالقة، ماسحة الغبار المتراكم، بقطعة قديمة من قماش، استمع الى صوت فيروز الجميل المنعش، بعد أن هدني التعب، وأمضني الترقب، وحاولت الاستسلام للنوم، فجاء متقطعا على غير رغبة مني، اشعر ان جسدي منهك وروحي متعبة، بذلك الألم الشديد والمتواصل، والقلق المستمر، ولكني حين رأيت جارتي تتنقل في أرجاء المنزل، لتبعث بالحيوية المفقودة، من جراء الإجهاد الطويل شعرت بنوع من السعادة،كنت افتقده

 اسمع صوتا خافتا للمذيع، وهو يقرأ نشره الأخبار الأخيرة، القتلى بالآلاف، والجرحى يتكدسون على ممررات المستشفيات، يحلمون بالشفاء العاجل، بعد ان أصابت أرواحهم القنابل الفتاكة،قبل ان تصيب منهم الأجساد

المراة النشطة، خفيفة الحركة، تتنقل كالنحلة من مكان الى آخر، تدخل الى المطبخ لتهيئ لي طعاما مقويا، يساعدني على استرجاع عافيتي الناقصة،ويعين في الإكثار من در الحليب، فكري مشغول، والأوجاع تستبد بي، ماذا يمكن ان يحل بهم، ليمنعهم من المجيء الي كما هو دأبهم، ولم اسمع الهاتف يرن ليطمئنني، على سبب غيابهم الطويل، كنت آمل ان استمع الى صوتهم الحنون المميز، والذي يحمل لي غصونا خضراء من الحب والجمال

 - حساء الخصروات غذاء مجرب، وهو سهل الهضم، لذيذ المذاق، يساعدك في عملية الإرضاع

 استمع للمراة القادمة الينا، بعد ان أعياني الحال، وأدركت ان الوالدة لا تستطيع المجيء، على اثر المنع الجديد للسفر، الذي طال كل المواطنين الا من استطاع ان يحصل على توصية من بعض مناطق النفوذ

خفت ان أكون وحيدة، وأنا أترقب هذا الحدث السعيد، الذي أشهده لأول مرة، وكدت أموت خشية، من عدم التمكن من استقباله

يستمر المذيع في إلقاء نشرته الإخبارية، والعدد الكبير من القتلى والجرحى، والمفقودين في تلك الديار الغريبة، يفجعني، أتساءل بيني وبين نفسي

- لم يشعل الحكام الحروب؟ وما الفائدة منها؟ ولماذا يحشرون الناس عنوة في تلك الجيوش؟

تواصل المراة الجارة تنقلها، في أنحاء المنزل الواسع، الذي أصبحت غريبة فيه، ومهجورة بعد ان سافر لأداء واجبه العسكري كما قال،تساءلنا، ماهو الاسم الجميل الذي نطلقه على وليدنا المرتقب، عددنا الكثير من الأسماء الرائعة وذات المعاني السامية، ولم نكن نفضل جنسا محددا، كل ما يرزقه الله جميل

اسمع صوت تنظيف الصحون من المطبخ، كانت كثيرة، ولم اقو على أداء ذلك الواجب الثقيل، بعد ان ثقل حملي، وأصبح السير شديد العبء،كذلك الوقوف الطويل، وحتى الأشغال المنزلية التي كنت مدمنة عليها، أضحت صحتى عاجزة عن القيام بها

 تأتيني المراة بقدح من الحليب الساخن، استرد فيه بعضا من العافية التي احتاج إليها، في هذه المهمات العسيرة،التي علي ان أقوم بها

لم يتصل بي كما وعدني، وكان تواقا الى رؤية ولده البكر، ولكن ماذا بالامكان فعله والبلاد في حرب مستعرة؟

اشرب جرعات من الحليب، تقف المراة بجانب سريري، لم استطع ان أبادلها الحديث، انا لا افقه لغتها، وهي لاتعلم من العربية شيئا، اشعر كما لو ان الله قيض لي أختا حبيبة في ديار، ابتعد عني الأحباب فيها، وهاجر الزوج مرغما على أداء واجب ثقيل، يصرخ الطفل راغبا بالحنين، محتجا على استقبال الحياة بمفرده، وكان يحلم ان يكون الأب فرحا متهللا، بقدومه السعيد

تعينني الجارة باحتضان الطفل، وحالما يهدأ ويرغب عن الصراخ المحتج، حتى أعيده الى المهد، وكأن هذه الحركة البسيطة قد استنزفت قوتي

يواصل المذيع قراءة نشرة الأخبار، القتلى والجرحى بالآلاف، هل تدرك تلك المراة ان جيشنا يعمل فيهم قتلا وتجريحا، كما يفعل جيشهم فينا؟

 تضع المراة يدها على جبهتي، رغبة في قياس درجة الحرارة، تنطق ببعض الكلمات التي لا افهمها، تأتيني بطفلي الصغير، وتعينني في إرضاعه، تنبعث من المطبخ رائحة لأكلة شهية، انتهت تلك المراة من تجهيزها لي، تساعدني أولا في تناول الدواء الذي وصفه الطبيب، تؤشر لي بيدها إشارة افهم منها النصيحة لي، بالنوم بعد سهر متواصل، تساعدني في تغيير ملابسي التي تبللت من جراء ارتفاع الحرارة وانخفاضها

تطمئن الى راحتي، وتغلق الباب بهدوء بعد ان انتهت من عملية التنظيف والطبخ وغسل الملابس.

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com